عناصر الخطبة
1/إيجابيات وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي 2/مخاطر نشر المكروهات 3/أهمية الستر على المخطئ وعدم فضحه 4/أخطار نشر الإشاعات.

اقتباس

إِنَّ فِي نَشْرِ الْمُنْكَرَاتِ تَهْوِيْناً لَهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَتَكْثِيراً لَهَا.. فَكَمْ مِنْ غَافِلٍ عَنْ مَعْصِيَةٍ أَوْ مُتَسَتِّرٍ بِسَتْرِ اللهِ عِنْدَ مُمَارَسَتِهِ لَهَا، عِنْدَمَا يَرَاهَا قَدِ انْتَشَرَتْ وَفَشَتْ يَجْهَرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا، بَلْ قَدْ يَدْعُوَ نَشْرُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَى ارْتِكَابِهَا..

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

 

إنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ إِيجَابِيَّات كَثِيرَة، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ لَهَا سَلْبِيَّاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى حَسَبِ الْمُتَعامِلِينَ مَعَهَا. وَمِنْ أَبْرَزِ مَسَاوِئِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ أَنَّهَا تُسْتَغَلُّ مِنَ الْبَعْضِ لِنَشْرِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْفَوَاحِشِ. وَكَوْنُ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ تُرْسَلُ مِنْ أهْلِ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ، وَالْكُفْرِ وَالِانْحِرافِ الْخُلُقِيِّ؛ فَذَاكَ لَيْسَ بِمُسْتَغْرَبٍ، وَلَكِنَّ الَّذِي يُثِيرُ الْأَسَى وَالْأَلَمَ أَنْ يُسْهِمَ بَعْضُ أَهْلِ الْخَيْرِ فِي نَشْرِ الْمُنْكَرَاتِ، بَلْ وَبَعْضُهَا عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ لِغَايَةٍ حَسَنَةٍ هِيَ التَّحْذِيرُ مِنْ هَذَا الْمُنْكَرِ، وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ الْحَسَنِ اسْتِخْدَامُ الْوَسِيلَةِ ذَاتِهَا.. فَحُسْنُ الْقَصْدِ لَا يُصَحِّحُ الْعَمَلَ، وَسَلَامَةُ النِّيَّةِ لَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ، فَالْغَايَةُ فِي الْإِسْلَامِ لَا تُبَرِّرُ الْوَسِيلَةَ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ- فَائِدَةً فِي غَايَةِ النَّفَاسَةِ حَيْثُ قَالَ: "وَكَثِيرًا مَا يَتَوَهَّمُ النَّاسُ أَنَّ الشَّيْءَ يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَيَكُونُ فِيه مَنْفَعَةٌ مَرْجُوحَةٌ بِالْمَضَرَّةِ" انْتَهَى كَلَامُهُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى.

 

فَمِنَ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً عِنْدَ نَشْرِ الْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِهَا: النَّظَرُ فِي فِقْهِ الْمَآلَاتِ، وَنِتَاجِ نَشْرِ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ، الَّتِي قَدْ تُفَاقِمُ مِنَ الْمُنْكَرِ مِنْ خِلَالِ الدَّعْوَةِ إِلَيهِ، وَتَشْجِيعِهِ، وَتَسْهِيلِهِ، وَتَهْوِينِهِ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصِدَ لَيْسَ تَهْوِينَهُ، وَلَكِنَّ مَآلَ نَشْرِهِ يُؤَدِّي إِلَى تَهْوِينِهِ.. وَكَمْ أَدَّتْ إِشَاعَةُ الْمُنْكَرَاتِ إِلَى مَفَاسِدَ إِمَّا عَلَى ذَاتِ الشَّخْصِ الْفَاعِلِ لَهَا، وَإِمَّا عَلَى الْمُجْتَمَعِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهَا السُّنَّةُ: عَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ السَّتْرُ؛ لِأَنَّ فِي السَّتْرِ فَوَائِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا: سِتْرُ اللهِ عَلَى الْسَاتِرِيْن إِعانَةُ الْمُذْنِبِ عَلَى التَّوْبَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ عَدَمِ فَضْحِهِ وَنَشْرِ مَعْصِيَتِهِ بَيْنَ الْأَنَامِ، فَإِنَّ فِي نَشْرِ مَعْصِيَةِ الْعَاصِي إِعَانَةً لِلشَّيْطَانِ عَلَيهِ، وَالْبَعْضُ قَدْ يَفْرَحُ بِمَعْصِيَةِ الْعَاصِي، وَيُسَاعِدُ فِي نَشْرِهَا؛ إِمَّا مِنْ بَابِ التَّشَفِّي وَالِانْتِقامِ، وَإِمَّا فَرَحًا بِإِسْقَاطِهِ بِسَبَبِ حُظُوْظ الْنَّفْسِ أَوْ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ بِذَلِكَ انْتِصَار لِدِيْنِ اللهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِالله.

 

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَرَحَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى سَخَافَةِ عَقْلِ صَاحِبِهِ، وَرَخَاوَةٍ فِي دِينِهِ، وَضَعْفٍ فِي عِلْمِ الْمُرْسَلِ الْشَامِت، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَنَا اللهُ وإِيَّاهُ- كَلَامًا عَجِيبًا خُلَاصَتُهُ أَنَّ اللهَ قَدْ تَوَعَّدَ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ لِمُجَرَّدِ مَحَبَّةِ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فَكَيْفَ بِمَحَبَّتِهَا هِيَ ذَاتِهَا؟! وَهَذَا الْعَذَابُ بِالْمَحَبَّةِ فَكَيْفَ إِذَا اقْتَرَنَ مَعَ الْمَحَبَّةِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ" انْتهَى كَلَامُهُ رَحِمَنَا اللهُ وإِيَّاه.

 

بَلْ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُبْغِضَ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ بَدَلًا مِنَ الْقَذْفِ بِالْفَاحِشَةِ وَإشَاعَتِهَا فِي الَّذِينَ آمَنُوا.. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: "إِذَا زَلَّ لَكُمْ أَخٌ زَلَّةً فَسَدِّدُوهُ وَوَفِّقُوهُ وَادْعُوا اللهَ لَهُ وَلَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْه".

 

عِبَادَ اللَّهِ: قَدْ يُبْتَلَى نَاشِرُ الْمُنْكَرِ بِالْفِتْنَةِ بِهَذَا الْمُنْكَرِ جزاءً وِفَاقًا، بَلْ قَدْ تَدْعُوهُ نَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إِلَى مُقَارَفَتِهِ وَتَجْرِبَتِهِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: "وَقَدْ تُجْعَلُ لِلْعَبْدِ فِتْنَةٌ بِنَظَرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ نَظَرُ عِبْرَةٍ". انْتَهَى كَلَامُهُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ فِي نَشْرِ الْمُنْكَرَاتِ تَهْوِيْناً لَهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَتَكْثِيراً لَهَا.. فَكَمْ مِنْ غَافِلٍ عَنْ مَعْصِيَةٍ أَوْ مُتَسَتِّرٍ بِسَتْرِ اللهِ عِنْدَ مُمَارَسَتِهِ لَهَا، عِنْدَمَا يَرَاهَا قَدِ انْتَشَرَتْ وَفَشَتْ يَجْهَرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا، بَلْ قَدْ يَدْعُوَ نَشْرُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَى ارْتِكَابِهَا، مِنْ خِلَالِ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَهُ أَنَّهَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى، وَيَظُنُّ بِأَنَّ مَا عَمَتْ بِهِ الْبَلْوَى يَكُوْنُ حَلَالاً، وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَمْرَؤُوهَا وَقَارَفُوهَا، وَأَنَّ الزَّمَانَ تَغَيَّرَ.. وَهَذَا مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ وَتَزْيِيفِهِ وَخُطُوَاتِهِ الَّتِي حَذَّرَنَا اللهُ مِنْهَا وَالْشَرْعَ، وَلَوْ تَغَيَر النَّاسُ فَلَيسَ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ أَنْ يُغَيِرَ أحْكَامُهُ، فَالْحَرَامُ فِيْهِ لَا يَصِيْرُ حَلَالاً، والْحَلاَلُ لَا يَصِيْر حَرَاماً بِسَبَبِ الْزَّمَانِ والْمَكَان، وَأَمَّا الْضَرُّورَات وَالْنَوازِّل لَهَا ضَوابِطُهَا الَّتِي ضَبطَهَا الْشَّرْعُ، ولَيْسَت هِيَ مَحَلُ النِّقَاش.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمَرْءَ لَيَعْجَبُ -وَاللهِ- مِنِ انْتِشَارِ مَقَاطِعِ الْفَسَادِ بَيْنَ بَعْضِ النَّاسِ؛ فَتَجِدُهُمْ لَا يُشِيعُونَ الْمَنَاظِرَ الطَّيِّبَةَ، وَالْمَشَاهِدَ الْحَسَنَةَ، لَكِنَّهُمْ أَسْرَعُ النَّاسِ لِتَصْوِيرِ الْمُنْكَرَاتِ وَنَشْرِهَا، وَلَكِنْ حِينَمَا يَرَوْنَ الْخَيْرَ -كَأَنْ يَرَوْا مَشْهَدًا لِشَبَابٍ قَدِ اصْطَفُّوا لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُمْ فِي صَحْرَاءَ مَثَلًا أَوْ عَلَى شَاطِئٍ مِنَ الشَّوَاطِئِ- يَمُرُّونَ عَلَى تلِكَ الْمَشاْهِد الْطَّيِّبَةِ دُونَ أَنْ يَفْرَحُوا بِهِ أَوْ يُشِيعُوهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَجِدُهُمْ فِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ يَرَوْنَ عَلَى ذَاكَ الشَّاطِئِ، أَوْ فِي تِلْكَ الصَّحْرَاءِ مَعْصِيَةً فَيُبَادِرُونَ بِتَصْوِيرِهَا، ثُمَّ نَشْرِهَا.. بِحُجَّةِ التَّحْذِيرِ.

