عناصر الخطبة
1/أفضل الأزواج وأكرمهم لأهل بيته 2/صفات الأزواج العقلاء 3/نصائح مهمة في قيادة البيوت 4/سمات الزوجة الناجحة.اقتباس
إن المرأة الحصيفة الرزينة مَن تُدرك عناء زوجها، وكدّه وعَمله من أجل أن يفرش لأسرته بساط العيش والعزة والكرامة، فتنطق في الغضب كما نطقت الصِّدِّيقة، فلا تَهجر إلا اسمه، ولا تُعيّره بما يروّجه الأسافل. متى قدّرت المرأة تحمُّل زوجها ديونًا من أجل مسكن وافرٍ يكنّها، وعيش طيب رغيدٍ؛ فإنها لا تخاصمه إذا أمر، ولا تنازعه إذا قرّر...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله العلي الأعلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسمى الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ذو الخُلق الأسمى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى وسلم تسليمًا.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أخرج الإمام مسلم عن سَعْدَ بْنَ هِشَامِ، قال دخلت على عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَتْ: "أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟"، قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: "فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ الْقُرْآنَ"، قال ربنا -عز وجل- (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4].
يخزن لسانه إلا فيما يعنيه *** ويكرم كريم كلّ قوم ويوليه
يُحَسّنُ الحسنَ ويقوّيه *** ويُقَبّح القبيح ويُوهيه
نبيٌّ زكيٌّ أريحيٌّ مهذبٌ *** شريفٌ منيفٌ سِرْبهُ غيُر مهمَل
وأولى الناس بخُلقه العظيم وإحسانه الكريم أقربهم إليه: زوجاته وأهل بيته، وكان يقول "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي".
ولما حكت عائشةُ -رضي الله عنها- عن أم زرع في زوجها حين قالت: "زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ".
بل هو -عليه الصلاة والسلامُ- أفضلُ من أبي زرع وأكرم، فقد كان في بيته أفضل الأزواج، دائم السرور والابتهاج، يملأ البيت أنسًا ومزاحًا، وبِشْرًا وأفراحًا، طيّب الشذى، عديم الأذى، لطيف المعشر، جميل المظهر، طيّب المخبر، لا يعاتب ولا يغاضب، ولا يطالب ولا يضارب، يؤثر الصفح على العتاب، والحلم على السباب.
ومن حبه للبنات، وعطْفِه على الضعيفات، يحمل أُمامة، وهو في الإمامة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها، وكان يقوم لفاطمة الزهراء، والدرة الغراء، ويجلسها مكانه، ويطأ لها أركانه، فكأن سرور الحياة صُبّ عليها، وكأن الدنيا وُضِعَتْ بين يديها:
يلين لكل ذي ضعف وعجز *** وكم لان لذي جهل فلانا
رسول يحمل الأطفال لطفًا *** ويجعل عاتقيه لهم حصانا
ويختصر القراءة حين يبكي *** صبي والموفق من ألانا
يلاطف أهله أكرم بزوج *** يعف الأهل يغمرهم حنانا
يقاسمهم متاعبهم معينا *** ويخدمهم فكم وضع الجفانا
وعزتنا بغير الدين ذل *** وقدوتنا شمائل مصطفانا
أَلاَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، وقد أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وإن من حكمة الرجل وأناتهِ أن يحلم حين تجهل عليه المرأةُ أو تصخب، فَإِنَّما خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ ما في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ.
والأب قِوام الأسرةِ ومنه تُتلقى القدوة والتربية؛ فالبيت من بنين وبنات ترتقب أفعاله وتَستن بأخلاقه، وما تصنعه من تعامل وأخلاق مع الزوجة سيخلق طابعًا لهم بعد الزواج، فلتكن أخلاقنا مرآتنا، وقِيمنا تنبع من تعاملاتنا "وما كان الرِّفْقَ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ".
