خطبة عيد الفطر 1445هـ

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2024-04-03 - 1445/09/24
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/بشارات للصائمين القائمين 2/العيد فرصة لإظهار المحبة 3/ إظهار مشاعر الحب في الأسرة وبين الأبناء 4/التحذير من الشرك والرياء 5/الصلاة صلة العبد بربه 6/رسائل ونصائح مهمة.

اقتباس

لماذا لا نُظهر مشاعرنا لمن نُحِبّ إلا عند المصائب؟ وأنت تتصل بولديك وزوجك وأبنائك بُثّ إليهم مشاعر الحب، حَدِّثهم عن عظيم شوقك إليهم، تجنَّب العتاب، لا تجمع عليهم بُعْد البدن والقلب، عوِّضهم عن بُعْدك بأجمل الكلمات والمشاعر والدعوات...

الخطبة الأولَى:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

 

 الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

 

عباد الله: عن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر"(رواه الإمام أحمد بسند صحيح).

 

الْعِيدُ أَقْبَلَ فِي ثَوْبٍ مِنَ الآسِ *** تَاجٌ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ مَحْضِ أَلْمَاسِ

يَتِيهُ فِي حُللٍ خَضْرَاءَ زَاهِرَةً *** كَرَوْضَةٍ أَثْمَرَتْ مِنْ كُلِّ أَجْنَاسِ

وَبَسْمَةُ الْعِيدِ فِيهَا الْوَرْدُ مُنْتَشِرٌ *** وَالزَّهْرُ مُزْدَهِرٌ يُلْقِي بِأَنْفَاسِ

 

بشراكم بالفوز بمغفرة الله ورضوانه، فلمن صمتم يا عباد الله؟ ألم تصوموا احتساباً لله -عز وجل-؛ وها هو حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- يزفّ إلينا بشائر الغفران فيقول: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

 

لمن صففتم الأقدام قياماً كل ليلة؟ ألم تقوموا احتساباً لله -عز وجل-؛ فها هو حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- يزفّ إلينا بشائر الغفران فيقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

 

وبشراكم -عباد الله- بالفوز بمحبة الله، استشعروا هذه البشارة القرآنية؛ (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم: 96]؛ قال هرم بن حيان: "ما أقبل عبدٌ بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم".

 

وبشراكم -عباد الله- بالفوز بجنة الله -عز وجل- التي تزينت لكم في ليالي رمضان؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)[الكهف: 107].

 

عباد الله: قضيتم شهراً كاملاً من الأفراحِ فللصائم كل يومٍ فرحةٌ عند فطره كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-، وكلنا يحلم بالفرحة الثانية التي أخبر عنها -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "وفرحة عند لقاء ربه"، نطمع أن نفرح يوم القيامة عندما يكشف لنا ما أعده الله من الأجوار العظيمة، ونحن نتذكر قوله -جل وعلا-: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

 

ونطمع أن نفرح بالفوز بلقاء الرب -جل وعلا- والنظر إلى وجهه الكريم؛ قال -تعالى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة: 22- 23]، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

عباد الله: العيد فرصة عظيمة لنبثّ الحب إلى كل مَن نعاشر، ها هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يُعلّمنا ذلك؛ فعن عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رضي الله عنه- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ". قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا"(رواه الترمذي وصححه الألباني)؛ فيكشف -صلى الله عليه وسلم- أن زوجه هي أحب مخلوق إليه دون أن يتردد أو يشعر بالخجل، ليعلّمنا أن المشاعر لا حياء ولا خجل في كشف اللثام عنها.

 

إن الحب في قلب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليس له مكان يحدّه، ولا زمان ينتهي به، بل حتى لو مات الحبيب فخفقان القلب بحبه لا ينتهي، فها هو يخبر عائشة عن حبه لخديجة بعد موتها؛ "إني رُزِقْتُ حبّها"(رواه ابن حبان وصححه الألباني).

 

إن الحب في ميزان محمد -صلى الله عليه وسلم- رزق رباني وهبة إلهية تُستوهب ممن بيده مفاتيح القلوب، وإن تجارة الحب تجارة سوقها وميدانها سويداء القلب. ها هو -صلى الله عليه وسلم- يحمل الْحَسَن بن عَلِيٍّ على عَاتِقِهِ يقول: "اللهم إني أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

ها هو -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر يكرم صفية -رضي الله عنها- فيَجْلِسُ عِنْدَ بعيرها، فتَضَع صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَب"(رواه البخاري)؛ يا الله! خير من مشى على الأرض، وأحب الخلق إلى الله يجلس على الأرض ويثني ركبته وتضع زوجه رجلها على ركبته لتصعد على ظهر الجمل أمام أعين الصحابة.

 

 إنها رسائل يبعثها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- لكل زوج تنبض بالحب والرحمة والإجلال والتقدير والتواضع والقرب الروحي والجسدي.

 

وها هو الله -صلى الله عليه وسلم- يُعلّمنا كيف نستجذب قلوب الأبناء؟ دخلت عليه فاطمة فـ"قام إليها، فقبَّلها وأجْلَسَها في مجلسه"(رواه أبو داود والترمذي). وفي رواية قال: "مرحبًا بابنتي"، ثم أجلسها عن يمينه.(رواه البخاري)؛ يا الله! ما هي الأحاسيس التي تختلج في قلب فاطمة -رضي الله عنها-؟! كم تتمنى أن تزور أباها وتلقاه؟

 

عباد الله: لماذا نحرم أهلينا هذه المشاعر، قل لي -يا عبد الله- هل جربت التعبير عن الحب مع زوجك مع أبنائك وبناتك؟! قل لي ما هي آخر مرة قبَّلت ابنك وضممته إلى صدرك؟ ما هي آخر مرة أذقت أبناءك وبناتك حنانك وعطفك وحبك؟ أعرف أنك تحبهم فلماذا لا تجعلهم يذوقون طعمه؟

 

شكا إليَّ شاب قسوة والده، وأنه يحلم ولو مرة أن يحتضنه ويقبّله ويبتسم في وجهه، بل قال لي: "والدي يكرهني"، دافعت عن والده بكل ما أملك دون فائدة، وفي يوم حصل للولد حادث وكُسرت قدمه، فرأيت والده يقبله ويبكي، قلت في نفسي هل هذا يكرهه ولده؟!

 

لماذا -عباد الله- لا نُظهر مشاعرنا لمن نُحِبّ إلا عند المصائب؟

أخي المغترب: وأنت تتصل بولديك وزوجك وأبنائك بُثّ إليهم مشاعر الحب، حَدِّثهم عن عظيم شوقك إليهم، تجنَّب العتاب، لا تجمع عليهم بُعْد البدن والقلب، عوِّضهم عن بُعْدك بأجمل الكلمات والمشاعر والدعوات.

يا أيها الغالي: لا تُطِل الغربة عنهم.

 

اللهم ارزقنا التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد،

الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

 

عباد الله: احرصوا على إخلاص العمل لله -عز وجل-، واحذروا من الشرك والرياء، فو اسفاه على عبد أجهد ليله ونهاره في العبودية، بصيام وقيام وتلاوة قرآن وذِكْر لله، وإخراج الزكاة، ثم تذهب كل هذه الأعمال هباءً لأنه لم يُطهّر قلبه من الشرك (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلنَاهُ هَبَاءً مَنثُورًا)[الفرقان: 23]، فيا من يعتقد في الأولياء ويدعوهم ويذبح وينذر لهم ويحلف بهم؛ تدارك نفسك قبل أن تحل بك الخسارة والندامة.

 

عباد الله: الصلاة صلة العبد بربه وأعظم البوار والخسارة أن يقطع العبد صلته بالله فيضيع الصلوات؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"(رواه الترمذي وصححه الألباني).  

 

عباد الله: أهليكم أمانة عندكم، فرَبُّوهم على الخير والصلاح، اغرسوا في قلوبهم محبة الله وتعظيم أمره، ربُّوا فتياتكم على حبّ الستر والحياء والعفاف، جعلهم الله قرة أعين لكم.

 

عباد الله: بروا أمهاتكم وآباءكم، وصلوا أرحماكم؛ تفوزوا بصلة الله لكم، وتنجوا من عقوبة القطيعة، قال -تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22- 23]؛ جلس يبكي على قبر أخيه وينتحب حتى أشفق عليه الحضور، ولكنه بكاء بعد فوات الأوان، مات أخوه وهو قاطع له؛ فكيف يصله بعد ذلك؟!

 

يا رجال الأمن: أنتم صمام الأمان -بعد الله- لحفظ بلاد التوحيد من كيد الكائدين؛ فالله الله فيما وُكِّل إليكم، ولن يضيع الله جهدكم وتعبكم ورباطكم.

 

يا شباب الإسلام: أنتم الأمل -بعد الله- في نهضة بلادكم وتقدمها، يفرحني حبكم للخير ومساهمتكم فيه فما أفرحنا بكم ونحن نراكم تسهمون في صناعة مستقبل بلدكم، استقيموا على أمر الله قووا صلتكم بالقرآن، تأسوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أطيعوا ولاة أمركم، ارجعوا فيما يشكل عليكم إلى العلماء الربانين الناصحين.

 

وصلوا وسلموا -عباد الله- على رسول الرحمة؛ استجابةً لقول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]؛ اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وكن للمستضعفين منهم في كل مكان.

 

اللهم وفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما إلى البر والتقوى اللهم سدد منهما الرأي والقول والعمل، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة، واصرف عنهم بطانة السوء.

 

 اللهم أعِد علينا هذا العيد بالخير والمسرات والتوفيق والقبول يا رب العالمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life