عناصر الخطبة
1/من مظاهر لطف الله في قصة يوسف 2/في الابتلاء والمحن منح خفية 3/الحث على صلاة الاستخارة وفضلها 4/فيما اختاره الله للمسلم خيراقتباس
اللهَ يحميْكَ بطرقٍ لا تفهمُها، ستُخْرَقُ لك سفنٌ؛ لأن اللهَ يريدُ أن يُنجِيَكَ من إبحارٍ خاطئٍ، وستفوتُ عليكَ فُرَصٌ؛ لأن اللهَ يعطيْكَ ما تحتاجُهُ لا ما تريدُهُ، وسيُكسَرُ قلبُكَ؛ لأن كسرَ القلبِ أولُ خطواتِ الأنسِ باللهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ كما يجبُ ربُنا ويرضاهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ولا معبودَ حقٌ سواهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أفضلُ نبيٍ وأزكاهُ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ وأعطاهُ فأرضاهُ، وجعلنا ممن اقتدَى بهداهُ.
أما بعدُ: فلنتقِ اللهَ -ونحنُ بشهرٍ حرامٍ- حقَّ تقواهُ، فمن اتقاهُ كفاهُ.
هذا صبيٌ مدلَّلٌ في كنَفِ أبٍ رحيمٍ، يخافُ على ابنِه أن يَخرُجَ في نزهةٍ، ثم يُنتزَعُ ابنهُ من وسطِ هذا الدلالِ والرعايةِ؛ ليُلقَى في غَيابةِ الجُبِ ثم في غربةٍ طويلةٍ، عبداً مَهيناً، ثم مظلوماً سَجيناً، فكيفَ يَنظرُ البشرُ إلى هذا المشهدِ؟.
أما في نظرِ اللهِ وعِلمِه وحكمتهِ فقد كانَ يوسفُ تُدَّخرُ لهُ النبوةُ والرسالةُ، ويُدَّخرُ له حُكمُ مصِرَ، فإذا أبُوهُ الذي عمِيَ عليه حَزَناً يَقَرُ به عينًا، وإذا إخوتهُ الذينَ حسَدوهُ وكادُوهُ يقولونَ: (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ)[يوسف: 91].
وبعدَ مُضيِّ أربعينَ سنةً على هذهِ القلاقلِ والمكدراتِ، يختمُ يوسفُ -عليهِ السلامُ- فصولَ قصتهِ قائلاً: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يوسف: 100]، يا عجباً!، أينَ اللُّطفُ يا يوسفُ؟! نَعَمْ ربُهُ لطيفٌ خبيرٌ؛ لَمَّا عوَّضهُ عنِ القتلِ بالغربةِ، وعنِ الحسدِ بتذللِ الإخوةِ، وعنِ الفتنةِ بالنساءِ بالسجنِ، وعن الإذلالِ بالوزارةِ.
أيُها المؤمنونَ: كمْ هيَ الأمورُ التي يَنظرُ إليها البشرُ ويَقيسونَها بمقياسِهمُ القاصرِ، فيَرَوْنَ فيها ما يكرهونَ، ويكونُ للهِ فيها من اللُّطفِ والخِيَرَةِ ما تَقْصُرُ عنُه علومُهمْ، وكم وهبَ اللهُ لعبدِهِ المِنحَةَ في طَيِ المِحنَةِ؛ لأنه يعلمُ ونحنُ لا نعلمُ.
ولنتأملْ مثالاً آخرَ عجيباً مذكوراً في القرآنِ، إنها قصةُ الخَضِرِ مع موسى -عليهِ السلامُ-، يومَ ركبا السفينةِ فخرَقَها، فقالَ موسى بالعلمِ البشريِ: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)[الكهف: 71]، ولكنَّ الخَضِرَ كانَ يَستشرِفُ من عِلْمِ اللهِ في هذا المصابِ لأهلِ السفينةِ، فإنه كانَ: (وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)[الكهف: 79].