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]؛ وما جعل الله القِوامةَ للرجل إلا لما فيه التعقل وضبط النفس وعدم مؤاخذة المرأة حين تراجعه أو تقاطعه.. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، قَالَ: فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ، فَوَاللهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ"(متفق عليه).
قمرٌ تسلسلَ منْ ذؤابةِ هاشمٍ *** في السرِّ منها والصريحِ الأمجدِ
والرجل الشهم لا يَنتظر رضاه باعتذار زوجته؛ بل (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[فصلت:34].
والتغافل ستر البيوت، والتناصح قوام الأسر، والأبوان أركان البيت، فمتى ما كانا متماسكين متعاونين تجَمَّلت وتعطّفت وبرَّت أروقته من بنين وبنات، ودام عزها وبقي ذخرها.
إنه لا يستفيد من تزعزع الأسرة والبيت إلا الإعلام الذي يَنتظر هاربات البيوت ليصنعهن خنجرًا في خاصرة المجتمع لينزف ما بقي من حيائه وغيرته وقوامته.
توجهات تنشط في قَلْب القِيَم، وعكس المفاهيم، وتحويل العلاقات العائلية إلى وظيفة رتيبة أشبه بمحاضن تفريخ، عزف الرجال عن الزواج لوجود السبل المحرمة، وتشويه سمعة الرجل ليكن الزواج شبحًا أمام البنت، بينما يُريها الإعلام الخادع أن تأمين مستقبلها، وأمان حياتها، هي وحدتها، والعيش من كدّ يدها، وإرهاق حياتها؛ فلا سكن للمرأة إلا بزوج تأوي إليه (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد: فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"؛ قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ". قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ.
ما أكرمها وأكرم منطقها، حين تطيب النفوس تطيب معها الأقوال والفعال..
طابت منابتها فطاب صنيعها *** إن الفعال إلى المنابت تُنْسَب
فحين يُؤمَر الرجل بالتغافل والحِلْم والأناة عن أهل بيته، ويُطالَب بحُسْن المعشر والرفق والإنفاق (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة:228]؛ فإن المرأة الحصيفة الرزينة مَن تُدرك عناء زوجها، وكدّه وعَمله من أجل أن يفرش لأسرته بساط العيش والعزة والكرامة، فتنطق في الغضب كما نطقت الصِّدِّيقة، فلا تَهجر إلا اسمه، ولا تُعيّره بما يروّجه الأسافل.
متى قدّرت المرأة تحمُّل زوجها ديونًا من أجل مسكن وافرٍ يكنّها، وعيش طيب رغيدٍ؛ فإنها لا تخاصمه إذا أمر، ولا تنازعه إذا قرّر، تُدرك سرّ قول الله -عز وجل-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء:34].
المرأة الوفية مَن تَمسح عناء شقاء الحياة من جبين زوجها بلطيف قولها وجميل منطقها..
المرأة الوفية مَن تشكر نعمة ربها، ولا تمد عينها إلى خارج أسوار بيتها، وتقرّ في بيتها حفاظًا على جدران مسكنها أن يتصدّع، ممتثلةً قول ربها (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الأحزاب:33]، والبيت سكن واستقرار وعيشُ وهناء (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)[النحل:80].
المرأة الحصينة العفيفة مَن تغار على نفسها أن تختلط بالرجال أو تُذْهِب حياءها من أجل نزهة أو مجاراة في محلِ مأكلٍ أو مشرب.. ترى قدوتها أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، في فعلها حين قَالَتْ: كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى عَلَى رَأْسِي، فمر بي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فأناخ بعيرًا لِيَحْمِلَنِي، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ غيرةَ الزُّبَيْر فوليتُ، وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ.
قف أيها التاريخُ سجل صفحةً *** غراءَ تنطقُ بالخلودِ الكاملِ
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا، وهب لنا من لدنك رحمةً وعلمًا، واجمعنا بصحابة نبيك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
التعليقات