عناصر الخطبة
1/مواعظ وفوائد من حادثة الهجرة النبوية 2/مشاهد من وجوه معاناة الشعب الفلسطيني 3/رسالتان لمناصرة أهل جنين وتنديدا بالمعتدين على القرآن الكريم 4/رسالتان بشأن برنامج متعدد الثقافات ومناصرة المسجد الأقصى المباركاقتباس
إنَّ شعبَنا الفلسطينيَّ الذي هو جزء من الأمة الإسلاميَّة قد عانى من المحن والمصائب والمؤامرات ما عاناه، حتى يومنا هذا، ومع ذلك فقد تمسَّك بأرضه، ورابَط فيها، ودافع عن المقدَّسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارَك...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ.
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالَا
الحمد لله أنعم علينا بالإيمان، وأعزنا بالإسلام، الحمد لله، أرسل إلينا النبي العدنان، خير الأنام، -عليه الصلاة والسلام-، الحمد لله، أمرنا بقول الحق والصدق، ونهانا عن الكذب والنفاق؛ كرامة للأنام، الحمد لله الذي أنعم على مدينة جنين ومخيمها بالصبر والثبات وعدم الاستسلام.
الله أكبر على من فرط ويفرط ببيته وبأرض الإسراء والمعراج، أرض الآباء والأجداد على مدار السنين والأيام.
إلهي ما قصدتُ سواكَ *** ولم أقصد سوى إياكَ
هفا قلبي إليك صَبًا *** وكم في سره ناجاكَ
فخذ بيدي فما لي مطلب *** يا رب غير رضاكَ
ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، وحدَه لا شريكَ له، نصر عبده وأعز جنده وهزَم الأحزابَ وحدَه، القائل في سورة النساء: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النِّسَاءِ: 104].
اللهمَّ احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا برعايتك في الليل والنهار، في الصحاري والآجام.
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وشفيعنا محمدًا، عبد الله ونبيه ورسوله، إمام المجاهدين، وقدوة العلماء العاملين، وسيد الأنبياء والمرسَلينَ، الذي هاجر من مكة المكرَّمة إلى المدينة المنوَّرة لإقامة دولة الإسلام، ولرفع راية الحق والعدل والإيمان قائلًا مخاطِبًا مكةَ حين غادرها: "ما أطيبكِ وأحبكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ"، صلى الله عليكَ يا حبيبي يا رسول الله، وعلى آلِكَ الطاهرين المبجَّلين، وصحابتِكَ الغُرّ الميامين المحجَّلين، ومن تبعكم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فيقول الله -عز وجل- في سورة التوبة (براءة): (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التَّوْبَةِ: 40]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نستظِلّ في هذه الأيام بذكرى عزيزة على قلب المسلمين، ذكرى تُعَدّ من أبرز وأهمّ الأحداث في السيرة النبويَّة، بل في تاريخ الدعوة الإسلاميَّة.
إن الهجرة النبويَّة لم تكن هروبًا من المسؤوليَّة أو فرارًا من المواجَهة؛ بل كانت ترسيخًا وتجسيدًا لقواعد الإيمان، ولقيام دولة الإسلام، ولتطبيق العدالة على جميع الأنام؛ لذا لم تكن الهجرة بحثًا عن الخِيَام، ولا عن الأكل والشرب، ولم تكن الهجرة لتوزيع الخبز والمواد الغذائيَّة؛ فالهجرة أَسْمَى من ذلك كله.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن الذين هاجروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنوَّرة كانت كرامتهم محفوظة، ومرحَّبًا بهم مِنْ قِبَل إخوانهم في الإيمان؛ إنهم الأنصار، الذين يُمثِّلون الوحدةَ بين الأوس والخزرج؛ نعم إنَّها مؤاخاة إيمانيَّة صادقة، وتُطبَّق عمليًّا على أرض الواقع بين المهاجرين والأنصار، وتعد هذه المؤاخاة أكبر وأعظم إنجاز ونصر للإسلام والمسلمين، فأين نحن من هذه المؤاخاة في هذه الأيام يا مسلمون؟! اللاجئون الفلسطينيون قد عانَوْا معاناةً قاسيةً شديدةً، وتشرَّدُوا في الآفاق، إلَّا أنهم لم يتنازلوا عن حقوقهم المشروعة، وأنَّهم متمسكون بحقهم في العودة اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "لا هجرةَ بعدَ الفتحِ".
