عناصر الخطبة
1/قوله عليه الصلاة والسلام "العفو والعافية....." مكانتها ومفهومها 2/سؤال الله تعالى العافية لا يقتصر على الأحياء بل تسأل للأموات 3/وقفات مع العافية.

اقتباس

وأمَّا عافيةُ الآخِرَةِ؛ فَفِي الثبات عند الخروج من الدنيا، والسلامة بالثبات عند سؤال الملكين والسلامة من عذاب القبر، وفي الخلاصِ مِنْ حُقوقِ العِبَادِ، ومِنْ مُناقشَةِ الْـحِسَاب وعُبورِ الصِّراطِ، حتى تتم عافية العبد بدخول دار السلام جعلنا الله من أهلها بمنه وكرمه...

الخطبة الأولى:

 

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ الله- حق التقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

 

عباد الله: حديثنا اليوم عن نعمة عظيمة لو أدركنا عظمتها للهجنا بطلبها من ربنا مع الأنفاس، بحصولها يتم نعيم الدنيا والآخرة هي أفضل وخير ما أُعطِيَ العبد، عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر ثم بكى فقال: «سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية»(رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

وعن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله -عز وجل-، قال: «سل الله العافية»، فمكثت أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله؛ فقال لي: «يا عباس يا عم رسول الله، سل الله، العافية في الدنيا والآخرة»(رواه الترمذي وصححه الألباني)، وفي روايةٍ: "سَلِ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْت"(رواه أحمد وحسنه الألباني).

قَالَ ابنُ القيِّمِ: "فَجَمَعَ بَيْنَ عَافِيَتَيِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلا يَتِمُّ صَلاحُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ إِلا بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ، فَالْيَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عقوباتِ الآخِرَةِ، والعافيةُ تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِه"( زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 197).

 

 عباد الله: ما هي عافية الدنيا؟ عافية في الجسد، وعافية في الولد، وعافية في المال، وعافية في الأمن وفوق ذلك كلّه العافية في الدِّين؛ عافية الجسد وأنت تسمع وتبصر، عافية الجسد وأنت تنام ملء عينيك عافية الجسد وأنت تقوم وتقعد وتتحرك وتذهب حيث شئت متى شئت، عافية الجسد وأنت تنطق وتتكلّم وتُعبِّر عما تُريد، عافية الجسد وأنت سليم مِنْ الآفاتِ والأدواء.

 

أما عافية الولد ففي صحته وسلامته وعافية الولد في صلاح قلبِه واستقامته وهدايته وعافية الولد في حبه للخير وإقباله على الصالحات ومحافظته على الصلوات.

 

وأما العافية في المال ففي بركته ونمائه وحفظه.. وفي كسبه من الحلال، وإنفاقه في الحلال وإخراج ما أوجب الله فيه.

 

ومن العافية في الدنيا نعمة الأمن والاستقرار، نعمة الأمن على النفس والأهل والمال والعرض قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا ‌فِي ‌سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»(رواه ابن ماجة وحسنه الألباني).

 

أما أعظم عافية يفوز به العبد فعافية الدِّين، العافية في الإيمان بالله ومحبته وطاعته والحرص على ما يقرب إليه ومحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- والمتابعة له، العافية في الثبات على دين الله عزّ وجلّ والعافيةُ في السلامة مِنَ الذُّنُوبِ والمبادرة بالتوبة.

 

وأمَّا عافيةُ الآخِرَةِ؛ فَفِي الثبات عند الخروج من الدنيا، والسلامة بالثبات عند سؤال الملكين والسلامة من عذاب القبر، وفي الخلاصِ مِنْ حُقوقِ العِبَادِ، ومِنْ مُناقشَةِ الْـحِسَاب وعُبورِ الصِّراطِ، حتى تتم عافية العبد بدخول دار السلام جعلنا الله من أهلها بمنه وكرمه.

 

ولا يَقتَصِرُ طلب العافيةُ على الأحياءِ، بل نطلبها للأموات؛ فعن بُرَيْدَةَ بنِ الحصيبِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ؛ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ »(رواه مسلم).

 

فاللهم لك الحمد على العافية اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة يا حي يا قيوم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 أما بعد إخوة الإيمان لنا مع الحديث عن نعمة العافية وقفات منها:

أولاً: أن نحمد الله ونشكره على ما أولنا من العافية فكل خير يأتينا منه -سبحانه- وأن ندرك أنها أعظم نعيم وهبه الله للعبد، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)؛ فهو -سبحانه- ولي النعمة والفضل وعلينا أن نظهر فقرنا وحاجتنا إليه سبحانه ونحن نتقلب في سوابغ فضله وجوده.

 

ثانياً: قد يبتلي الله عبده بسلبه بعض العافية في جسده وأهله وولده وماله، وما ذاك إلى ليستخرج منه نعمة الحمد لله والصبر على بلاء ليعلي عافيته في الدين ويعظم له الجزاء يوم القيامة؛ (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) "حَتَّى يَتَمَنَّى أَهْلُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا أَنَّ أَجْسَادَهُمْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يَذْهَبُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَاءِ مِنَ الْفَضْلِ".

 

ثالثاً: أن نلهج لله بطلب العفو والعافية في كل وقت وحين وخاصة في الصباح والمساء؛ فعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، تُعِيدُهَا ثَلَاثًا، حِينَ تُصْبِحُ، وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي»، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ"(رواه أبوداود وحسنه الألباني).

 

عبد الله: لِتَكُن العافيةَ مِنكَ عَلى بَالٍ، وَأنْتَ تتقلّبُ في نِعمةٍ وَعَافيةٍ لا يَعْدِلُها شيءٌ، وأعظمها نعمة الأمن والدين والهدى، اللهم إنا نسأل العفو والعافية في الدنيا والآخرة. 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life