عناصر الخطبة
1/الشرك أعظم الذنوب 2/خوف الأنبياء من الشرك 3/من ثمرات التوحيد 4/من صور الشرك المنتشرة 5/حكم تعليق التمائم من القرآناقتباس
ومن صور هذه التمائم المحرمة: لبس القلائد والحلق التي فيها صورة عين أو على صورة الكف، أو تعليق القفل، أو لبس الأسورة الحديدية أو المغناطسية التي يزعمونا أن تشفي من الروماتزم، وما يعلق في السيارة أو البيت للسلامة من العين...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنّ الحمدَ لله، نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
إخوة الإيمان: حديثنا اليوم عن داء عظيم هو أس الداء وكل البلاء، من وقع فيه عاش حياته في ضنك وشقاء يلازمه صباح مساء، كأنما يصعد في السماء، داء خافه الرسل والأنبياء والصالحون والأتقياء، من سلم منه كانت حياته سعد وهناء، وإخلاص ونقاء ونور وضياء.
فما هو هذا الداء -عباد الله-؟ إنه الشرك بالله -عز وجل- أعظم الذنب وأكبره، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"(متفق عليه)، وعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ"(رواه مسلم)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:" هذا حديث الموجبتين: موجبة السعادة، وموجبة الشقاوة".
ولهذا يلهج إبراهيم الخليل -عليه السلام- إلى ربه -جل وعلا-: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[إبراهيم: 35، 36]، قرأ إبراهيم التيمي -رحمه الله- هذه الآية، وقال: "من يأمنِ البلاء بعد إبراهيم"، وهذا نبينا يُخوّف الصديق من الشرك، فعن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟"، قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ "(رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني).
بل جاء التحذير من الرب -جل وعلا- لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- بقول -سبحانه-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الزمر: 65، 66].
وهذه النصوص -عباد الله- وغيرها لها دلالات منها:
أولاً: أن يخاف المسلم على نفسه من الشرك بالله، ويلهج إليه -عز وجل- أن ينجيه منه، ويدعو بالدعاء الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- للصديق: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ".
ثانيا: أن يعمر قلبه بتوحيد الله -عز وجل- والإخلاص له، ويمتلأ قلبه حباً لربه وعبودية وتذللاً له -سبحانه-، فتوحيد الله وعبوديته هي الغاية التي من أجلها خلقنا؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وهي حق الله على العباد، وبها الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ، وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟"، قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ، وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟"، قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ"(رواه مسلم).
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
عباد الله: من دلالات النصوص السابقة:
ثالثاً: الحذر من جميع صور الشرك التي أغرى بها الشيطان كثير من الناس ومنها: دعاء غير الله -عز وجل-، والاستغاثة بهم وطلب قضاء الحاجات منهم، كما يقع فيه بعض الناس عند قبور الأولياء وما يتبع ذلك من التعلق بها والنذور، والذبح لها والطواف بها، وقد استنكر الله -جل وعلا- عليهم ذلك فقال -سبحانه-: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنبياء: 66، 67]، ونهاهم عن ذلك فقال -تعالى-: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ)[يونس: 106].
ومن صور الشرك التي أغرى بها الشيطان كثير من الناس: تعليق التمائم، فعَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ"(رواه أبو داود وصححه الألباني)، وعن أَبَي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه-: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولًا: "أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ"(رواه البخاري).
وعن عقبة بن عامر الجهني: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعتَ تسعة وتركت هذا، قال: "إن عليه تميمة"، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: "من علق تميمة فقد أشرك"(رواه أحمد وصححه الألباني)، وعقبة ابن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعْتُ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تعلَّق تميمةً فلا أَتَمَّ اللَّه له، ومن تَعَلَّقَ وَدَعةً فلا وَدَع اللَّه له"(صححه الحاكم ووافقه الذهبي والأرنؤوط)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكيْمٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ"(رواه الترمذي وحسنه الألباني).
كل هذه النصوص تدل على التحذير من التمائم، والتمائم: هي ما يعلق بأعناق الصبيان أو الكبار، أو يوضع على البيوت أو السيارات من خرزات وعظام؛ لدفع الشر وخاصة العين، أو لجلب النفع.
وحكم هذه التمائم: إن اعتقد من يلبسها ويعلقها أنها تنفع بذاتها من دون الله فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أن الله هو النافع وحده، لكن قلبه تعلق بها في دفع الضر فهو شرك أصغر؛ لاعتماده على الأسباب التي لم يشرعها الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بل نها عنها وحذر منها، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن التمائم: "المعروف عن عبدالله بن مسعود وحذيفة -رضي الله عنهما- وجماعة من السلف والخلف قالوا: لا يجوز تعليقها ولو كانت من القرآن،؛ سدًا للذريعة وحسمًا لمادة الشرك وعملًا بالعموم؛ لأن الأحاديث المانعة من التمائم أحاديث عامة، لم تستثن شيئًا، والواجب الأخذ بالعموم فلا يجوز شيء من التمائم أصلًا؛ لأن ذلك يفضي إلى تعليق غيرها والتباس الأمر، فوجب منع الجميع، وهذا هو الصواب لظهور دليله".
ومن صور هذه التمائم المحرمة: لبس القلائد والحلق التي فيها صورة عين أو على صورة الكف، أو تعليق القفل، أو لبس الأسورة الحديدية أو المغناطسية التي يزعمونا أن تشفي من الروماتزم، وما يعلق في السيارة أو البيت للسلامة من العين، ويدخل في ذلك ما يلبسه الشباب من الأساور من الحديد والقماش.
فلنحذر -عباد الله- كل صور التمائم، تقول زوجة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: رأى في عنقي خيطا، فقال: ما هذا الخيط؟ فقلت: خيط رقي لي فيه، قالت: فأخذه فقطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "إن الرقى، والتمائم، والتولة شرك"(رواه أحمد).
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ، وصلوا وسلموا -عباد الله- على خير خلق الله.
التعليقات