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: نعم، إنَّ شعبنا الفلسطيني الذي هو جزء من الأمة الإسلاميَّة قد عانى من المحن والمصائب والمؤامرات ما عاناه، حتى يومنا هذا، ومع ذلك فقد تمسَّك بأرضه، ورابَط فيها، ودافَع عن المقدَّسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارَك، وألقى خلفَه خِيَام الذل والهوان؛ فهو يسعى لأن يعيش عيشة الكرامة والعزة والاستقلال في وطنه، وليكسب ثواب المرابطة في أرض الإسراء والمعراج، الأرض المبارَكة المقدَّسة، وكلنا مرابطون، ففي هذا المقام فإنَّنا من على منبر المسجد الأقصى المبارَك، نبعث بتحية إكبار وتقدير وثناء إلى إخوتنا في الداخل الفلسطيني، الذين ثبتوا على أرض فلسطين ولم يهاجروا منها إثر نكبة فلسطين عام (1948م)، وكذلك فإنَّنا نبعث بتحية إكبار وتقدير وثناء إلى إخوتنا في مدينة القدس، وسائر مدن وقرى فلسطين، الذين ثبتوا أيضًا على أرض فلسطين ولم ينزحوا منها إثر نكبة أو مهزلة حزيران عام (1967م).
أيها المصلون، يا خير أمة أخرجت للناس: إنَّ المرابَطة في ديار الإسلام تعد من الدروس التي نستلهمها من الهجرة النبويَّة، لقول رسولنا الكريم الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "لا هجرة بعد الفتح"؛ لذا فإن مدارستنا للهجرة النبويَّة تعطينا الأمل والتفاؤل، والبشارة بأن ديننا الإسلامي العظيم سينتشر ويقوى في بقاع العالم؛ فلا مجال لليأس؛ فالله -سبحانه وتعالى- يقول في سورة يوسف: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يُوسُفَ: 87]؛ فعلى المسلمين الالتزام بالسيرة النبويَّة المطهرة، واتباع خطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعوته، وفي سلوكه، وفي أخلاقه؛ حينئذ فإن الله -عز وجل- العزيز الكبير لن يخذلنا، ولن يتخلى عَنَّا، فيقول في سورة آل عمران: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 160].
جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوزَ المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمينَ، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهمَّ صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليتَ على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارِكْ على سيدنا محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
أيها المصلون: قبل البَدْء بالخطبة الثانية نقدم التهاني والتبريكات لحجاج بيت الله الحرام، لهذا العام، فنقول لهم: حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، وتجارة لن تبور إن شاء الله، والحمد لله على سلامة عودتكم، وملاحظة أخرى: سنصلي صلاة الغائب على أرواح الشهداء بالإضافة إلى الصلاة التي هي قائمة للجنازة اليوم أيضًا.
أيها المصلون: أتناول في هذه الخطبة أربع رسائل بإيجاز، وبالله التوفيق:
الرسالة الأولى: نوجهها بالتحية والتقدير والمحبة إلى أهلنا في مدينة جنين، ومخيمها؛ لثباتهم وصموده وصبرهم وعدم استسلامهم، كما نوجه بالتحية والتقدير والمحبة إلى الشعب الفلسطيني من البحر إلى النهر، الذي هبَّ لتقديم العون والإغاثة والمساعدة لأهلنا المتضررين في جنين وفي مخيمها؛ لإثبات وحدة شعبنا عمليًّا وعلى أرض الواقع، وندعو الله -عز وجل- الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى، في الوقت نفسه نستنكر ما قام به جيش الاحتلال من تدمير للبنية التحتيَّة، وانتهاك لحرمة المساجد وهدم للبيوت في مخيم جنين الصامد.
