خطبة عيد الفطر ١٤٤٢هـ

معين صالح السلامي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
خطبة عيد الفطر 1442

اقتباس

عباد الله: إن الاستقامة على الدين هي الطريق الوسط بين طريق الغلو والتطرف، وطريق التفريط والتمييع .. فالحذر الحذر من الإفراط والتفريط، والزموا طريق الاستقامة.

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل الله، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار ما كُوِّر الليلُ على النهار، وما اهتزَّتِ الأشجار، وجرتِ الأنهار، وسلَّم تسليماً كثيراً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِـمُونَ)

أما بعد:

عباد الله: يقول الله سبحانه: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

 

اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر.

 

اللهُ أكبَرُ ما صامَ صائمٌ وأفطر، اللهُ أكبَرُ ما انبلجَ صبحُ عيدٍ وأسفر، اللهُ أكبَرُ ما هلَّ هلالٌ وأقمر، اللهُ أكبَرُ ما تابَ تائبٌ واستغفر، اللهُ أكبَرُ ما لمَعَ برقٌ وأنور، اللهُ أكبَرُ ما أرعد سحابٌ وأمطر، اللهُ أكبَرُ ما نبت زرعٌ وأثمر .. اللهُ أكبَرُ كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

 

لآ إله إلا الله ..  لآ إله إلا الله .. لآ إله إلا الله.

لآ إله إلا الله ذو العرش المجيد، لآ إله إلا الله فعَّالٌ لما يريد، لآ إله إلا الله عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نبعث يوم الوعيد.

 

سبحان الله .. سبحان الله .. سبحان الله.

سبحان من خلق الكون، سبحان من خلق الحركة والسكون، سبحان من فجَّر من اليابسة العيون، سبحان من يقول للشيء كن فيكون.

 

سبحانك ربي سبحانك، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانُك، وفي الجنة رحمتُك، وفي النار عذابُك، وفي البحر عظمتُك، وفي كل شيء حكمتُك وآيتُك. لا إله إلا أنت.

 

فليتك تحلو والحياة مريرةٌ

       وليتك ترضى والأنامُ غضابُ

وليت الذي بيني وبينك عامرٌ

       وبيني وبين العـالمين خـرابُ

إذا صحَّ منك الود فالكلُّ هينٌ

       وكلُّ الذي فوق الترابِ ترابُ

 

اللهُ أكبَر، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ ولله الحمد .. الحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة الصيام والقيام، نحمده حمد الشاكرين ونشكره شكر العارفين، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون.

 

عباد الله: أُهنئُكم بهذا العيد السعيد الذي نسأل الله أن يعيده علينا أعواماً عديدة، وسنيناً مديدة، بالخير والمسرات، واليُمْن والبركات.

 

إذا ما كنتَ لي عيداً

           فمـا  أصــنعُ  بالعـيدِ

جرى حبُّك في قلبي

         كجري الماءِ في العودِ

                   

هنيــئاً ثم هنيــئاً ثم هنيــئاً لمن صام رمضان إيماناً واحتساباً، فقد صحَّ عن الحبيب ﷺ أنه قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه».

 

هنيــئاً لمن قام رمضان إيماناً واحتساباً، فقد صحَّ عن الحبيب ﷺ أنه قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه».

هنيــئاً لمن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فقد صحَّ عن الحبيب ﷺ أنه قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه».

 

عباد الله: ما أسرع مرور الأيام، ولنا في ذلك عبرة وعظة .. فلا إله إلا الله كم فقدنا من أحباب في رمضان هذا العام، ولا ندري هل سيأتي رمضان القادم ونحن على قيد الحياة، أم أننا قد ارتحلنا كما رحلوا.

 

فيَا شهرَ الصِّيامِ فَدَتْكَ نفسي

          تمهَّـلْ بالرَّحــيلِ والانتقالِ

فما أدري إذا مـا الحَـولُ ولَّى

       وعــدتَ بقابلٍ في خير حالِ

أتلقــاني مـع الأحــياءِ حــيَّاً

       أو انك تلقني في اللحدِ بالي

 

عباد الله: إنَّ أعظم نعمةٍ ينعمُها اللهُ على العبد هي نعمة الاستقامة، ففي الاستقامة على هذا الدين سعادة الدارين، وفيها طمأنينة القلوب، وتنزُّل رحمات علَّام الغيوب. قال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ • أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

 

والاستقامة على الدين: هي الالتزام بالوحي المنزل من رب العالمين، وأن يداوم المسلم على ذلك حتى يأتيَه اليقين.

والاستقامة على الدين، هي وصية سيد المرسلين، قال له سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك. فقال ﷺ: «قل آمنت بالله ثم استقم» رواه مسلم.

 

عباد الله: إننا جميعاً معرَّضون للوقوع في الخطيئة والذنب .. أرأيتم عندما يُقارفُ الإنسانُ ذنباً .. كيف يجدُ نفسَه؟! أما يشعرُ بالضيق؟! أما يجد الهمَّ والغم؟! أما يحسُّ بالقلق والأرق؟!

لكن في المقابل .. عندما يُقبِلُ الإنسانُ على طاعة ربِّه .. أما يجد الراحةَ في نفسِه، والطمأنينةَ في قلبِه، والانشراحَ في صدرِه؟!

إن هذا أعظم دليل على أن الاستقامة على الدين هي طريق السعداء، وأن المعاصي والذنوب طريق الشقاء والعناء.

 

فإذا كان الإنسانُ قد جرَّب المعصيةَ ووجد مغبَّتها، وجرَّب الطاعةَ ووجد راحتها، فعليه أن يلزم طريق الاستقامة؛ ليسعد في الدنيا ويوم القيامة.

 

عباد الله: إن الاستقامة على الدين هي الطريق الوسط بين طريق الغلو والتطرف، وطريق التفريط والتمييع .. فالحذر الحذر من الإفراط والتفريط، والزموا طريق الاستقامة.

 

الحذر الحذر من طريق أهل الغلو والتطرف، فقد حذرنا الله سبحانه من هذا الطريق كما حذر الأمم السابقة من قبلنا فقال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ).

كما حذرنا نبيُّنا ﷺ من الغلو وذكر أنه سبيلٌ لهلاك الأمم فقد صحَّ عنه ﷺ أنه قال: «إيَّاكم والغلو، فإنَّما أَهلَك من كان قبلكم الغلوُّ في الدين» صححه الألباني. وصحَّ عنه ﷺ أنه قال: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون» رواه مسلم. وصحَّ عنه ﷺ أنه قال: «لن يُشادَّ هذا الدين أحدٌ إلا غلبه» رواه البخاري.

 

وليس من الغلو في الدين الالتزامُ بسنة سيد المرسلين، كما يتصور بعض الجاهلين .. فليس من أهل الغلو من يعفى لحيتَه، ويقصِّر ثوبَه، ويحافظ على سنة السِّواك وغيرها من السُّنَن، بل إن ذلك هو عين الاستقامة، فقد عرَّف بعضُ السَّلف الاستقامة فقال: "هي لزوم سُنَّة رسول الله ﷺ".

ولو كان إعفاءُ اللحية غلواً وتطرفاً لكان نبيُّنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام متطرفاً، فقد كان ﷺ كثَّ اللحية.

 

عباد الله: وكما يجب علينا أن نحذر من طريق أهل الغلو، فلنحذر -أيضاً- من طريق أهل التفريط والتمييع، فقد ابتُلينا اليوم بدعاةٍ على أبواب جهنم -نراهم في القنوات، ومواقع الانترنت، ووسائل التواصل- يدعون إلى الانسلاخ من الدين باسم الدين .. يدعون إلى التهاون بالواجبات وترك السنن والمستحبات، وارتكاب المنكرات، باسم التيسير !!

 

ويكفي أصحاب هذا الطريق ذمَّاً وخزياً وعاراً أن أمريكا -التي لا يخفى على أحدٍ عداءها للإسلام والمسلمين- راضيةٌ عنهم، بل وتدعمهم وتفسح المجال لهم، بناءً على توصيات مؤسساتها كـ(مؤسسة راند)، وتسمي هذا المنهج المنحرف الزائغ الضال بـ(الإسلام المعتدل) .. إنه إسلامٌ معتدلٌ من وجهة نظر أمريكا؛ لأنه يدعو إلى الانسلاخ من الإسلام تدريجياً باسم الإسلام.

 

فالحذر الحذر من أصحاب هذا التَّوجُّه .. إنهم دعاةٌ على أبواب جهنم .. نسألُ اللهَ أن يكفيَنا ويكفيَ شباب الإسلام شرَّهم.

 

اللهم اجعلنا من أهل الاستقامة على دينك، الراجين رحمتَك، الخائفين من عذابِك، نستغفرك من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليك.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ربِّ العالمين، ولي الصالحين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:

اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَرُ كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

 

عباد الله: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من صَامَ رمضانَ ثم أتبعه سِتَّاً من شوال كان كصيامِ الدَّهرِ» رواه مسلم.

فلا ينبغي أن يفوتكم -إخوة الإيمان- هذا الفضلُ العظيم والثَّوابُ الجزيل.

 

عباد الله: لقد منَّ الله علينا بأداء فريضة الصيام، فيجب علينا أن نشكره سبحانه على هذه النعمة العظيمة، بالمداومة على طاعته، فمن داوم على طاعة الله أحبه الله، فقد صحَّ عن نبيِّنا ﷺ أنه قال: «أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» متفق عليه. وفي الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينَّه ولئن استعاذني لأعيذنَّه» رواه البخاري.

 

عباد الله: ولا ننسى في هذا اليوم المبارك أن نذكِّر بما يحدث للمسجد الأقصى، ولإخواننا المستضعفين من المسلمين في تلك البقاع المُقدَّسة، فقد رأينا ورأى العالَم ما فعله اليهود الأنجاس من تدنيسٍ للمسجد الأقصى .. فهنيئاً للمرابطين في أكناف المسجد الاقصى، المدافعين عن مقدَّسات الأمة نيابةً عن ملياري مسلم، فقد قال نبيُّنا ﷺ: «لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرهم من خذلهم» قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس».

 

وقبحاً لتلك الدُّمَى المحنَّطة على كراسي الحكم في بلداننا العربية والإسلامية التي ليس لها همٌّ إلا الحفاظ على كراسيها، ولو على حساب دين الأمة وكرامتِها ومقدساتِها، وأسؤهم حالاً الذين مدُّوا أياديهم للتطبيع مع اليهود الحاقدين في الوقت الذي يقتلون فيه إخواننا ويدنسون مقدساتنا.

 

عباد الله: نسألُ اللهَ أن يُبرم لهذه الأمة أمر رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِه، ويُذَلُّ فيه أهلُ معصيتِه، اللهم أعزَّ دينَك وكتابَك وعبادَك الصالحين، اللهم عليك باليهود المعتدين، اللهم عليك بهم وبمن عاونهم يا قويُّ يا عزيزُ يا متين، اللهم تقبَّل طاعتنا، وأعد علينا رمضان أعواماً عديدة وسنيناً مديدة.

تقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بأسعد حال.

 

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

المرفقات
vNgRMhqofzzpIb00PwU5KoH6Kn8l7jLuz9aVEc3U.doc
LWweVV6yD6tzkGiGgLTawV39HrbmYwsenmG1CmqC.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life