عناصر الخطبة
1/ فرحة العيد وأفراح المؤمن 2/ أحوال الناس في رمضان بين رابح وخاسر 3/ باب التوبة مفتوح أبدا 4/ لذة الطاعة 5/ العيد فرصة للتسامح والعفو ومواساة الحزانى والمحرومين 6/ مبشِّرات بالنصر مدعاة للتفاؤل 7/ مسؤولية الجميع في بناء المجتمع 8/ جَمْعُ العيد والتذكير بجَمْع الوعيد 9/ الطاعة بعد رمضان وصيام ست من شوال 10/ موعظة للنساء 11/ من سنن العيد 12/ إخراج زكاة الفطراهداف الخطبة
اقتباس
وحق للمرء أن يفرح إن كان قد أرضى ربه، وإذا كانت اليوم فرحة، فإن الفرحة الأخرى تكون للطائع عند موته حين يرى نتائج أعماله، وتزف إليه البشرى من الملائكة (أَنْ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ)، وفرحة في قبره حين يرى الخير والحبور، ومقعده من الجنة فيعلوه السرور؛ وفرحة يوم يقف بين يدي ربه فيعطى صحيفة حسناته بيمينه، فيقول والفرحة تملأ قلبه: (هَاؤُمُ اقْرَؤُا كِتَابِيَهْ)، والفرحة العظمى ..
الحمد لله رب العالمين ، إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين ومالك يوم الدين، الذي لافوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته ولا حياة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في قربه، الذي إذا أطيع شكر، وإذا عصي تاب وغفر، وإذا دعي أجاب، وإذا عومل أثاب.
تسبح له السموات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها، والأرض وسكانها، والبحار وحيتانها، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُوراً) [الإسراء:44]، يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. والصلاة والسلام على من أرسله الله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الهب بكرة وأصيلا.
تضج الأرض اليوم بالتكبير، وما أعظمها من كلمة لو عقلناها! فالله أكبر من كل شيء، ولا يعجزه شيء، ولا يغلبه شيء، السماوات بعظمتها، والجبال بصلابتها، والأرض بسعتها، والبحر وما حوى، والبر وما آوى، والجو وما أوعى، والملائكة على عظيم خلقهم، والشمس على عظيم نورها، والقمر على جمال خلقه، ما هي إلا خَلق من خلق الله، والله أعظم وأكبر. فمن هو المسكين الذي يتجبر على ربه ويعصيه ويتكبر؟!.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يا أهل العيد: المسلم اليوم يفرح حين أمد الله في عمره فبلغه ختام الشهر مع الصائمين، حين أبقى له قواه فأعانه على الطاعة مع الطائعين، حين للخير هَداه، ولبيوت الله وفّقه، وللإسلام ارشده، في حين ضل أناس كثير من العالمين.
وحق للمرء أن يفرح إن كان قد أرضى ربه، وإذا كانت اليوم فرحة، فإن الفرحة الأخرى تكون للطائع عند موته حين يرى نتائج أعماله، وتزف إليه البشرى من الملائكة (أَنْ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) [فصلت:30]، وفرحة في قبره حين يرى الخير والحبور، ومقعده من الجنة فيعلوه السرور؛ وفرحة يوم يقف بين يدي ربه فيعطى صحيفة حسناته بيمينه، فيقول والفرحة تملأ قلبه: (هَاؤُمُ اقْرَؤُا كِتَابِيَهْ) [الحاقة:19]، والفرحة العظمى والمنة الكبرى تكمل حين يدخل الجنة؛ فيأمن الأمْنَ التام، ويسعد بلا شقاء، وينعم فلا بأساء، فأسأل الله أن يتمم عليكم فرحتكم، وأن يذيقكم كل هذه الفرحات.
عباد الله: لئن كان الشهر قد أفل نجمه، فإن الناس اليوم ينظرون إليه وهم ما بين رابح وخاسر، وتاجر ومفلس وغني وفقير، أما إنه ليس غنى الدنيا ولا ربح الكنوز ولا تجارة الأموال؛ بل هي الحسنات والسيئات، خرج أناس من الشهر وهم تجّار حسنات، وآخرون وهم مفلسون من أجور الطاعات، ولا سَواء! فحين تسابق هؤلاء إلى الطاعات، هرع أولئك إلى الملذات، فمضى نصَب الطائع، وانقضت لذة العاصي إن كان ثمة لذة، وبقيت الصحائف شاهدة على الخير والشر، يراها العباد يوم تنشر الدواوين، فيا بشرى الطائعين!.
وأما المقصرون المفرطون الذين ضاعت عليهم فرصة رمضان فما انتهت الفرص ولا أغلق الباب، بل ما دام النفَس يتردد فالباب مفتوح، والرب كريم، لم ولن يزال بالصفح موصوفاً، وبالرحمة معروفاً، فأين المقبلون؟.
معشر الأحبة: ما بال النفوس تفرح برمضان؟ ما بال الناس يفرحون بمقدمه ويحزنون بفراقه؟ إن ذلك لأنهم يقربون فيه من الله، وفي ذلك العيش الحقيقي، نعم! لقد جاعت بطونكم، وربما تعبت من القيام أبدانكم، ولكن السعادة مع كل هذا كانت تغمر قلوبكم، ولَعَمري فهذه هي لذة الطاعة التي يبحث عنها كل مسلم! لا توجد في لذائذ الدنيا كلها، فإن أردت أن تذوق لذتها ويدوم معك طعمها فدم على العهد مع الله، وتقلب بين العبادات بين فرض ونافلة، أحبّ ما تتقرب به للملك سبحانه فرائض العبادات، ونوافلها تهيئك لأن تكون ممن يحبهم الله، ولا تسل بعدها عن كرامة الله لأحبابه.
معاشر المسلمين والمسلمات: روعة العيد تتجلى في اجتماع الأبدان، وتصافح الأيدي، لكن الروعة تتم والعيد يزدان باجتماع القلوب، وتصافي النفوس، العيد يطيب بالثياب النظيفة، ولا يكتمل بهاؤه إلا بالقلوب النظيفة، العيد ليس يوماً كالأيام، بل هو يوم جعله الله لعباده ليفرحوا، فهو يوم التسامح والوفاق، والمصالحة ونبذ الشقاق، اليوم يلتقي الأقارب ويتعايد الجيران، ويجتمع الجميع.
وكم هي فرصة لأن يكون شعارنا اليوم مع كل من شاب النفوس منه شيء: (وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) [آل عمران:134]، ورائدنا قول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام"، إنها الفرصة لأن نستعلي على الشيطان وعلى أنفسنا، ونصل ارحاماً قصرنا في وصلها، ونعفو عمن أساء لنا، وننبذ عن قلوبنا الحسد والبغضاء، ونعيد لوجوهنا البهجة والصفاء، فإن لم يكن هذا في العيد فمتى؟.
معشر الكرام: لئن مرّ العيد اليوم عليكم وأنتم آمنون مطمئنون فإن إخواناً لنا في بقاع من الأرض يأتيهم العيد وهم خائفون وجلون، فقدوا الأمن والغذاء، وتسلط عليهم الأعداء، فحال بينهم وبين فرحة العيد، ومهما كانت مناسباتنا فلا ينبغي أن تنسينا إخواننا بدعائنا ومشاعرنا، والعيد يمرّ على أرملة فقدت سندها، ويتيم فقد عائله، وغريب نأى عن وطنه، وأسير حيل بينه وبين أحبابه، ولهؤلاء جميعاً نقول: إن الدنيا طُبِعَتْ على كدَر، فلا تصفو فيها بهجة، ولا يكتمل فيها اجتماع، ففرح اليوم حزين الغد، كذا الدنيا حتى نرحل عنها، ولا غضاضة، فمصائبها مكفرة، وعيشنا ليس هنا، فالموفق من عرف حقيقة دنياه وقدم لأخراه، وقدم من الطاعات ما تجعل مقرّ اجتماعه بأحبابه الفردوس الأعلى، فتلك والله السعادة، وذلك الفوز العظيم.
عباد الله: إن الناظر لحال المسلمين اليوم يرى صوراً عديدة تدعوه للتفاؤل، برغم ما في الجسد من آلام وجراح، نعم؛ عندنا تقصير، والعدو قد تجبر، والآلام مريرة، ولكن برغم الجراح فإن المسلم يرى من البشائر في الأمة ما يبهج الخاطر، أوَلسنا اليوم نرى كثرة الداخلين للإسلام في كل مكان في كل يوم، برغم ضراوة الهجمات وحملات التشويه للدين؟.
