عناصر الخطبة
1/الفرح بالعيد 2/ دروس وعبر من وباء كورونا 3/التفاؤل بزوال الوباء 4/اليقظة لنعم الله تعالى 5/الاستمرار على الطاعة بعد رمضان.اقتباس
كورونا فيه تعبدٌ جاءَ يَستحثُنا أن نكونَ شاكرين، على نعمٍ نرفُلُ بها سنين، وما أكثرُ الناسِ عنها غافلين، هواءُنا وتنفُسُنا، مجيئُنا وذهابُنا، عِناقُنا وسلامُنا، تزاورُنا وصِلاتُنا، مدارِسُنا وحضورُنا، يا لله يوم مرضَ بهذا المرضِ من مرِض وضاقت عليهِ أنفاسُه فاستنشقَ الهواءَ من أنبوبةِ أكسُجين، يوم مَنعَ الناسَ من هذه النِعم لكأنَهم في هذا الكونِ مسجونين.
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبرُ كبيرا، والحمدُ للهِ كثيرا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً.
الله أكبرُ من كورونا، الله أكبرُ من الأعداءِ وإن أرهبُونا، الله أكبرُ من البلاءِ وإن خوَفُونا من كانَ في كنفِ الرحيمِ اطمَئن، ومن كانَ في كلَأِ اللهِ سكَن.
هو أولٌ هو آخرٌ هو ظاهرٌ *** هو باطنٌ ليس العيونُ تراهُ
يا ذا الجلالِ وذا الجمالِ وذا الهُدى *** يا منعمًا عمَ الوجودَ نداهُ
شمِلت لطائفُهُ الخلائقَ كُلَها *** ما للخلائقِ كافلٌ إلا هو
في العامِ الماضي ذُقنا عيداً لم نذقهُ من قبل، واليومَ أكرمتَنا يا اللهُ فجَمعتَنا، ورحِمتنا فأسعدتَنا، ولصيامِ رمضانَ أعنتَنا، ولقيامِه في المساجدِ أقمتَنا، ولفرحةِ العيدِ من بُيوتنا أخرجتَنا، وللوقايةِ من هذا الداءِ هديتَنا، فيا للهِ من ذا يُجازي آلائَك؟! يا للهِ من ذا يُكافئ نعماءَك ؟! لكَ الحمدُ حتى ترضى لكَ الحمدُ حتى ترضى لكَ الحمدُ حتى ترضى، وأشهدُ أن لا إله إلا أنت، وأشهدُ أن محمداً عبدُك ورسولُك قالها لأبي بكرٍ وهي للأمةِ جمعاء "يَا أبَا بكرٍ إن لكلِ قومٍ عيدًا وهذَا عيدُنا"!
هَل الِهلَالُ فَحَيوا طَالِعَ العِيدِ *** حَيوا البَشِيرَ بِتَحْقِيقِ المَوَاعِيدِ
للهِ فِي الخَلْقِ آَيَاتٌ وَأَعْجَبُهَا *** تَجْدِيدُ رَوْعَتِهَا فِي كُلِ تَجْدِيدِ
الله أكبر: نعمْ هَذَا عيدُنا أيُها المسلمون، نعمْ هذَا يومُ فرحتِنا، هذَا يومُ بهجتِنا فَلنُسْمِعِ الكونَ كلَه شعارَ عيدِنا: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة:185]، عيدُكم يا أهلَ العيدِ مُبارك، وتقبلَ اللهُ منا ومنْكُم صالحَ القولِ والعملِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
يا أهلَ العيد: كورونا الوباء، كورونا الضُرُ والضرَاء، كورونا المرضُ والمرضَى، كورونا وتشييعُ الموتى، كورونا الفقرُ والفقراء، كورونا التفرُقُ والبُعدا، هكذا العالمُ ينظرُ لكورونا، لكنَ المؤمنَ له نظرٌ وأيُ نظر، له اعتبارٌ ومُدَكَر، له تعبدٌ ومُغتَفَر، له تفاؤلٌ برحمةِ رب البشر، فالمؤمن المُتدبِر يرى بعيدَ الأثر، يرى تقليبَ اللهِ لموازينِ القضاءِ والقدرِ في حِكمةٍ ورحمةٍ يجري بها حُكمُه في البشر،
تفاءلوا بربٍ قدَره وهو أرحمُ الراحمين، تفاءلوا بربٍ سطَره وهو أحكمُ الحاكمين، تفاءلوا بربٍ أنشَرَهُ وهو أعلمُ بالخلقِ أجمعين، لا وربي نتمنى الوباءَ بل ندعوهُ لرفعِ البلاء، لكنَنا موقنونَ أنَ لهُ الحكمةُ البالِغةُ في القضاء.
كورونا فيه تعبدٌ جاء للذنوبِ تمحيصاً ومِن الخطايا تخلِيصا، فكم أجسادٍ به مرِضت، وأرهقَها البلاءُ فتعِبَت، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتى يلقى اللهَ وما عليه خطيئة"(رواه الترمذيُ وحسنهُ الألباني).
كورونا فيه تعبدٌ جاء ليُوقِظَ من غفَلَات، ويُحي قلوبًا من مَوات، قال -تعالى-: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَيِئَاتِ لَعَلَهُمْ يَرْجِعُونَ)[الأعراف:168]، يقول ابن القيم: "فلولا أنه -سُبحانهُ- يُداوي عبَادَهُ بأدويةِ المِحنِ والابتلاءِ لطَغَوْا وبَغَوْا وعَتَوْا".
كورونا فيه تعبدٌ جاء ليُعلِمَنا الاستسلامَ للواحدِ القهَار، وليدُلَ على القادرِ الجبَار، فجنديٌ صغيرٌ من جُندِ اللهِ أوقَفَ العالَمَ ولم يُقعده، وشلَّ أركانَ الدُول، وعاثَ في الأمم، لا عظيمَ إلا المهيمنُ الجبَار، ولا قويَ إلا اللهُ العليُ الغفار: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)[فصلت:15].
كورونا فيه تعبدٌ جاءَ ليُعلِمنا أن لا أمنَ من مكرِ الله (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف:99] أين دُنيا البشر ؟! أمنُها في لحظةٍ يزول، وأحوالُها قُلَبٌ تَدُول، فلا وربي يركنُ إليها المؤمنُ العَقُول.
كورونا فيه تعبدٌ جاء ليُعلِمنا الإِيمَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِهِ حُلْوِهِ وَمُرِهِ، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر:49]؛ فَهُوَ الَذِي أَوْجَدَ هَذَا الْوَبَاءَ وسيَر الداءَ، وابتلى به مَن شاءَ وعافى من شاءَ فمن ذا يردُ القضاء؟!
العبدُ ذو ضَجَرٍ والرَبُ ذو قَدَرٍ *** والدهرُ ذو دُوَلٍ والرِزْقُ مَقْسُومُ
والخَيرُ أجمعُ فيما اختارَ خالِقُنَا *** وفي اختيارِ سِواهُ اللُومُ والشُومُ
كورونا فيه تعبدٌ جاء ليستخرجَ الْعِبَادَاتِ الْقَلْبِيَةَ؛ كَالصَبْرِ وَالرِضَا وَالْيَقِينِ، على فقدِ الأحباءِ وإصابةِ الأقرباءِ وْ طُولِ أَمَدِ الْوَبَاءِ، وتباعُدِ القُرَباءِ، وزيادةِ الفقراءِ وَاللَهُ -تعالى- يَقُولُ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة:155-157].
كورونا فيه تعبدٌ جاءَ ليُعلِمنا: التَوَكُّلَ عَلَى اللهِ، وَتَفْوِيضَ الأَمْرِ إِلَيْهِ، اللهُ كافينا الله حسبُنا وحامينا، فليرتفِع بالدعاءِ ضجِيجُكم، وليصعَد إليهِ بالابتهالِ عجِيجُكم، فربُكم لدعائِكم مُستمع، وعلى نيَاتكم مُطَلِع، فالعسرُ بلطفِ اللهِ لا يدوم، والشدةُ برحمتِه لا تطول. اللهم فرِج عنَا ما ضاقت به صُدُورنا، اللهم فرِج عنَا ما ضاقت به صُدُورنا.
يا مَنْ يلوذُ به ويرجو الآمِلُ *** جَلَ الوبا فأتى إليكَ السائلُ
فإذا أغثتَ فكلُ بلوى تنجلي *** وإذا أفضتَ فكلُ خيرٍ نازلُ
وإذا رحمتَ فكلُ ضُرٍ ينقضي *** وإذا شفَيتَ فكلُ داءٍ زائلُ
وإذا الوباءُ جَفَا على أسوارِنا *** فمِنَ الرحيمِ لنا الغياثُ العاجِلُ
فإذا عفا فهو الكريمُ الواسعُ *** وإذا قضى فهو الحكيمُ العادلُ
كورونا فيه تعبدٌ جاء ليُعلِمنا أنَ ديننا العظيمَ دينَ الوقايةِ وتشريعَ الحمايةِ؛ فوضوئُنا خمساً وغسلُنا وتنظيفُ أيدِينا وتغطيةُ عُطاسِنا بل والحجرُ الصحيُ الذي يتنادى عليه العالمُ كلُها تشريعاتُ الإسلامِ العظيم من أكثرَ من ألفٍ وأربعمائةِ سنة.
كورونا فيه تعبدٌ كم وربي ساقَ نفوساً للموتِ نحتَسِبُهم مُصطَفينَ عندَه سُبحانه شُهدَاء في صحيحِ مُسلم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ومن ماتَ في الطاعونِ فهو شهيد ومن ماتَ في البطنِ فهو شهيد".
كورونا فيه تعبدٌ جاءَ يَستحثُنا أن نكونَ شاكرين، على نعمٍ نرفُلُ بها سنين، وما أكثرُ الناسِ عنها غافلين، هواءُنا وتنفُسُنا، مجيئُنا وذهابُنا، عِناقُنا وسلامُنا، تزاورُنا وصِلاتُنا، مدارِسُنا وحضورُنا، يا لله يوم مرضَ بهذا المرضِ من مرِض وضاقت عليهِ أنفاسُه فاستنشقَ الهواءَ من أنبوبةِ أكسُجين، يوم مَنعَ الناسَ من هذه النِعم لكأنَهم في هذا الكونِ مسجونين.
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَ الذُنُوبَ تُزِيلُ النِعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِ الْعِبَادِ *** فَرَبُ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِقَمْ
أقول ما سمعتم ولي ولكم أستغفرُ اللهِ فاستغفروهُ إنَه كان غفَارا.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كم للهِ من لطفٍ خفيٍ يدِقُ خفاهُ عن فهم الذكِيِ، الله أكبر كم يُسرٍ أتى من بعدِ عُسرٍ، ففرَجَ كُربةَ القلبِ الشجِيَ، إذا ضاقت بكَ الأحوالُ يوماً، فلُذ بالقادرِ المولى العليِ أشهد أن لا إله حق غيره، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله أَمَا بَعْدُ:
اللَهُ أَكْبَرُ اللَهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَا اللَهُ، اللَهُ أَكْبَرُ اللَهُ أَكْبَرُ وَلِلَهِ الْحَمْدُ.
كورونا تفاؤلٌ فالأمراضُ تظهرُ ثم تعبُر، وتحِلُ ثم ترحَل، والأوبئةُ تكُونُ ثم تهُون، فكم حلَت ثم اضمحلَت، عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أن النبيَ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ويُعجبني الفأل"، قالوا: وما الفأل؟، قال: "كلمةٌ طيبة"(متفقٌ عليه).
هَذِي التباشيرُ قد لاحَتْ مطالِعُها *** فَلْيَسْعَدِ القومُ في حمدٍ وتَكبِيرِ
والشُكْرُ للهِ في أُولَى وآخِرةٍ *** ثم الولاةِ على حُكْم وتَدبِيرِ
اللَهُ أَكْبَرُ اللَهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَا اللَهُ، اللَهُ أَكْبَرُ اللَهُ أَكْبَرُ وَلِلَهِ الْحَمْدُ.
كورونا تفاؤلٌ ببلادنا الغاليةِ التي وفقها ربي في هذا الوباءِ فكانت الوقايةُ والاحترازات، وتوفيرُ الرعايةِ واللَقاحات فشكر الله لخادمِ الحرمينِ ووليِ عهدِه وللمرابطينَ من رجالِ الأمنِ والصحةِ والعلمِ الذين فزِع لهم الناسُ، والشدائدُ تُبينُ من لهم في المتابعةِ الأولوياتِ ومن هم حقاً أهلُ الصداراتِ والقُدُوات.
كورونا تفاؤلٌ جاءَ ليكشفَ عَوارَ المتباكينَ على حجابِ المرأةِ وتغطيةِ وجهِها بأنَه لها كِتمان ! أما وقد قلَبَ كورونا العالمَ رجالَه ونساءَه وقد التثمُوا بالكِماماتِ طلباً لصحةِ الأجسادِ ألا وإنَ اللهَ فرضَ الحجابَ حِفاظاً على قلوبِ وأعراضِ العبادِ.
كورونا تفاؤلٌ ببناءِ الوعي؛ وعيٌ بديننا الذي درَعنا بحصنٍ من الأذكارِ حصين في الصباحِ والمساءِ في حرزٍ مكين، ووعيٌ بإجراءاتِ الوقايةِ، وسُبُلِ الحمايةِ، فكم أبانت من ضُعفاء وعيٍ ديدنُهم استهتار، بين ناقلٍ للشائعاتِ وللأباطيلِ مِكثار، فلتُكن كورونا لأنفُسِنا حثيثةً للزومِ أذكارِنا، واحترزوا اليومَ تباعُداً لتسعدوا غداً تقارُباً، بهذه الكِماماتِ وبعدمِ العِناقِ والمُصافحةِ تحفظوا أرواحَكُم ومن تحبُون، وبادِروا بالتطعيمِ فهو في هذا الوباءِ من فرجِ اللهِ الكريم.
كورونا تفاؤلٌ أظهرَ ثَقَافَةَ الْإِنْجَازِ عَنْ بُعْدٍ، في مُعاملاتِنا ومصالِحنا وتعلِيمنا فلله الحمدُ على التيسيرِ ولله الفضلُ والمنَةُ على التسخير.
كورونا تفاؤلٌ علَمنا عملياً كيفَ نختصِرُ أفراحَ أعراسِنا فلا تكاليفَ ولا حُجوزاتٍ ولا بحثَ عن قاعات، ما أجملَه بلا تبذيرٍ بل راحةٌ وتوفير.
فاللهمَ لك الحمدُ على السراءِ والضَراءِ وعلى النعمةِ والابتلاء، إن لم يكن بكَ غضبٌ علينا يا الله فلا نُبالي غيرَ أن رحمتَك وعافيتَك أوسعُ لنا، وفألُنا أن تكشفَ الوباءَ عنَا.
يا أهلَ العيد: هنيئًا لصحيحٍ يعودُ مريضًا، وقريبٍ يزورُ قريبًا، هنيئاً لمُوسِرٍ يزرعُ البهجَة،
العيدُ عيدُ مَن عفا عمن هَفَا، وأحسنَ لمنْ أساء، العيدُ عيدُ من أتبعَ الحسنةَ بالحسنةِ ومنها
صِيَامِ سِتٍّ مِنْ شَوَّال، فأَحْسِنُوا إِنَ اللَهَ يُحِبُ الْمُحْسِنِينَ.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات