عناصر الخطبة
1/ فرحة العيد وفرح النبي الكريم به 2/ التفاؤل بالنصر لكوْن الأيام دُوَلاً 3/ قيام الدين على التوحيد ومظاهر الشرك المناقضة له في مجتمعاتنا 4/ بعض مؤامرات العلمانيين والمنافقين 5/ سلاح الدعاء 6/ الأسباب المعنوية والمادية لغلاء الأسعار 7/ حكم الجمعة الموافقة للعيد 8/ صيام ست من شوالاهداف الخطبة
اقتباس
عيدكم مبارك بإذن الله، أَبْشِروا وأمِّلوا وافرحوا، فعُمْر الإسلام أطول من أعماركم، وآفاقهُ أوسع من أوطانكم، انتصر المسلمون ببدر، وهُزموا في أحد، وضاقت عليهم الأرض بما رحُبَت، وزُلزلوا يوم الأحزاب، وفتحت مكة الفتح المبين، وسقطت بغداد أيام المغول، ثم فتحت القسطنطينية، وسنن الله ماضية، وهي لا تحابي أحداً ..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر عدد ما ذكر اللهَ ذاكرٌ وكبّر، الله أكبر عدد ما حمد الله حامد وشكر، الله أكبر ما سطع فجر الإسلام وأسفر، الله أكبر ما أقبل شهر الصيام وأدبر، الله أكبر ما فرح الصائم بتمام صيامه واستبشر.
لك اللهم الحمد شرعت لنا يوم العيد فرحاً وبشراً وثواباً فهو في كل سنة يتكرر، لك اللهم الحمد على نعمائك التي لا تحصر، لك اللهم الحمد على آلائك التي لا تقدر.
لك اللهم الحمد ماتت أرواحٌ وأحييتنا لنفرح بعيدنا، لك اللهم الحمد مرضت أجساد وعافيتنا لنفرح بعيدنا، لك اللهم الحمد ضلت أمم فهديتنا لنفرح بعيدنا.
فلكَ المحامِدُ والمــَدائحُ كُلُّها *** بخواطري وجوارحي ولِساني
وليتَكَ تحلُو والحياةُ مَرِيرةٌ *** ولَيتَكَ تَرضَى والأنامُ غِضَابُ
وليتَ الَّذي بيني وبينَكَ عامِرٌ *** وبيني وبينَ العالَمينَ خرابُ
إذا صحَّ منكَ الوُدُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ *** وكُلُّ الذي فوقَ التُّرابِ ترابُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العظيم الأكبر، الذي جعل لكل شيء وقتاً وأجلاً مقدر، فما مضى شهر الصيام إلا وأعقبه بأشهر الحج إلى بيته المطهَّر.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، طاهر المظهر والمخبر، الشافع المشفع في المحشر، اللهم صَلِّ وسلم عليه ما أورق شجر وأثمر، وعلى آله وصحبه الميامين الغرر، والتابعين لهم بالأثر، صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم المعاد والمحشر.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها الصائمون القائمون: جاء العيد ليصل ماضي الأمة بحاضرها، وقريبها ببعيدها، جاء العيد ليربط أفراح الأمة بشرائعها، وابتهاجها بشعائرها.
جاء العيد فابتسم له ثغر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتهلَّل وجهُه فرَحاً وبشراً، بأبي هو وأمي. أظهر فرحه -صلى الله عليه وسلم- بالعيد شرعاً وفعلاً، وأذن للمسلمين بأن يفرحوا، مع أن مكة حينها كانت تعج عناداً وكفراً، واليهود حوله -صلى الله عليه وسلم- يحيكون خبثاً ومكراً، والمنافقون في صف المسلمين يدبرون شراً وأمرا، ومع ذلك كله ما منعه -صلى الله عليه وسلم- أن يفرح بالعيد راسماً بفرحه أنس المؤمن، وتفاؤل الواثق بنصر الله.
إخوة الإسلام: عيدكم مبارك، وعيدكم بإذن الله سعيد، فكم عندكم ما تفرحون به، فرح بفضل الله ورحمته، وفرح بالهدى يوم أن ضلت فئام عن شريعته، وفرح يوم أن هدانا واجتبانا على ملته، (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الحج:78]، فرح بإتمام الصيام وإكمال عدته، "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"، وفرح بألوان عطاياه ونعمته، (وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَآ) [النحل:18].
يا صائمون يا قائمون: عيدكم مبارك بإذن الله، أَبْشِروا وأمِّلوا وافرحوا، فعمر الإسلام أطول من أعماركم، وآفاقهُ أوسع من أوطانكم، انتصر المسلمون ببدر، وهُزموا في أحد، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وزلزلوا يوم الأحزاب، وفتحت مكة الفتح المبين، وسقطت بغداد أيام المغول، ثم فتحت القسطنطينية، وسنن الله ماضية، وهي لا تحابي أحداً، في تفاؤل إيجابي مقرون بالعمل، مدرك لسنن الله، آخذ بالأسباب، في حسن إيمانٍ وحسن توكل، (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: السموات رفعت، والأرض بسطت، وخلَق الله الخلائق، ونصبت الموازين، والجنة أزلفت، وجهنم أحضرت، والآخرة أعدت، والدنيا كلها أقيمت، كل هذا وذاك ليُرى من حقق الحقيقة التي حشدت لها الأدلة، وبعث لها الرسل، إنه توحيد الله وإفراده بالعبادة، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، أي: يوحدونه.
نعم، إنها لا إله إلا الله، عقيدة يدين بها المؤمن للواحد الديان، فالخضوع الحقيقي هو عند بابه، واللائذ القوي مَن لاذ بجنابه، ولقائلٍ أن يقول: نحن أهل التوحيد، ودرَسْنا التوحيد منذ الصغر، فعلّك يا خطيب تذكرنا بغير هذا.
أقول: إن محمداً -صلى الله عليه وسلم- مكث بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد، ثم هاجر إلى المدينة عشر سنوات يبدأ في التوحيد ويعيد، سكرات الموت تعالج روحه الشريف وهو يصيح في التوحيد، في مَن؟ في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الكرام أسود التوحيد، كل هذا ليبعث رسالة قوية للأمة أن التوحيد هو رأسُها، وهو تاجها، وهو أول وآخر أمرها.
ويا أهل التوحيد! تعالوا سويا نقلب مواجع واقعنا مع التوحيد، تعالوا لنذرف دمعة على عتبة التوحيد.
إن هناك صنماً يُعبَد من دون الله موجود في بيوت كثير من المسلمين، بل موجود في شوارعنا وأسواقنا وأفعالنا وأقوالنا إلا ما رحم الله، إنه صنم الهوى، قال سبحانه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلَـَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللّهُ عَلَىَ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ) [الجاثية:23]. ما اجترح السيئات إلا اتباعاً لهواه، وما ترك الواجبات إلا خضوعاً لهواه.
كم هم الهائمون من شبابنا في سرداب التبعية، تشبهاً بالكفار حذو القذة بالقذة! أليس هذا جرح للتوحيد؟ كم هي المجالس والبرامج والمسلسلات التي يُستهزأ فيها بدين الله وبأهل الدين، ويجلس أمامها، بل ويضحك لها أبناء التوحيد! أليس هذا جرح للتوحيد؟.
كم هم المعتدون على شرع الله، نصبوا أنفسهم في كتاباتهم وأحاديثهم مفتين ومحللين ومحرمين؟ (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـَذَا حَلاَلٌ وَهَـَذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُواْ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ إِنّ الّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النحل:116]، أليس هذا جرح للتوحيد؟.
ومن آخر ما جرح فيه التوحيد، بل قل ذُبح التوحيد، قنوات فضائية متخصصة في تعليم السحر والكهانة والشعوذة، قنوات لم تكتف بصب الشهوات فوق رؤوس المسلمين، بل تصب الآن الكفر الصراح، يخرج فيها ساحر تتصل عليه إحدى بنات التوحيد من هذا البلد ليقول لها: رزقك عندي، حياتك عندي، كل شيء عنك عندي! واتصالات عليه من شتى مناطق ومدن المملكة يسألونه عن علم الغيب، وما سيقع لهم مستقبلاً، وتطلب بعض النساء: يفرق الساحر بين زوجها وأمه! آلاف من الاتصالات! يا الله! لطفك اللهم بنا! اللهم إنا نبرأ إليك مما فعلوا! يا أبناء التوحيد! كيف ينخدع بهذا أناس درسوا التوحيد في مدارسنا في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية؟.
مشعوذون يعبثون بعقائدنا، يدلسون على الناس، ينصحونهم بقراءات آيات معينة ويكررونها خداعاً ومكراً، فيصدق بعض البسطاء من المشاهدين بحجة أنهم يرشدون إلى القرآن، ويعالجون به، وهم -والله!- قد كفروا به.