والعبرةُ من هذا أن اللهَ يحميْكَ بطرقٍ لا تفهمُها، ستُخْرَقُ لك سفنٌ؛ لأن اللهَ يريدُ أن يُنجِيَكَ من إبحارٍ خاطئٍ، وستفوتُ عليكَ فُرَصٌ؛ لأن اللهَ يعطيْكَ ما تحتاجُهُ لا ما تريدُهُ، وسيُكسَرُ قلبُكَ؛ لأن كسرَ القلبِ أولُ خطواتِ الأنسِ باللهِ، والخلاصةُ: أن كثيراً من الحمايةِ الربانيةِ تأتيْ مقرونةً بالأوجاعِ القلبيةِ والبدنيةِ.
وإن قلوبَنا أشدُّ ما تكونُ حاجةً لأن تُورَدَ على المأثورِ عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ ليربيَ تعظيمَها لربِها، ويجعلَها لا تستغنيْ عن ربِها طرفةَ عينٍ.
فإذا احترتَ في أمرٍ فافعلْ كما فعلَ الصحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- حينَما قالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، نعمْ يستخيرونَ في كلِ أمورِهم، ويُرددُونَ دعاءَ الاستخارةِ كأنما هوَ قرآنٌ يُتلَى، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: -وتدبَّرْ هذهِ الدعواتِ المشرقةِ بإجلالِ اللهِ -جلَّ وعلا- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ"(البخاري)، إلى آخرِ الدعاءِ.
إنها عباراتٌ تبيِّنُ عظمةَ الخالقِ الرازقِ علامِ الغيوبِ، وتبيِّنُ ضعفَ مخلوقٍ بالعجزِ مقيدٌ، وبالجهلِ محجوبٌ؛ ولذا فإننا نلوذُ من عجزِنا بقدرةِ اللهِ، ومن جهلِنا بعلمِ اللهِ، إن اللهَ عليمٌ قديرٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ اللطيفِ الخبيرِ، وصلى اللهُ وسلمَ على البشيرِ النذيرِ. أما بعدُ: فإنها خِيَرةُ اللهِ، الذي بيدهِ الخيرُ والاختيارُ؛ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)[القصص: 68].
تفوتُك وظيفةٌ، وخِيَرةُ اللهِ مدَّخرةٌ لك بخيرٍ منها إن رضيْتَ، وتنظرُ لمستقبلِك من خلالِ كليةٍ تتمناها، فلا يعطيْكها ربُك؛ ليَصرفَ عنكَ سُوءاً لا تعلمُه.
وتُصيبُك الضائقةُ الماليةُ، وتظنُها القاضيةَ، فينتشِلُكَ الرزاقُ الكريمُ، فيرزقُكَ من حيثُ لا تحتسبُ.
وتخطبُ فتاةً تذهبُ بك الأمانيُّ أنها فتاةُ أحلامِكَ، فيصرِفُكَ الوهابُ إلى مَن هيَ خيرٌ، إن استخرتَهُ.
ويُصيبُك مرضٌ، يَذهَبُ بوساوسِك كلَ مذهبٍ، فيشفيْكَ مولاكَ أو يُنزِلُ عليكَ من الرَّوحِ والرحمةِ ما لم تجده وقتَ العافيةِ.
ويفوتُكَ نصيبٌ من الدنيا، وفي فواتهِ توفيرٌ لدينِكَ، وعصمةٌ لعرضِكَ، وما أعجبَ ما قالَهُ ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهِمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ أَوِ الْإِمَارَةِ، حَتَّى إِذَا تَيَسَّرَ لَهُ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، فَيَقُولُ لِلْمَلَكِ: اصْرِفْهُ عَنْهُ، فَيَصْرِفُهُ، فَيَتَظَنَّى بِحَيْرَتِهِ: سَبَقَنِي فُلَانٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا هُوَ إِلَّا فَضْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ"( رواه الدارمي في الرد على الجهمية).
فاللَّهُمَّ نَسْألُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ. اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمونَ، اللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى الإغداقِ بالأرزاقِ، اللهم اخصصْ بتوفيقِك وتسديدِك إمامَنا الملكَ سلمانَ ووليَ عهدِهِ. اللهم افرُج لهم في المضائقِ، واكشِف لهم وجوهَ الحقائقِ، وأعِنهم ببطانةٍ ناصحةٍ صادقةٍ، اللهم أعنا والمسلمينَ على ما نطيقُ، واكفنا ما لا نُطيقُ، واحفظنا وجنودَنا وحدودَنا.
اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات