خطبة عيد الفطر 1444هـ

د عبدالعزيز التويجري

2023-04-20 - 1444/09/29
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/عيد مبارك 2/الفرح بالعيد 3/بشارات العيد 4/التفاؤل والعمل 5/ رسائل للمرأة المسلمة 6/اجتماع العيد مع الجمعة في يوم واحد.

اقتباس

هذا العيد السعيد تسعد فيه النفوس بالتواصل والتزاور، وتطمئن القلوب بالتسامح والتصافح. عيد تُنسى معه الأحقاد والضغائن، وتُدفن معه الخلافات الأسرية، والأنانيات الشخصية. عيد يحمل في طياته الأمل والبشائر رغم أمل الماكرين، وظلام الليل عند البائسين.. وهل يكون انتظار الفرج إلا في الأزمات؟ وهل يُطلَبُ حسنُ الظن إلا في المُلِمَّات؟

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله وأكبِّره تكبيرًا، والله أكبر وأذكره ذكرًا كثيرًا، الحمد لله أفاضَ علينا من خزائن جُوده ما لا يُحصَر، والله أكبر شرعَ لنا شرائعَ الأحكام ويسَّر.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له والعزَّةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وازواجه، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

 

أما بعد: فاتقوا الله معشر المؤمنين والمؤمنات حق التقوى، وتزيَّنوا بلباس التقوى ذلك خير.

عيدُكم مُبارك، وتقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

     العيدُ أقبل مزهوًا بطلعتهِ   ***  كأنـه فـارسُ في حلةٍ رفلا

    والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم   ***  كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا

    فليهنأ الصائم المنهي تعبـده ***   بمقدم العيد إن الصوم قد كملا

 

عيد سعيدٌ.. يسعد النفس الزكية، من زكت بالصيام والقيام وصالح الأعمال.

عيد يبهج النفس الرضية.. من رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا.

 

عيد جميل.. يجمل النفس الأبية، من تأبى دروب الخنا، وتأنف مواقع الردى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[الرحمن: 46].

 

هذا العيد عيدنا أهل الإسلام، عيدٌ عزيز دائم ما دامت السموات والأرض، باقٍ لا تزاحمه الأعياد المبتدعة، جميلٌ لا تُذهب زينته الأيام المحدثة.

 

هذا العيد السعيد أحق أن يُفرَح به، وأولى أن يُرفع شعاره، وأجدر أن تُبذَل فيه الهدايا، وتُنشد فيه الحِكَم والأشعار.

 

 هذا العيد السعيد تسعد فيه النفوس بالتواصل والتزاور، وتطمئن القلوب بالتسامح والتصافح.

عيد تُنسى معه الأحقاد والضغائن، وتُدفن معه الخلافات الأسرية، والأنانيات الشخصية. عيد يحمل في طياته الأمل والبشائر رغم أمل الماكرين، وظلام الليل عند البائسين.

 

وهل يكون انتظار الفرج إلا في الأزمات؟ وهل يُطلَبُ حسنُ الظن إلا في المُلِمَّات؟ (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب:22]،

ومن حقّكم في يوم بهجتهم أن تسمعوا كلامًا جميلاً، وحديثًا مُبهِجًا، وأن ترقُبوا آمالاً عِراضًا ومُستقبلاً زاهرًا لكم ولأسركم وأمتكم.

 

هذا العيد يبشرنا جميعاً أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فبشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار، وعد من الله، والله لا يخلف الميعاد (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)[المائدة: 12].

 

عيدنا يبشر كل محزون أن الهمّ ينجلي والحزن يُمحَى:

             الله أكبر كل هم ينجلي   ***  عن قلبٍ كلٍ مكبرٍ ومهلل

 

عيد يبشر أهل المصائب والمتاعب بأن كل "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ".

 

عيد يبشر كل مَن ابتلي بدينه فصبر فله الجنة "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ"..

عيد يُعيد للأمة الأمل بالنصر والتمكين (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر: 51].

 

عيد يبشّر مَن أحاطت به المغريات من كل جانب، عبر التواصل والبرامج، ودعته النفس الأمارة بالسوء فصبر وثبت وقال إني أخاف الله، بشراه بظل عرش الرحمن يوم القيامة.

 

عيد يبشر كل شاب وفتاة استقاموا على أمر الله، لم تغيرهم صروف المستجدات والأحداث، ولم تزعزعهم الفتن، أو تخلخل بثباتهم على الدين الانفتاح على غير هدى (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا)[مريم: 63].

 

عيد يزف لأهل القرآن البشرى بصحبة السفرة الكرام البررة، ولوالديهم بتاج الكرامة..

       تلك المكارم لا دنيا مزخرفة ***   قد مازج الماء منها الذل والندم

 

عيد يبشر كل من خدم هذا الدين بماله أو جاهه أو وقته أو رأيه ونصحه بأن له التوفيق والهداية والإعانة من رب العالمين (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].

 

عيد يبشر المرأة المتمسكة بحجابها، المحصنة لنفسها، المطيعة لزوجها، المؤدية لفرائض ربها بجنة عرضها السماوات والأرض "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ".

 

العيد يبشر الأسر الملتمُّ شملها على الإيمان والصلاح، المحافظة على العفة والحشمة ومكارم الأخلاق، هنيئًا لها بالعيشة الراضية والجنة العالية (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)[الطور: 21].

 

العيد يبشر الذين هم على صلواتهم يحافظون "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القيامة"، وفي المقابل فمن أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا.

 

عيد يقول لأهل المتاجر والأسواق ممن لا تلهييهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله وإغلاق أسواقهم استجابةً لنداء الحق "حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ" بشراكم بالرزق الوفير والأجر الكبير (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور: 37- 38]؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات إن ربنا لغفور شكور.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله أحاط بكل شيءٍ علماً، وجعل لكل شيءٍ قدراً، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابِه ومن اهتدى بهديهِ إلى يوم الدِّينِ.

 

وأنتم في استقبال عيدكم أحسِنوا الظنَّ بربكم، فكلما ازداد التحدِّي ازداد اليقين، ولا يرى الجمالَ إلا الجميل، ومن كانت نفسُه بغير جمال فلن يرى في الوجود شيئًا جميلاً، والكون ليس محدودًا بما تراه عيناك، ولكن ما يراه قلبُك وفكرُك، فجفِّف دمعَك، واجبُر كسرَك، وارفع رأسَك؛ فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العُسر يُسرًا.

 

ومع هذا فلا مكان للقعود اتكالاً على البشائر بل تفاؤل وعمل.. بشّر الله نبيه يوم بدر بالنصر وأراه مصارع القوم وأنزل عليه الملائكة، فلم يجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- اتكالاً على البشرى، بل ابتهل ليله حتى سقط ردائه، وخاض في الصباح غمار المعركة حتى كتب الله لهم النصر.

 

إن سفينة الأمة تتقاذفها الأمواج، ويخرق فيها المفسدون كل يوم خرقاً؛ فإن لم تجد من يصلح تلك الخروق، تغرق ولاشك..

       أرى خلل الرماد وميض جمر ***  وأخشى أن يكون لها ضرام

 

حق وواجب أن نكون مشاعل خير وشموع ضياء في بيوتنا ومجتمعنا وأسرنا..

والتغافلُ سترُ البيوتِ، والتناصحُ قِوامُ الأُسرِ، والأبوانُ أركانُ البيتِ، فمتى ما كانا متماسكينِ متعاونينِ تجَمّلت وتعطّفت وبرّت أروقتُهُ من بنينَ وبناتٍ، ودامَ عزُها وبقي ذُخرُها..

 

فحين يؤمرُ الرجلُ بالتغافلِ والحلمِ والأناةِ عن أهلِ بيتهِ ويُطالبُ بحسنِ المعشرِ والرفقِ والإنفاقِ (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228].

 

فإنّ المرأةَ الحصيفةَ الرزينةَ من تدركُ عناءَ زوجِها، وكدّه وعمله من أجلِ أن يفرشَ لأسرتِه بساطَ العيشِ والعزةِ والكرامةِ،  فمتى قدّرتِ المرأةُ تحملَ زوجِها ديوناً من أجلِ مسكنٍ وافرٍ يكنُّها، وعيشٍ طيبٍ رغيدٍ  فإنها لا تخاصمَه إذا أمر، ولا تنازعه إذا قرر تُدرك سرّ قولِ الله -عز وجل-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].

 

المرأةُ الحصينةُ العفيفةُ من تغارُ على نفسِها أن تختلطَ بالرجالِ أو تُذهبَ حياءَها من أجلِ نُزهةٍ أو مجاراةٍ في محلِ مأكلٍ أو مشربٍ .. بهذا يكون الصبرُ والثباتُ والشموخُ والعز، لا التبعيةُ والانسلاخُ من الدينِ والخُلقِ والحياءِ..

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد

 

معشر المؤمنين نذكركم بأنه إذا وافق العيد جمعة فإنه من شهد صلاة العيد أجزأه عن حضور الجمعة ويصليها ظهرًا أربع ركعات، ومن لم يصل العيد وجب عليه حضور الجمعة.

 

اللهم اجعل عيدنا سعيداً وشملنا ملتماً،  واكفنا شر الأشرار، وشر طوارق الليل والنهار، اللهم احفظنا وأزواجنا وذرياتنا من مضلات الفتن..

 

اللهم تقبل منا .. اللهم آمنا في دورنا ... ربنا تقبل منا....

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life