أيها المصلون: الرسالة الثانية نوجهها إلى الحاقدين على الإسلام، نعم، إلى الحاقدين على الإسلام؛ فقد أقدم أحد المجرمين المتطرفين بحرق نسخة من القرآن الكريم، وذلك أمام مسجد إستكهولم في عاصمة السويد، في يوم عيد الأضحى المبارك، وبحماية الشرطة السويدية، إنَّه فعل مستنكر، إجرامي استفزازي، وسبق أن تكرر هذا الفعل المشين، الذي يتعارض مع جميع القِيَم والأخلاق، وإنه يُثِير التعصبَ والفتنةَ الدينيَّةَ، ونُحمِّل الحكومة السويدية المسؤوليَّة عن هذا التصرف المشين، إزاء ذلك لنؤكد: إن القرآن الكريم هو محفوظ من الله رب العالمين؛ فيقول في سورة الحجر: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الْحِجْرِ: 9]، إنَّه الكتاب الوحيد في العالم، الذي لم يطرأ عليه تغيير ولا زيادة ولا نقصان، والحمد لله على نعمة الإسلام، ولو كره الكافرون الحاقدون، قولوا بَعديّ: الحمد لله على نعمة الإسلام.
أيها المصلون: الرسالة الثالثة تتعلَّق بما يعرف ببرنامج متعدد الثقافات، هذا البرنامج المموَّل من الدول الغربيَّة؛ بهدف إشغال الأجيال الصاعدة بأفكار وقضايا بعيدة عن ديننا وعن ثقافتنا وعن حضارتنا وعن واقعنا، هذه عمليَّة غسيل دماغ للطلاب والطالبات، وممَّا يلفت النظر أن هذا البرنامج الهدام يخلو من أي موضوع ثقافي وحضاري يتعلَّق بديننا الإسلامي، ومن هنا تنكشف النوايا السيئة، غير الحسنة في طرح هذا البرنامج الممول من الغرب، هذا ومن المؤسف أن بعض المدارس في مدينة القدس قد أخذت في تطبيق هذا البرنامج، ؛ ممَّا يؤكِّد أن هذه المدارس ليس لها انتماء لفلسطين، ونوجه العتاب واللوم لأولياء الأمور الذين يرسلون أولادهم وبناتهم إلى هذه المدارس، كما نوجه نداءنا للمشرفين على المخيمات الصيفيَّة أن يكونوا حذرين من برنامج متعدد الثقافات الهدام، وأن يحرصوا بالمحافظة على هُويَّة الأجيال الصاعدة، وعلى سلوكهم وأخلاقهم، وإنا لمنتظرون.
أيها المصلون: الرسالة الرابعة والأخيرة بشأن المسجد الأقصى المبارَك، الذي هو للمسلمين وحدهم، وأنَّه غير قابل للقسمة، وأنَّه على مدار السور بمساحة مئة وأربعين دونما؛ أي: مئة وأربعة وأربعين ألف متر مربع، بما في ذلك مصلى باب الرحمة، الذي هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارَك، وأنَّه قد فتح بحمد الله ولم يغلق بعون الله وتوفيقه، وهنا نستنكر ما يقوم به المستوطنون المتطرفون من أدائهم للصلوات التلمودية، ونؤكد أن هذه الاعتداءات لن تكسبهم أي حق بالأقصى، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21] صدق الله العظيم، ولا يسعنا إلا أن نقول: حماك الله يا أقصى، قولوا: آمين.
أيها المصلون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا مِنْ بَعديّ: اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وفَرِّج الكربَ عنَّا، اللهمَّ احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهمَّ تقبل صلاتنا وقيامنا وصيامنا وصالح أعمالنا، اللهمَّ يا الله يا أمل الحائرين، ويا نصير المستضعَفين، ندعوك بكل اليقين، إعلاء شأن المسلمين بالنصر والعز والتمكين.
اللهمَّ ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِق سراحَ أسرانا، اللهمَّ إنَّا نسألك توبة نصوحًا، توبة قبل الممات، وراحة عن الممات، ورحمة ومغفرة بعد الممات، اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وأَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات