عناصر الخطبة
1/ سرعة انقضاء شهر رمضان 2/ خصائص العيد في الإسلام 3/ سمات المسلم في العيد 4/ الحرص على وحدة الصف واجتماع الكلمة 5/ وصايا للنساء في العيد.اهداف الخطبة
اقتباس
كُنَّا أَمسِ في رَمَضَانَ، في صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَقِيَامٍ، وَتَفطِيرٍ وَبِرٍّ وَإِطعَامِ طَعَامٍ، وَزَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَإِحسَانٍ، وَذِكرٍ وَدُعَاءٍ وَتِلاوَةِ قُرآنٍ، وَاليَومَ نَحنُ في عِيدِ الفِطرِ السَّعِيدِ، قَد أَكمَلنَا شَهرَنَا بِفَضلِ اللهِ في أَمنٍ وَعَافِيَةٍ وَاطمِئنَانٍ، وَأَتَمَّ المَولَى بِذَلِكَ عَلَينَا النِّعمَةَ وَأَظهَرَهَا، فَحُقَّ لَنَا أَن نَفرَحَ بِفَضلِ اللهِ وَنَبتَهِجَ، وَأَن نَسعَدَ بِرَحمَتِهِ وَنَغتَبِطَ، وَأَن تَطِيبَ قُلُوبُنَا وَتَنشَرِحَ صُدُورُنَا، وَأَن تُسَرَّ خَوَاطِرُنَا وَتَقَرَّ نَوَاظِرُنَا، وَأَن نُكَبِّرَ اللهَ وَنَذكُرَهُ وَنَشكُرَهُ،...
الخطبة الأولى:
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ. الحَمدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِلإِيمَانِ، وَمَنَّ عَلَينَا بِإِدرَاكِ شَهرِ رَمَضَانَ، وَوَفَّقَنَا فِيهِ لِلطَّاعَةِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ، أَعَانَنَا عَلَى الصَّلاةِ فِيهِ وَالصِّيَامِ، وَيَسَّرَ لَنَا خَتمَ القُرآنِ وَالقِيَامَ، وَأَفَاضَ أَلسِنَتَنَا بِالدُّعَاءِ وَالذِّكرِ، فَلَهُ – تَعَالى - أَتَمُّ الحَمدِ وَأَوفَى الشُّكرِ.
أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً أَرجُو بِهَا النَّجَاةَ يَومَ النُّشُورِ، وَأُعِدُّهَا لِيَومٍ تُبَعثَرُ فِيهِ القُبُورُ، وَيُحَصَّلُ مَا في القُلُوبِ وَالصُّدُورِ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُاللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِن خَلقِهِ وَخَلِيلُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ لِلأُمَّةِ، وَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى كَشَفَ اللهُ بِهِ الغُمَّةَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ الغُرِّ المَيَامِينَ، وَمَن سَارَ عَلَى سُنَّتِهِ وَاهتَدَى بِهَديِهِ إِلى يَومِ الدِّينِ.
خَرَجنَا وَسِترُ اللهِ يَجمَعُ شَملَنَا *** وَكُلُّ لِكُلٍّ مُسعِدٌ وَمُسَاعِفُ
وَقَد أَخَذَت كُلُّ البِقَاعِ حُلِيَّهَا *** بَهَاءً وَلا وَجهٌ مِنَ العَيشِ كَاسِفُ
فَللهِ كُلُّ الحَمدِ وَالشُّكرِ وَافِرًا *** بِهِ يَكتَفِي طَاوٍ وَيَأمَنُ خَائِفُ
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ. أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِخَيرِ الزَّادِ لِيَومِ المَعَادِ (يَا بَني آدَمَ قَدْ أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، كُنَّا أَمسِ في رَمَضَانَ، في صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَقِيَامٍ، وَتَفطِيرٍ وَبِرٍّ وَإِطعَامِ طَعَامٍ، وَزَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَإِحسَانٍ، وَذِكرٍ وَدُعَاءٍ وَتِلاوَةِ قُرآنٍ، وَاليَومَ نَحنُ في عِيدِ الفِطرِ السَّعِيدِ، قَد أَكمَلنَا شَهرَنَا بِفَضلِ اللهِ في أَمنٍ وَعَافِيَةٍ وَاطمِئنَانٍ، وَأَتَمَّ المَولَى بِذَلِكَ عَلَينَا النِّعمَةَ وَأَظهَرَهَا، فَحُقَّ لَنَا أَن نَفرَحَ بِفَضلِ اللهِ وَنَبتَهِجَ، وَأَن نَسعَدَ بِرَحمَتِهِ وَنَغتَبِطَ، وَأَن تَطِيبَ قُلُوبُنَا وَتَنشَرِحَ صُدُورُنَا، وَأَن تُسَرَّ خَوَاطِرُنَا وَتَقَرَّ نَوَاظِرُنَا، وَأَن نُكَبِّرَ اللهَ وَنَذكُرَهُ وَنَشكُرَهُ، طَاعَةً لَهُ – سُبحَانَهُ - وَامتِثَالاً لأَمرِهِ حَيثُ قَالَ: (وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ) [البقرة: 185].
نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ - بِالأَمسِ كُنَّا نَنعَمُ بِتَنوِيعِ الطَّاعَاتِ، وَنَأنَسُ بِكَثرَةِ القُرُبَاتِ، وَاليَومَ نَحنُ في فَرَحٍ بِمَا وُفِّقنَا إِلَيهِ وَأُعِنَّا عَلَيهِ. اليَومَ نَفرَحُ بِالفِطرِ وَإِتمَامِ شَهرِ الصَّبرِ، وَغَدًا نَفرَحُ بِالصَّومِ وَتَحصِيلِ الأَجرِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لِلصَّائِمِ فَرحَتَانِ يَفرَحُهُمَا، إِذَا أَفطَرَ فَرِحَ بِفِطرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "الصِّيَامُ وَالقُرآنُ يَشفَعَانِ لِلعَبدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرآنُ: رَبِّ مَنَعتُهُ النَّومَ بِاللَّيلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ" (رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
فَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنَ المُسلِمِينَ مَا قَدَّمنَاهُ، وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُم مَا أَخطَأنَا فِيهِ أَو نَسِينَاهُ، وَجَعَلَنَا مِمَّن يُقَالُ لَهُم غَدًا في جَنَّةٍ عَالِيَةٍ: (كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسلَفتُم في الأَيَّامِ الخَالِيَةِ) [الحاقة: 24].
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ حَيَاةَ المُسلِمِ بِفَضلِ اللهِ، حُلوَةٌ وَإِن خَالَطَهَا بَعضُ الكَدَرِ، هَنِيئَةٌ وَإِن شَابَهَا بَعضُ الحَزَنِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِإِيمَانِهِ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولاً، وَرِضَاهُ بما قَدَّرَ اللهُ وَاستِسلامِهِ لِمَا قَضَاهُ، وَاحتِسَابِهِ الأَجرَ في كُلِّ شَأنِهِ، وَتَسلِيمِهِ لأَمرِ رَبِّهِ وَنَهيِهِ، وَوُقُوفِهِ عِندَ حُدُودِهِ وَعَدَمِ تَجَاوُزِهَا "عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ، وَلَيسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ".
إِنَّ المُسلِمَ - يَا عِبَادَ اللهِ - بَينَ عَطَاءٍ يَأتِيهِ فَيُوجِبُ عَلَيهِ الشُّكرَ، وَبَلاءٍ يُصِيبُهُ فَيَستَوجِبُ مِنهُ الصَّبرَ، وَلا تَنفَكُّ الدُّنيَا مَعَ صَفوِهَا مِن كَدَرٍ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ بِاحتِسَابِ الأَجرِ، وَلُزُومِ الشُّكرِ وَالصَّبرِ، وَدَوَامِ التَّوبَةِ مِن كُلِّ ذَنبٍ وَوِزرٍ، تَتَحَقَّقُ لَهُ الرَّاحَةُ وَالرِّضَا، وَتَفِيضُ عَلَيهِ السَّكِينَة وَيَغمُرُهُ الأُنسُ، وَيَشعُرُ بِالطُمَأنِينَةِ وَهُدُوءِ النَّفسِ.
وَالعَاقِلُ الحَصِيفُ الرَّشِيدُ، يَعِيشُ حَيَاتَهُ كَيَومِ العِيدِ، فَرِحًا بِإِيمَانِهِ، مُنشَرِحَ الصَّدرِ بِإِحسَانِهِ، مَسرُورًا بِطَاعَةِ اللهِ، سَعِيدًا بِالقُربِ مِن مَولاهُ، يَتَّقِيهِ حَيثُمَا كَانَ، وَيُتبِعُ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ، وَيُخَالِقُ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.
وَمَا الأَعيَادُ في الإِسلامِ – إِخوَةَ الإِيمَانِ - إِلاَّ مَحَطَّاتٌ لإِظهَارِ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَمَوَاقِفُ لإِعلانِ البَهجَةِ وَالحُبُورِ، يَتَذَكَّرُ المَرءُ فِيهَا رَحِمًا مَقطُوعَةً فَيَصِلُهَا، وَقَرَابَةً مَهجُورَةً فَيَزُورُهَا، وَصَدَاقَةً مَنسِيَّةً لِيُجَدِّدَهَا، وَعَلاقَةً وَاهِيَةً لِيُصلِحَهَا.
في العِيدِ تُنسَى الشَّحنَاءُ، وَتُنزَعُ حُجُبُ البَغضَاءِ، مُصَافَحَةٌ وَعِنَاقٌ وَسَلامٌ، وَمَحَبَّةٌ وَوِفَاقٌ وَوِئَامٌ، وَعَفوٌ وَصَفحٌ وَإِكرَامٌ، تَتَعَانَقُ الأَفئِدَةُ قَبلَ تَصَافُحِ الأَكُفِّ، وَيُسَلِّمُ المُسلِمُ عَلَى مَن عَرَفَ وَمَن لم يَعرِفْ، يَلتَقِي أَفرَادُ المُجتَمَعِ كُلُّهُم بِلا استِثنَاءِ، في مُوَدَّةٍ وَإِخَاءٍ وَصَفَاءٍ، لا أَثَرَةَ وَلا خُصُوصِيَّةَ وَلا استِعلاءَ، بَل تَصَافٍ وَصِدقٌ وَنَقَاءٌ، فَالعِيدُ فَرَحُ مُجتَمَعٍ بِأَكمَلِهِ، وَسَعَادَةُ أُمَّةٍ بِأَسرِهَا.
وَالمُسلِمُ في العِيدِ جَمِيلُ المَنظَرِ نَظِيفُ المَخبَرِ، حَسَنُ الصُّورَةِ عَظِيمُ الخُلُقِ، مُشرِقُ الجَبِينِ وَضَّاحُ المُحَيَّا، طَلقُ الوَجهِ بَاسِمُ الثَّغرِ، لا يَتَكَبَّرُ عَلَى ضَعِيفٍ لِضَعفِهِ، وَلا يَتَرَفَّعُ عَلَى فَقِيرٍ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، وَلا يَتَجَهَّمُ لِمِسكِينٍ لِحَاجَتِهِ، وَلا يَحتَقِرُ مُحتَاجًا لِمَسكَنَتِهِ، لا تَرَاهُ إِلاَّ خَافِضَ الجَنَاحِ لِلمُؤمِنِينَ، لَيِّنَ الجَانِبَ مَعَ المُسلِمِينَ، سَمحًا سَهلاً حَلِيمًا، هَشًّا بَشًّا كَرِيمًا، يألَفُ وَيُؤلَفُ، وَيُحِبُّ وَيُحَبُّ، يَأخُذُ الأُمُورَ بِالرِّفقِ وَالمُلايَنَةِ، وَيَتَعَامَلَ مَعَ غَيرِهِ بِالسَّمَاحَةِ وَالمُيَاسَرَةِ، لا يَستَفِزُّهُ حُمقٌ وَلا نَزَقٌ، وَلا يَستَخِفُّهُ سَفَهٌ وَلا غَضَبٌ، وَلا يَحمِلُ في قَلبِهِ حِقدًا قَدُمَ عَهدُهُ.
وَلا يَتَذَكَّرُ خَطَأً بَعُدَ حِينُهُ، وَلا يَجتَرُّ مَوقِفًا عَفَا عَلَيهِ الزَّمَنُ، بَل يَصُدُّ الجَهلَ بِالحِلمِ، وَيَمحُو العَثَرَاتِ بِالعَفوِ، وَيَدفَعُ السَّيِّئَةَ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ، يُفشِي السَّلامَ، وَلا يُكثِرُ المَلامَ، وَيُكرِمُ الأَهلَ وَالأَصحَابَ، وَلا يَبدَأُ أَحَدًا مِنهُم بِعِتَابٍ، يُعطِي أَكثَرَ مِمَّا يَأخُذُ، وَيَبذُلُ فَوقَ مَا يَسأَلُ، وَيُحِبُّ لإِخوَانِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهَ لِنَفسِهِ.
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.
العِيدُ يَومُ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ، زِينَةٌ تَظهَرُ بها نِعمَةُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَجَمَالٌ يَحكِي جَمَالَ أَروَاحِهِم وَيَشِفُّ عَن صَفَائِهَا، دُونَ كِبرٍ أَو خُيَلاءَ، أَو مُبَاهَاةٍ أَوِ استِعلاءٍ. العِيدُ يَومُ التَّوسِعَةِ عَلَى العِيَالِ في المَأكلِ وَالمَشرَبِ، وَالسَّمَاحِ لَهُم بِشَيءٍ مِنَ اللَّهوِ المُبَاحِ، دُونَ تَجَاوُزٍ لِلحَدِّ المَعلُومِ إِلى الإِسرَافِ المَذمُومِ، أَو وُقُوعٍ في تَبذِيرٍ مُجَرَّمٍ أَو إِتيَانِ مُنكَرٍ مُحَرَّمٍ.
العِيدُ يَومُ فُسحَةٍ وَنُزهَةٍ، وَخُرُوجٍ مِن دَائِرَةِ الخُصُوصِيَّةِ إِلى دَوَائِرَ أَوسَعَ، وَلَكِنْ دُونَ تَعَرٍّ أَو سُفُورٍ، أَو تَحَلُّلٍ أَوِ اختِلاطٍ مَحظُورٍ. لَيسَ العِيدُ عَادَةً اجتِمَاعِيَّةً تَخضَعُ لِرُسُومٍ قَبَلِيَّةٍ، وَلا هُوَ مُنَاسَبَةً وَطَنِيَةً تَحكُمُهَا أَنظِمَةٌ حُكُومِيَةٌ، وَلَكِنَّهُ عِبَادَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَفَرحَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، يَستَحِقُّهَا مَن أَقَامَ الصَّلاةَ وَآتى الزَّكَاةَ، وَصَامَ وَقَامَ وَأَعطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالحُسنَى فَيُسِّرَ لِليُسرَى.
أَجَل – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ – إِنَّ العِيدَ فَرحَةٌ بِانتِصَارِ الإِرَادَةِ الخَيِّرَةِ عَلَى الأَهوَاءِ الشِّرِّيرَةِ، وَبَهجَةٌ بِطَاعَةِ الرَّحمَنِ، وَسُرُورٌ بِمُخَالَفَةِ النَّفسِ وَالشَّيطَانِ، دُونَ أَن يَنسَى المُسلِمُ في خِضَمِّ هَذَا الفَرَحِ أَنَّ لَهُ مَعَالِمَ فَيَنتَهِيَ إِلَيهَا، وَحُدُودًا فَيَقِفَ عِندَهَا وَلا يَتَجَاوَزَهَا.
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَيسَ شَيءٌ أَحَبَّ إِلى شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنسِ مِن فَسَادِ ذَاتِ البَينِ، وَزَرعِ القَطِيعَةِ بَينَ الأَحبَابِ وَالمُتَآلِفِينَ، وَنَشرِ الخِلافَاتِ بَينَ الأَصحَابِ وَالمُتَآخِينَ، حَتَّى يَنقَلِبَ الصَّدِيقُ الحَمِيمُ نِدًّا بَغِيضًا، وَيَعُودَ الوَلِيُّ الحَبِيبُ عَدُوًّا كَرِيهًا، وَلِذَا فَهُم لا يَألُونَ جُهدًا في التَّحرِيشِ وَالوَسوَسَةِ، وَبَثِّ مَا يَجلِبُ الشِّقَاقَ وَالنُّفرَةَ، يَبُثُّونَ الكِبرَ في الصُّدُورِ، وَيَزرَعُونَ التَّعَالِيَ في النُّفُوسِ، حَتَّى يَنزِعَ القَرِيبُ يَدَهُ مِنْ يَدِ قَرِيبِهِ، وَيُشِيحَ الحَبِيبُ بِوَجهِهِ عَن حَبِيبِهِ، وَيَنصَرِفَ قَلبُ الأَخِ عَن أَخِيهِ، وَيَتَخَلَّى كَرِيمُ النَّفسِ عَن كَرَمِ أَخلاقِهِ، وَطَيِّبُ القَلبِ عَن رِقَّةِ طَبعِهِ، ثم لا يَسمَعُ بَعدَ ذَلِكَ تَوجِيهًا وَلا نُصحًا، وَلا يَقبَلُ عَفوًا وَلا صُلحًا وَلا صَفحًا، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ في التَّحرِيشِ بَينَهُم" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
أَلا فَمَا أَجمَلَهُ بِالمُسلِمِينَ أَن يَجعَلُوا العِيدَ فُرصَةً لِلعَفوِ وَالصَّفحِ، وَعَودِ القُلُوبِ لاجتِمَاعِهَا وَالنُّفُوسِ لِصَفَائِهَا، وَمَن عَلِمَ قِصَرَ الحَيَاةِ وَقُربَ المَمَاتِ، لم يُضِعْ عُمُرَهُ في اجتِلابِ العَدَاوَاتِ، وَلم يَشغَلْ نَفسَهُ بِالانتِقَامِ مِنَ المُخطِئِينَ، وَإِنَّمَا الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ وَالسَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ، لِمَن تَبِعَ الحَقَّ وَأَحسَنَ إِلى الخَلقِ (مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) [النحل: 97].
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.
الخطبة الثانية:
اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً. الحَمدُ للهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَأَعطَاهُ، وَالشُّكرُ لَهُ عَلَى مَا أَنعَمَ بِهِ وَأَولاهُ، هَدَانَا وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولاهُ، وَأَفَاضَ عَلَينَا الخَيرَ وَأَجرَاهُ، فَلَهُ الحَمدُ حَتَّى يَبلُغَ الحَمدُ مُنتَهَاهُ.
وأَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَمُصطَفَاهُ، شَهَادَةً أَرجُو بها النَّجَاةَ يَومَ أَلقَاهُ، يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ وَلا جَاهٌ، إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ وَاتَّقَاهُ... أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – تَسعَدُوا، وَأَطِيعُوهُ تَهتَدُوا (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ) [النور: 52].
أيها المسلمون، الفَرَحُ وَردَةٌ نَضِرَةٌ، وَالسُّرُورُ زَهرَةٌ فَوَّاحَةٌ، وَالسَّعَادَةُ شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ تَعِيشُ في حُقُولِ الصَّفَاءِ، وَتَحتَضِنُهَا بَسَاتِينُ النَّقَاءِ، تُسقَى بِمَاءِ العَفوِ وَالتَّسَامُحِ، وَتُروَى بِفَيضِ التَّغَافُلِ وَالتَّصَافُحِ، تَزِيدُ ثِمَارُهَا بِالإِحسَانِ وَالعَطَاءِ، وَتُؤتِي أُكُلَهَا بِالتَّرَاحُمِ وَالإِغضَاءِ.
فَإِذَا مَا تَعَرَّضَت لِرِيَاحِ الظُّنُونِ السَّيِّئَةِ، أَو لَفَحَتهَا سَمَائِمُ التَّعنِيفِ وَكَثرَةِ اللَّومِ، أَو سُلِّطَت عَلَيهَا نِيرَانُ الحَسَدِ وَالتَّبَاغُضِ، أَو وُضِعَت في مُستَنقَعَاتِ التَّنَافُسِ غَيرِ الشَّرِيفِ، ذَهَبَ رُوَاؤُهَا وزال بَهَاؤُهَا، وَقَد تَنقَطِعُ جُذُورُهَا في بَعضِ المُجتَمَعَاتِ فَتَمُوتُ، بِسَبَبِ مَعَاصٍ تَستَوحِشُ لَهَا القُلُوبُ، وَذُنُوبٍ يَتَنَافَرُ مَعَهَا الوُدُّ، أَو ظُلمٍ ظَالِمٍ لم يَعرِفِ العَدلُ إِلى قَلبِهِ سَبِيلاً، أَو شُحِّ شَحِيحٍ لم يَبذُلْ مِنَ الإِحسَانِ كَثِيرًا وَلا قَلِيلاً، وَقَد تَذبُلُ أَورَاقُهَا في نُفُوسٍ أُنَاسٍ فَترَةً مِنَ الزَّمَنِ، بِسَبَبِ مِحَنٍ تَمُرُّ بِهِم وَبَلايا، أَو فِتَنٍ تُحِيطُ بِهِم وَرَزَايا.
وَمَا حَالُ مُجتَمَعَاتٍ حَولَنَا بِخَافٍ عَلَينَا، حَيثُ يَعِيشُ إِخوَانٌ لَنَا عِيدَهُم بَينَ خَوفٍ وَرُعبٍ، تُصَبِّحُهُم صَوَارِيخُ العَدُوِّ، وَتُمَسِّيهِم طَلَقَاتُ المُتَرَبِّصِ، قَد أَضحَوا هَدَفًا لِخِطَطِ المَاكِرِينَ وَغَدرِ المُنَافِقِينَ، هُدِّمَت مَسَاكِنُهُم، وَأُخلِيَت دِيَارُهُم، وَأُخرِجُوا مِن بِلادِهِم، وَقُتِلَ أَطفَالُهُم وَنِسَاؤُهُم، وَهُتِكَت أَعرَاضُهُم وَدِيسَت كَرَامَتُهُم، وَانتُزِعَتِ الطُّمَأنِينَةُ مِن نُفُوسِهِم، فَلَهُم مِنَّا خَالِصُ الدُّعَاءِ وَصَحِيحُ الرَّجَاءِ، أَن يَكُونَ هَذَا العِيدُ مَطلَعَ رَحمَةٍ عَلَيهِم بَعدَ عَذَابٍ، وَبُزُوغَ فَجرِ فَرَجٍ لَهُم بَعدَ شِدَّةٍ، وَشُرُوقَ شَمسِ يُسرٍ بَعدَ عُسرٍ.
وَمَا دُمنَا نَعِيشُ في بِلادِنَا في أَمنٍ وَإِيمَانٍ، وَعَافِيَةٍ وَاطمِئنَانٍ، تُؤَلِّفُ بَينَنَا رَابِطَةُ الإِسلامِ، وَتَجمَعُنَا أُخُوَّةُ الدِّينِ، وَيَشُدُّ أَعضَاءَ جَسَدِنَا كَرِيمُ الصُّحبَةِ، وَيَربِطُنَا حُسنُ الجِوَارِ، وَلَنَا في تَبَادُلِ التَّقدِيرِ وَدَوَامِ التَّآخِي أَكبَرُ المَصَالِحِ، فَلْنَحرِصْ عَلَى وِحدَةِ الصَّفِّ وَاجتِمَاعِ الكَلِمَةِ وَالتَّآلُفِ، وَلْنَحذَرِ الفُرقَةَ وَتَشَعُّبَ الرَّأيِ وَتَصَدُّعَ البَنَاءِ، وَمَا يَكُنْ بَينَنَا مِن نَصِيحَةٍ مُتَبَادَلَةٍ، أَو إِرَادَةِ إِصلاحٍ خَيِّرَةٍ، فَلْتَكُنْ مِن بَابِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ بِالمَعرُوفِ، وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ بِلا مُنكَرٍ.
طَبِيعِيٌّ أَن يَختَلِفَ الرَّأيُ قَلِيلاً، وَأَلاَّ تَتَّفِقَ وُجُهَاتُ النَّظَرِ تَمَامَ الاتِّفَاقِ، وَلَكِنَّ حُسنَ الأَدَبِ وَاجِبُ الجَمِيعِ، وَبَذلَ العُذرِ مِن لَوَازِمِ الذَّوقِ الرَّفِيعِ، وَالرِّفقُ وَحُسنُ الظَّنِّ يُمنٌ وَبَرَكَةٌ، وَالفَظَاظَةُ وَالعُنفُ وَالغِلظَةُ شُؤمٌ وَمَحقٌ، وَالاعتِذَارُ عَنِ الخَطَأِ هُوَ قِمَّةُ التَّوَاضُعِ، وَلم يَجعَلِ اللهُ لأَحَدٍ قَلبَينِ في جَوفِهِ، حَتَّى يَجعَلَ أَحَدَهُمَا مَنبَعًا لِلسَّعَادَةِ وَالخَيرِ وَالحُبِّ , وَالآخَرَ مَبعثًا لِلشَّقَاءِ وَالشَّرِّ وَالكُرهِ، فَلْنَقصُرْ قُلُوبَنَا عَلَى الحُبِّ وَالوُدِّ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن تَضيِيقِهَا بِالبُغضِ وَالحِقدِ، وَإِن أُلجِئنَا لِبَعضِ التَّفَرُّقِ حِينًا مِنَ الدَّهرِ، فَلْيَكُنْ بِعَدلٍ وَحُسنِ رِعَايَةٍ لِلعَهدِ.
تَعَالَوا نُسَامِحْ بَعضَنَا يَومَ عِيدِنَا *** فَمَا فَازَ في الأَعيَادِ إِلاَّ المُسَامِحُ
وَلا تُكثِرُوا لَومًا وَخَلُّوا عِتَابَكُم *** بَعِيدًا فَإِنَّ المَوتَ غَادٍ وَرَائِحُ
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، اللهَ اللهَ بِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَهَديِ السَّالِفِينَ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ المَعَاصِي وَاتِّبَاعِ الخَالِفِينَ المُخَالِفِينَ، وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ لَبِنَاتِ المُجتَمَعِ هِيَ الأُسَرُ، وَعِمَادَ صَلاحِهَا هُوَ النِّسَاءُ، وَأَصلُ صَلاحِ النِّسَاءِ قَرَارُهُنَّ في البُيُوتِ، وَابتِعَادُهُنَّ عَن مَوَاطِنِ السُّفُورِ وَالاختِلاطِ المَحظُورِ، وَرَبُّ الأُسرَةِ هُوَ وَلِيُّ أَمرِهَا، وَهُوَ المَسؤُولُ عَن تَقوِيمِهَا وَأَطرِهَا، وَكُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ...
وَإِنَّنَا مِن هَذَا المِنبَرِ، لَنُنَاشِدُ الأَخوَاتِ وَالأُمَّهَاتِ وَالزَّوجَاتِ وَالبَنَاتِ، أَن يَكُنَّ صَالِحَاتٍ قَانِتَاتٍ، حَافِظَاتٍ لِلغَيبِ بما حَفِظَ اللهُ، وَأَن يَمتَثِلْنَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ وَنِسَاءَ المُسلِمِينَ، مِن تَقوَى اللهِ وَالقَرَارِ في البُيُوتِ، وَنَبذِ التَّبَرُّجِ وَالخُضُوعِ بِالقَولِ، أَعَادَ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمُ العِيدَ أَعوَامًا عَدِيدَةً، في حَيَاةٍ سَعِيدَةٍ وَعِيشَةٍ رَغِيدَةٍ، وَأَعَزَّنَا بِطَاعَتِهِ وَأَعَزَّ بِنَا دِينَهُ...
رَعَى اللهُ أَيَّامًا مَضَت وَلَيَالِيًا *** خِفَافًا بِنَا مَرَّت كَمَرِّ السَّحَائِبِ
وَيَا لَيتَهَا لم تَمضِ عَنَّا فَفَقدُهَا *** عَلَى النَّفسِ إِحدَى مُوجِعَاتِ المَصَائِبِ
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.
التعليقات