لماذا لا نتفاءل ونحن نرى سقوط زيف العدو من الكافرين، واستبانة سبيل المجرمين، وسقوط الشعارات وبقاء راية الدين، بعدما كان البعض لا يعرف حقيقة عداوة الكافرين؟ لماذا لا نتفاءل ونحن نرى حلقات القرآن في كل بلاد المسلمين، تخرج أعداداً من حفاظ وحافظات القرآن، بعدما كان لايوجد في البلد إلا نوادر من الحفاظ؟ وليس هذا في بلادنا وحدها بل في سائر بلاد المسلمين، فقد خرّجت غزة وحدها وتحت الحصار في إجازة الصيف الماضي أحد عشر ألف حافظ وحافظة للقرآن!.
أما نرى هذه الصحوة التي تبشر بخيرٍ بعودة فئات كبيرة ممن بعدوا عن حياض الدين، برغم حرب الشهوات المستعرة، والشبهات الخطافة، لقد وقف أحد العلماء الكبار محاضراً في إحدى المدن فلما رأى الأعداد الكبيرة قال: الحمد لله، ثم أجهش بالبكاء وقال مخاطباً الجموع التي امتلأ بها المكان: لقد أتيت لهذا المكان قبل ثلاثين سنة فما رأيت أحداً يصلح أن يؤم الناس، واليوم أرى هذه الجموع المشرقة، وحينها جاءني آباء يشكون أبناءهم وانحرافهم، واليوم جاءني أبناء يشكون أولئك الآباء أنهم يمنعونهم من بعض الخير، إن البشائر عديدة والمستقبل للدين.
ومع كل هذه البشائر فإننا بحاجة لكي تكتمل المسيرة إلى أن نعتني بالمخبر لا بالمظهر، وبالكيف مع الكم، إننا اليوم بحاجة لأن نأخذ الكتاب بقوة، ونعتني بالإسلام الأصيل، فنحن بحاجة لشباب ولنساء يمثلون الدين بمظاهرهم وبأخلاقهم وقلوبهم وعقائدهم، إننا بحاجة -وقد عرفنا عدونا وسقط قناعه- أن نتبرأ منه وأن نوالي إخواننا المؤمنين، فهل من العقل أن نعرف عداوة اليهود والنصارى لنا ثم نحن نواليهم بحبنا لهم أو التقليد لهم وعدم بغضهم من القلب؟ هل من الدين أن نعرف حرب الشهوات وأنها نوع من أسلحة الكفار في نحور أبنائنا عبر القنوات الآثمة، ثم نحن نولجها في بيوتنا لتهدم مابنيناه ونشأ عليه المجتمع من أخلاق وحياء وشيم؟ إن على كل واحد منا نصيبه من صلاح المجتمع، فماذا نحن فاعلون؟.
معشر الأحبة: ذكرى لا ينبغي أن تغيب عن فكر المؤمن، يذكره بها اجتماع الناس وتزاحمهم، كلما استذكرها حيا قلبه ولان، وتاب لله ودان، إنها ذكرى المحشر يوم تتزاحم الخلائق، وتتجلى الحقائق، ويجيء الله الخالق؛ الأبدانُ عارية، والقلوب خائفة، والألسن منعقدة، لا ينفع المرء حينها إلا عمله،
فيا ترى هل أعددنا لتلك اللحظات؟ هل قدمنا للنجاة من تلك الكربات؟ والأمن في تلك العرصات؟ طوبى لمن أطاع اليوم ربه وارعوى، ونهى النفس عن الهوى، وقدم اليوم ما يشفع له لنيل جنة المأوى، فأولئك هم الفائزون.
أستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله معيد الجُمع والأعياد، ومُبيد الأمم والأجناد، وراد الناس إلى معاد، إن الله لا يخلف الميعاد، والصلاة والسلام على صفوة العباد، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم التناد.
أما بعد: معاشر المسلمين: ونحن نطوي صفحة الشهر؛ فإن من أهم ما يشغل بالَ كل مطيع أن يدوم على الطاعة بعد رحيل الشهر، فلئن انتهت رحلة رمضان فإن أبواب الحسنات وطرق الخيرات ومواسم الطاعات تترى وباقية، يا من ترددت للمساجد دُم على ذلك ولا تفرط في الصلوات، يا من زكت نفسه بقراءة القرآن وقلب ناظريه في كلام المنان، حَذارِ أن تلطخ عينك بعد ذلك بالنظر للحرام.
يا من ترطب لسانه بالذكر، عارٌ أن تعود بعد الطهر للغيبة وساقط الكلام، يا من اعتقت رقابهم من النار، وتعرضوا لنفحات الغفار، لا يراكم الله في مواطن المعصية بعد أن حطت عنكم الأوزار، لقد حزتم كنزاً فلا تطفئوه بالمعاصي، قيام الليل مشروع كل العام، والقرآن ينتظر منكم الاستمرار والدوام، مجالات الانفاق تننظر منكم الإقدام، جنة الصيام نجاة ولذة وقربة للملك العلام، ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر، وستة أيام من شوال ندب إليها الرسول بعد إتمام رمضان، فأتبع بها شهرك، "مَن صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
أيتها المرأة المسلمة: كم يسرّ المرء يوم أن يرى جموع النساء قد أممن بيوت الله مصليات ولله مطيعات، في حينِ يُسخِّر أهل الشر كافة قواهم في سبيل إفساد المرأة وإشغالها بالتوافه،
يا من ترددتي على المسجد، يا من زكّيتِ نفسك في شهر الخير بالقرآن والصيام والطاعات والقيام، إن أعظم دورٍ تقومين به في خدمة الدين، وأنكَى جرح في نفوس أهل الشر صلاحك وتمسكك بدينك، ففي الوقت الذي تُثار الدعوات لتحرير المرأة من قيود الدين، وتنشط الجهود لنزع حجاب المرأة في هذه البلاد عبر السخرية به تارة، والحديث عن الحق الضائع تارة، وتلميع الساقطات تارة، نراكِ قد تعاليت على كل هذا وأقبلتِ على ربك، فدومي على هذا الخير، واستمري على طاعة ربك.
أيتها الفاضلة: لباسك وحجابك ليس عادة بل هو عبادة تتقربين به لذي الجلال، أمر به من أمرك بالصلاة والصيام، شرعه من أعطاك كل هذه النعم، أفلا يستحق منك أن تتمسكي به على وفق الشرع بلا تبرج؟ زوجك جنتك أو نارك فاسعي لمرضاته وتقربي بذلك لله، صلاح البيت بل المجتمع وانحرافه يبدأ منكِ، فإذا صلحت المرأة نشأ الأبناء على الصلاح، وأثرت هي على زوجها، فماذا أنتِ صانعة؟ الحجاب يستر الزينة، فما بال البعض منكن جعلنه زينة، فغدت تتزين بعباءتها ويظهر بعض بدنها ليفتن الرجال بمرآها، وما علمت أن عليها وزرهم، خير للمرأة أن لا ترى الرجال وأن لا يروها، فهلا غضضتِ البصر عن النظر للرجال عبر القنوات والطرقات؟ فذاك أسلم للقلب، وأبقى للدين، حفظك الله بالدين، وجملك بالعفاف، وأنالك رضا رب العالمين.
وبعد معاشر المسلمين: فقد كان من سنة المصطفى عليه السلام أنه إذا أتى من طريق رجع من طريق آخر فلْيَتَحَرَّ المرءُ تطبيقها، ويقرر أكثر العلماء أنَّ من لم يخرج زكاة الفطر قبل الصلاة تعين عليه إخراجها وهو آثم إن كان التأخير بلا عذر، فامضوا اليوم لعيدكم وافرحوا بيومكم، وحق لكم أن تفرحوا وقد اصطفاكم ربكم من بين الناس فجعلكم مسلمين، وأمد في أعماركم فبلغكم تمام الشهر وأنتم سالمون.
أسأل الله أن يفرحكم بمرضاته، وأن يكرمكم بجناته، وأن يسعدكم بلقائه، اللهم صَلِّ وسلِّم على نبينا محمد.
التعليقات