 

وَتَدَبَّرُوا هَذَا الْوَصْفَ الْعَجِيبَ مِنِ ابْنِ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حَيْثُ قَالَ: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ طَبْعُهُ طَبْعُ خِنْزِيرٍ يَمُرُّ بِالطَّيِّبَاتِ فَلَا يَلْوِي عَلَيْهَا، فَإِذَا قَامَ الْإِنْسانُ عَنْ رَجِيعِهِ قَمَّهُ، وَهَكَذَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، يَسْمَعُ مِنْكَ، وَيَرَى مِنَ الْمَحَاسِنِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ الْمَسَاوِئِ، فَلَا يَحْفَظُهَا، وَلَا يَنْقُلُهَا، وَلَا تُنَاسِبُهُ، فَإِذَا رَأَى سَقْطَةً، أَوْ كَلِمَةً عَوْرَاءَ، وَجَدَ بُغْيَتَهُ وَمَا يُنَاسِبُهَا، فَجَعَلَهَا فَاكِهَتَهُ وَنُقَلَهُ" انْتَهَى كَلَامُهُ .

 

عِبَادَ اللَّهِ: قَدْ يَسْمَعُ الْبَعْضُ بِبَرْنَامَجٍ، أَوْ فِيلمٍ، أَوْ مُسَلْسَلٍ بَثَّتْهُ أَوْ سَتَبُثُّهُ بَعْضُ الْقَنَوَاتِ الْخَارِجِيَّةِ، وَالنَّاسُ لَا يَعْلَمُونَ عَنْ هَذَا شَيْئًا؛ فَيُكَثِّفُونَ التَّحْذِيرَ مِنْهُ. وَمِنْ كَثْرَةِ التَّحْذِيرِ مِنْهُ شَوَّقُوا بَعْضِ النَّاسَ لَهَا، وَعَمِلُوا لَهَا دِعَايَةً عَلَى أوْسَعِ نِطَاقٍ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، مَعَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ عَنْها شَيْئًا، وَلَكِنْ مِنْ كَثْرَةِ تَحْذِيرِهِمْ مِنْهَا يَتَحَفَّزُ بَعْضُ النَّاسِ لِمُشَاهَدَتِهِ. وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ أَوْ مُسْتَغْرَبٍ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَنْ حَذَّرَ مِنْهَا هُوَ أَوَّلَ مَنْ فَرِحَ بِهِ، لَكِنَّ حِرْصَهُ عَلَى اسْتِغْلَالِ أهْلِ الْخَيْرِ بِنَشْرِهَا غَيَّرَ صِيَاغَتَهُ فَطَارَ الْبَعْضُ بِهَا وَسَاهَمَ فِي نَشْرِها.

 

عِبَادَ اللَّهِ: يَنْبَغِي أَنْ نَكُونَ عَلَى حَذَرٍ وَإِدْرَاكٍ لِكُلِّ تَصَرُّفٍ نَتَصَرَّفُهُ، وَلِكُلِّ قَوْلٍ نَقُولُهُ، وَلِكُلِّ رِسَالَةٍ نُرْسِلُهَا، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ يُؤْتَى الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِكَ.

 

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عِبَادَ اللَّهِ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ ذُنُوبُ النَّاسِ مَسْتُورَةً، وَأَلَّا يُفْضَحُوا إلَّا بِضَوَابِطَ صَارِمَةٍ وَضَعَهَا الشَّارِعُ الْحَكِيمُ، وَجَعَلَهَا بِيَدِ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَوْ مَنْ يَنُوبُهُ، وَفْقَ ضَوَابِطَ صَارِمَةٍ، وَقَوَاعِدَ مُحْكَمَةٍ. وَلَيْسَتْ لِعَامَةِ الْنَّاس، بَلْ جَعَلَتْ الْجِهَاتُ الْرَقَابِيَّة وَالْقَضَائِيَّة الْعُقُوْبَاتُ الْصَارِمَةِ بِحَقِ نَاشِرِ الْفَضَائِح، قَالَ الشَّاطِبِيُّ -رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ- نَقْلًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: "إِنَّ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي تَأْخِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ بَاقِيَ الْأُمَمْ، أَنْ تَكُونَ ذُنُوبُهُمْ مَسْتُورَةً عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَطَّلِعُوا عَلَيْهَا كَمَا اطَّلَعُوا هُمْ عَلَى ذُنُوبِ مَنْ سَلَفَ". وَلِكَلَامِهِ النَّفِيسِ بَقِيَّةٌ فِي كِتَابِهِ "الْمُوَافَقَاتُ" لِمَنْ شَاءَ الْمَزِيدَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَخْطَرِ آثَارِ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ بَيْنَ النَّاسِ تَأْثِيرَهَا النَّفْسِيَّ عَلَيْهِمْ، وَإِضْعَافَ دِينِهِمْ، وَإِيغَارَ صُدُورِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ عَلَى وُلَاتِهِم. وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا رَأَى مُنْكَرَاتٍ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْكَارِهَا وَفْقَ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا فَعَلَيْهِ السَّتْرُ وَالْإِنْكَارَ فِي قَلْبِهِ. وَإِنْ كَانَ رَأَى الْأَمْرَ لَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ ضَوَابِطُ السَّتْرِ، فَعَلَيْهِ إِبْلَاغُ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ الْمَنُوطِ بِهَا مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، كُلُّ جِهَةٍ بِحَسَبِهَا، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ.

 

وَلَيْسَ مِنْ حَقِّهِ -لَا وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا- مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَعْدَ التَّبْلِيغِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا إِشْبَاعٌ لِحُظُوظِ النَّفْسِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.. وَخُلَاصَةُ الْأَمْرِ عَلَيْنَا أَنْ نُشِيعَ الْأُمُورَ الْحَسَنَةَ وَالْجَوَانِبَ الطَّيِّبَةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ بَازٍ – رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ -: "فَالْوَاجِبُ السَّعْيُ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِتَكْثِيرِ الْخَيْرِ، وَتَقْلِيلِ الشَّرِّ، وَالْبُعْدِ عَمَّا هُوَ أَشَرُّ وَأَعْظَمُ"، كَمَا جَاءَ فِي مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى وَمَقَالَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُنْكَرَاتِ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهَا مُنْكَرَاتٌ فِي غَالِبِهَا، فَلَا حِكْمَةَ أَصْلًا مِنْ نَشْرِهَا وَإشَاعَتِهَا، وَلَا فَائِدَةَ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا إِرْضَاءٌ لِلشَّيْطَانِ.

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلاً. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلاً، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.

 

اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ.

 

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

المرفقات
خطورة-بث-الشائعات.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life