خلق الوفاء والدفاع عن بلاد الحرمين

الشيخ محمد ابراهيم السبر

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/مقابلة الإحسان بالإحسان ورد الجميل مبدأ سلامي أصيل 2/بعض صور الوفاء ورد الجميل 3/فئات يجب الوفاء معهم أكثر من غيرهم 4/كيد إيران وعملائها ضد المملكة العربية السعودية وواجبنا نحو ذلك

اقتباس

رسولنا الأكرم سيد أهل الوفاء؛ علمنا أجمل معاني الوفاء والإحسان، فقد اعترف بفضل زوجه خديجة بنت خويلد، وكان يُكثر من ذِكْرها وشكرها، بعد مماتها. والوفاء بالعهد من حُسْن الإيمان. وصُوَرَ مكافأة أولي الفضل بما يستطيعه المسلم؛ بالكلمة الطيبة، والدعاء له بالخير، وطلاقة الوجه، وبشاشة النفس، والهدية. وفي...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، له الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

واعلموا أن من مبادئ الإسلام وقيمة العظيمة في التعامل والأخلاق: مبدأ (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60]، وذلك بمبادلةُ أهلِ الفضل بالفضل، ومقابلة الجميل بالأجمل، فالمسلم لا ينسى أهلَ الفضل عليه، ومن أسدى إليه معروفا يذكر إحسانهم، ويشكر جميلهم، ويقدِّر عطاءهم، كما لا ينسى -في زحمة الحياة وصخب أحداثها- مَنْ جمعتهم به علاقةُ وُدّ ورحمة، وسابِقُ عِشْرَة، ولو شابَها يومًا خلافٌ أو شحناءُ، (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[البقرة: 237].

وقال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "الحر من راعى وِدَاد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة"، فمراعاة هذه الصفات مما ينال به المرء المنازل الشريفة، والمراتب العالية، والذكر الحميد بين الناس؛ لما اشتملت عليه من الوفاء والعدل والإنصاف والتواضع.

 

ورسولنا الأكرم سيد أهل الوفاء علمنا أجمل معاني الوفاء والإحسان، فقد اعترف بفضل زوجه خديجة بنت خويلد، وكان يُكثر من ذِكْرها وشكرها، بعد مماتها، ويقول: "إنها كانت وكانت"، وربما ذبح الشاة ثم يقطِّعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، ويقول: "لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناسَ"، وهذا تأكيد على هذا الخلق الجميل، و "كان صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ ويُثِيبُ عَلَيْهَا" أي: يُكافِئُ مَن أعطاهُ بهَديَّةٍ مِثلَها أو خَيرًا منها؛ مِن بابِ ردِّ الحُسْنى بأحسَنَ منها أو مِثلِها.

 

وصُوَر ردّ الجميل بالأقوال والأفعال والمشاعر تتجلى في مظاهر عدة في بذل السلام ورده: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)[النساء 86]، فإذا ردَّ المسلمُ التحيةَ بمثلها أو أحسن منها، والمعروفَ بمثله، أو أحسنَ منه، والكلمةَ الطيبةَ بمثلها أو أحسنَ منها، والهديةَ بمثلها أو أحسنَ منها، صَفَتْ القلوب، وقويت الروابط، وتعمقت العلاقات، وهذا محمد بن واسع -رحمه الله- يقول: "لا يبلغ العبد مقام الإحسان حتى يحسن إلى كل من صحبه ولو لساعة"، وكان إذا باع شاة يوصي بها المشتري، ويقول: "قد كان لها معنا صحبة".

 

ومكافأة أهل الإحسان والفضل بالاعترافُ بفضلهم، وشكرهم، فالوفاءُ بالعهد من حُسْن الإيمان، استقبل صلى الله عليه وسلم عجوزا بحفاوة وترحيب، فلما خرجت سألته عائشةُ -رضي الله عنها- فقال: "يا عائشة، إنها كانت تأتينا زمانَ خديجة، وإن حُسْن العهدِ من الإيمان" قال النووي: "في هذا دلالة على حسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حياً وميتاً، وإكرام معارف ذلك الصاحب".

 

وصُوَرَ مكافأة أولي الفضل بما يستطيعه المسلم؛ بالكلمة الطيبة، والدعاء له بالخير، وطلاقة الوجه، وبشاشة النفس، والهدية "لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ"(رواه أبو داود)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ"(رواه الترمذي).

 

وفي حياة المسلم فئاتٌ من ذوي الفضل معروفُهم قائمٌ، وفضلهم دائم، وأعظمهم فضلًا وحقاً: رسولُ الأمة -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجنا اللهُ به من الظلمات إلى النور، فمن الوفاء له: محبته وطاعته، ونصرته، والدفاع عنه، والصلاة والسلام عليه.

 

ومن أكثر الناس فضلًا على الإنسان: الوالدانِ اللذانِ أَحْسَنَا إليه وربَّيَاه صغيرًا: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان: 14].

 

والطلاب والتلاميذ عليهم واجب الوفاء لمعلمهم ومشايخهم بالدعاء لهم لفضلهم عليهم، فقد دعا الإمام أبو حنفية لشيخه حماد، ودعا أبو يوسف لشيخه أبي حنيفة، قال الإمام أحمد بن حنبل: "ما بِتُّ منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي، وأستغفر له".

 

والزوجانِ بينهما معروف مترادِف، وجميل متقابِل، أسدى كلُّ واحد منهما للآخَر زهرةَ حياته، وثمرةَ فؤاده، فَحِفْظُ العهدِ وَحُسْنُ العشرةِ والتغافلُ عن الزلات من رَدّ الجميلِ، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر".

 

وهكذا مع الأبناء والأصدقاء والزملاء في العمل في الإغضاء عن الزلات والهفوات، وكما قال الأول:

 

ومن لا يغمّض عينهُ عن صديقهِ *** وعنْ بعضِ ما فيه يَمتْ وهوَ عاتِبُ

ومن يتتبّع جاهداً كلّ عثرَة *** يجدْها ولا يسلم له الدّهرَ صاحبُ

 

ومن أجل الوفاء ومقابلة الإحسان: محبة ولاة الأمر الذين ولاهم الله -تعالى- أمر عباده، فكانوا رحماء بخلقه، محسنين إليهم، عاملين بمصالحهم ونفعهم، وذلك بالدعاء لهم بالصلاح والمعافاة، والسمع والطاعة في المعروف يقول صلى الله عليه وسلم: "خيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونَهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ" قَالَ: قُلْنا: يَا رسُول اللَّهِ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ؟ قالَ: "لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَّلاة"(رواه مسلم).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وسمع الله من دعا.

 

وبعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وليس يخفى ما يكيده أعداء الإسلام والمسلمين من مكائد ومؤامرات، ومن ذلكم: الهجمات الإرهابية التي يقوم بها الحوثية عملاء إيران ضد المملكة العربية السعودية، وهي عمل مأزوم، يُنبأ عن جهل وطيش وتيه، وهذا الفكر الصفوي وأذنابه يسعى لخدمة أجندة تصدير الثورات والتشيع، ونحن واثقون بحول الله أن فكرهم يتوارى، وضلالهم يتهاوى، فمن أراد تقويض أمن بلاد التوحيد والحرمين الشريفين وزعزعة استقرارها فلن يحقق أهدافه، ولن يروم مراده، وسيبوء بالخسران المبين، فمن حارب الله حُرب.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

المرفقات
jarydhRUVgGYxQJYgBN23rppZIJvQ3tln8D8dDEK.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life