يقول أحَدُ السحَرة التائبين: كانت الجن والشياطين تأمرني أن أصلي أمام الناس، وأن أقرأ القرآن تظاهراً، فإذا كبَّر الناس كبَّرتُ معهم، الناس تقرأ الفاتحة وأنا ألعن القرآن وأستهزئ به تعبداً للشياطين.
اتقوا الله يا أهل التوحيد! قد يحج المسلم عشر حجج، ويعتمر خمسين عمره، ويصلي عدداً من السنين، ويتصدق، ثم يفتح قناة من هذه القنوات التي تبث السحر ويصدقهم ويكفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، بنص الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهناً فصدق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد". وإتيان الكاهن، كما يتحقق بالذهاب إليه، يتحقق بمشاهدة تلك البرامج الفضائية وتصديقها.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
مازالت الحرب ضروس، تجاهد فيها نفوس ونفوس؛ ما زالت الحرب قائمة، توقظ فيها كل فتنة نائمة؛ ما زال أهل البيات، يدبرون كل فساد وضياع وشتات؛ مازال أهل البلبلة، في كل يوم يخلقون الخلخلة.
نعم، مازالت حرب العلمنة والنفاق، تنفخ كل يوماً أبواقاً مع أبواق، (كُلّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ) [المائدة:64]، ما زالت نيرانهم مشتعلة، وحربهم المفتعلة، يزكون ناراً على حساب أخرى تمشياً مع ظروف الزمان ومعطيات المكان.
وإن آخر نيرانهم تلك التي أشعلوها وما فتئوا، ونفخوها وما برحوا، نيرانهم وحربهم على هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يغتنمون الفرصة السانحة، ويندبون الأقلام المأجورة النائحة، يصطادون في الماء العكر، ويصيحون بلسان كذَّاب أشر، يموت شخص أو شخصان في أثناء مداهمات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتقوم النداءات النتنة، من أصحاب الأقلام العفنة، تطالب بإلغاء هذا الجهاز، وبأنه نقص على المجتمع، بأنه وصمة عار على جبينه، وتنادوا وتباكوا على قضية أو قضيتين لم يحدث ما يشابهها طوال ستين عاماً، صاحوا، وبكل ما أوتوا من قوة ناحوا؛ لعل هذه الهيئة التي شرقت بها حلُوقهم، ومنعت فسقهم وفجورهم، لعلها توقف أو تغلق!.
وإذا بالتحقيقات الرسمية تنتهي بتبرئة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا بولاة الأمر -أيدهم الله- يقولون قولتهم في براءتها، وأنها من أركان الدولة التي عليها قامت وتفتخر بها.
ما زالت بعدُ نارهم، بل قل نيرانهم، مشتعلة، كلما خبت زادوها سعيرا، وحاكوا فيها مكراً كبيراً، ألا وهي قضية المرأة في بلادنا، نادوها إلى الإصلاح -زعموا-، ودعوها إلى التطور والتقدم -كذبوا-، نعم يريدون لها إصلاحاً على نور الغرب ونظرياته، لا على حكمة القرآن وآياته.
بخيلهم ورَجِلهم أجْلَبوا، وبما أوتوا من قوة أقدَموا، في قضية الاختلاط وفرضه واقعاً في المجتمع، بدؤوها بإثارة الشبه في جواز الاختلاط، ومَن قال إن الاختلاط حرام قالوا إن النساء صلَّيْن مع الرجال في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا اختلاط! ويا سبحان الله! ألم يكن -صلى الله عليه وسلم- يأمرهن أن يستأخرن عن الرجال، وقال إن خير صفوفهن آخرها؟ ألم يكنَّ متحجبات؟ ألم يأمر -صلى الله عليه وسلم- الرجال أن يستأخروا حتى يخرج النساء؟ ألم يأمر -صلى الله عليه وسلم- النساء أن يلزمن حافات الطرق لا أواسطها؟ إنهن في طاعة وفي مسجد ألم يقلن لهن -صلى الله عليه وسلم-: "وبيوتهن خير لهن"؟ قولوا لي بربكم، أين هذا الاختلاط الذي يستدلون به؟ وهل روت السنة صحيحها أو ضعيفها أن الصحابي والصحابية يصليان بجانبي بعض؟ أو يخرجان من باب المسجد يتحدثان ويضحكان سوياً طوال الطريق.
يستدلون بهذا الاختلاط، وهذا -وربي!- سفَهٌ منهم وانحطاط، هوَّشوا، وبالإفك شوَّشوا، وقالوا: لو كان الاختلاط ممنوعاً لما سمح النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاختلاط بالطواف بالبيت الحرام!. وفي أي حديث صحيح يثبت أن الرجال كانوا يطوفون مختلطين مع النساء في الطواف؟ إن هذا ما كان موجوداً على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، في صحيح البخاري كانت عائشة تطوف في ناحية عن الرجال لا تخالطهم، كانت النساء تطوف بالليل، وقبل الطواف يخرج الرجال ثم يبدأن الطواف.
ذكر ابن حجر بسنده، عن إبراهيم النخعي، أن عمر بن الخطاب نهى أن يطوف الرجال مع النساء، ورأى رجلاً ذات مرة يطوف مع النساء فضربه بالدرة، فواقع اليوم ليس حجة، وإنما الحجة ما كان على عهده -صلى الله عليه وسلم-. وشبهة أخرى وشبهات.
نعم، إنهم رفعوا عقيرتهم في الاختلاط، ووجدوا له باباً يسيراً على الناس، وجدوا له باباً مفتوحاً، دخلوا به من بوابة العمل والوظيفة والرزق والمال الذي غر كثيرا من الناس بريقه، وللأسف! حتى ولو كان على حساب أعراضهم، نعم، نادوها للتمريض في المستشفيات مع الرجال، ودعوها في المصانع والمؤسسات، طلبوها لتعمل في استقبال المستوصَفات للرجال والنساء على حد سواء؛ ورويداً، رويداً -يا عباد الله- العقد ينفرط.
صورها الآن مختلطة بالرجال في المحاضرات الطبية والمنتديات الاقتصادية، وقدموها للمجتمع ليتقبَّله، فاتقوا الله في أعراضكم! واتقوا الله في بناتكم! واعلموا أن سفينتكم مستهدفة، وأن طهارتكم ونقاءكم مستهدف، وماذا جنت مجتمعات الاختلاط من الاختلاط إلا الفضائح، وألوان القبائح؟ بل الآن بعض المدن في أمريكا بعدما ذاقت ويلات الاختلاط تطبق الآن تجربة الفصل بين الجنسين في ميادين التعليم.
ولله الحمد والمنة، رايتك -يا عبد الله- في هذا البلد مرفوعة، فأنظمة الدولة ودستورها يمنع الاختلاط بكافة أشكاله في العمل، فأنت صاحب حق في إنكارك واستنكارك، والنظام الرسمي في البلاد يمنع الاختلاط.
مازالت نار أهل العلمنة والنفاق مسعورة، وأقلامهم المأجورة تتقطع حنقاً على عباءة المرأة المسلمة، على حجابها، على خمارها الذي على وجهها، نعم، يشكِّكون في شرعيته، يهمزونه، يلمزونه، بالغير تارة يقارنونه.
يقدمون بالصور نساء سعوديات كاشفات للوجه في مجال عملهن ليكونوا قدوة للباقيات! يا سبحان الله! أين فتاوى العلماء؟ بها استهزءوا، بل قل أين هم عن كلام محمد -صلى الله عليه وسلم-: "المرأة كلها عورة"؟ له فسروا ولبَّسوا؛ بل قل: أين هم عن كلام الله في القرآن: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ) [النور:31]؟ له شبَّهوا، ولمراده حرَّفوا.
ماذا قالوا وأعادوا وزادوا في قضية قيادة المرأة للسيارة، بكوا عليها بدموع التماسيح، ولَكأنها العز المفقود، وقضية قيادة المرأة للسيارة حسمها العلماء وولاة الأمر -أيدهم الله- بالمنع وسد ذرائع الفساد.
وكم لهم من نار ونار، قولوا: آمين! لا أشعل الله لهم ناراً، ولا أسعد بهم داراً، ولا أقر لهم في مجتمعات المسلمين قراراً، وفضح الله ما كتموه سراً جهاراً، ولا أعلى الله بهم مناراً، وهيأ الله لهم أسوداً خياراً، من ولاة الأمر والعلماء والدعاة يجاهدونهم ليلاً ونهاراً. واستغفروا ربكم إنه كان غفاراً.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حبيب رب العالمين، صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه أجمعين.
وبعد: اعتدنا في خطبة العيد أن نفتح على صفحة مآسي الأمة ونكباتها، ونتذاكر مصابها وجراحاتها، لكننا في هذا اليوم ماذا نقول؟ والشاشات والأخبار تملأ عيوننا وأسماعنا بما يُحزن، لكن دعونا نستعمل سلاحنا الذي بأيدينا، دعونا ندعو دعاء صادقاً ضارعاً، علَّ الله أن يقبل منا، دعونا ندعو بقلوب بوعد الله مطمئنة، وبألسنة مؤمِّنة، في هذه الساعة المباركة، فإني داعٍ فأمنِّوا: اللهم انصر...
وبعد هذا سل نفسك -يا عبد الله-، هل أنت بمثل الدعاء تدعو كل يوم؟ تضرع لله كل حين، حتى يستجيب الله لنا؟ ادع وسل واضرع إلى الله؛ لعل الله أن يعذرنا بشيء من دعائنا، ولا تحتقر دعاء.
أتَهْزأُ بالدُّعاء وتَزدريه *** وما تَدْري بما صنع الدُّعاء
سِهامُ اللَّيلِ لا تُخطي ولكنْ *** لها أَمَدٌ، وللأمدِ انْقِضاءُ
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: منذ أشهر اجتاح العالمَ الإسلامي، وليس بلادنا فقط، وحش شديد كشر أنيابه لافتراس الفقراء، بل وألحق بهم الطبقة الوسطى من المجتمع، تلكم المصيبة هي غلاء الأسعار، نعم ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية، وأصبح هذا حديث المجالس.
ولا شك أن خلف ذلك أسباباً اقتصادية عالمية ليس لنا يدٌ فيها، لكن لنعلم علم اليقين أن هذه المصائب والجوائح قضاء الله وقدره، وأن ما أصابنا إنما هو بسبب ذنوبنا، وإلا فالرحمن -جل جلاله- أرحَمُ بعباده من الوالدة بولدها، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة:21].
إنها سنة الله تعالى الماضية في الأمم المعرضة الغافلة عن الله سبحانه، قال بعض السلف: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة.
ثم -يا عباد الله- إن مما يعاب علينا في ظل تقلُّبات أحوالنا الاقتصادية تفشي الإسراف بكافة ألوانه في حياتنا، فالواحد يسرف، والذي لا يجد يقترض من أجل أن يسرف، يقترض ليسافر في الإجازة، يقترض ليشتري كمالياتٍ لبيته، يُثقل كاهله ديوناً في مصارفَ ليست في دائرة الحاجات، بيوت تحكمت فيها بعض النساء وأشباه النساء يتكلفون مالا يطيقون، ويلبسون مالا يملكون، في إسراف وتباهٍ، وبذخ وتضاهٍ، وغفلة وتناسٍ أن المبذرين إخوان الشياطين، فما أجمل القناعة! يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلْقِ فلينظر إلى من هو أسفل منه".
إخوة الإسلام: ربما لا يخفَى أن دور التجار في هذه الأزمة لا يخفى، نادى النبي -صلى الله عليه وسلم- التجار فقال: "يا معشر التجار، إن التجار يُبعثون يوم القيامة فُجاراً، إلا من اتقى وبر وصدق"، وعن معقل بن يسار قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقاً على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة" أخرجه أحمد.
فارفقوا بالناس، وارحمومهم، والراحمون في الأرض يرحمهم رحمان الأرض والسماء.
عباد الله: اعلموا -رحمكم الله- أن الأعياد في الإسلام ثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع الجمعة؛ وما عداها من الأيام التي تتكرر في كل عام فهي بدعية لا يجوز الاحتفال بها ولا إحياؤها.
واعلموا أن عيدكم هذا العام وافق يوم الجمعة، قال الشيخ بن عثيمين -رحمه الله-: إذا صادف يوم الجمعة يوم العيد فإنه لابد أن تُقام صلاة العيد، وتقام صلاة الجمعة، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ثم إن من حضر صلاة العيد فإنه يعفى عن حضور صلاة الجمعة، ولكن لابد أن يصلي الظهر؛ لأن الظهر فرض الوقت، ولا يمكن تركها. انتهى كلامه
فالذي صلى العيد يجوز له أن يصلي الجمعة، فإذا لم يصلِّ الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهراً في بيته، إذ لا يُشرع له الأذان والاجتماع في مساجد الأوقات، كما بيَّن سماحة مفتي عام المملكة.
واعلموا أن من قبول الحسنة إتباعها بمثلها، ومن ذلك صيام السِّتِّ من شوال، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
التعليقات