عناصر الخطبة
1/شأن الرحم ومكانتها 2/فضائل صلة الرحم 3/بشرى لم يصل رحمه المقاطع 4/حرمة قطيعة الرحماقتباس
احرِصْ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ بالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ كحرصِكَ فِي رَمَضَانَ، بَلْ أَشَدُ. وتَذَكَّرْ أَنَّ صَلَاةَ الفَجْرِ مَثَلاً فِي أَوَّلِ ذِيْ الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ في آخِرِ ذِيْ القَعْدَةِ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد: الله أكبر الله أكبر, لا إله إلاَّ الله, الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد. الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً, وسبحان الله بكرة وأصيلاً. الله أكبر ما لبَّى المُلبُّون.. الله أكبر ما سَجَدَ السَّاجدون.. الله أكبر ما ضَحَّى المُضحُّون.
عباد الله: في عِيدِ المسلمين الأكبر, يَحْسُنُ بنا أنْ نَتَواصَى بِصِلَةِ الأرحام؛ فهي من العبادات الجَلِيلةِ والأخلاقِ النَّبِيلةِ التي يَنْضَبِطُ بها المُجْتَمع, وهي أوَّلُ ما بُعِثَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ عن عَمْرُو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه؛ أنه سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: بِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ, وَكَسْرِ الأَوْثَانِ, وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ"(رواه مسلم).
والرَّحِمُ شأنُها في الإسلامِ عَظِيم؛ قال اللهُ تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)[النساء:1]. أي: واتَّقوا الأرحامَ أنْ تَقْطَعُوها. وفي الحديث: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ؛ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ, وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ"(رواه مسلم).
وأوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بصلة الأرحام: فقال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(رواه البخاري)، وقال: "اتَّقُوا اللهَ, وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ"(حسن - رواه البيهقي)، وقال أيضًا: "بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ, وَلَوْ بِالسَّلَامِ"(حسن - رواه البيهقي).
وأوصى بِصِلَةِ الرَّحِمِ عند موته, عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي مَرَضِهِ: "أَرْحَامَكُمْ, أَرْحَامَكُمْ"(صحيح - رواه ابن حبان).
فيَا عِبادَ الله: صِلُوا أرحامَكُم بِالزَّيارات, والهدايا, والنَّفَقات, صِلُوهُمْ بالعَطْفِ والحَنانِ, ولِينِ الجَانِبِ, وبَشاشَةِ الوَجْهِ والإِكْرامِ والاحْتِرام. فَمَنْ وَصَلَ رَحِمَه؛ فَلْيُبْشِرْ بِسَعادَةِ الدُّنيا والآخِرَة, فإِنَّ صِلَةَ الأرحام سببٌ لِزِيادةِ المالِ, وسَعَةِ الرِّزْقِ, وطُولِ العُمُر, فثَوابُها مُعَجَّلٌ في الدُّنيا, ونَعِيمٌ مُدَّخَرٌ في الآخرة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ البَيْتِ لِيَكُونُوا فَجَرَةً، فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا"(صحيح - رواه ابن حبان)، وفي رواية: "لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعُ اللهَ فِيهِ؛ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ"(صحيح - رواه البيهقي)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ, أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(متفق عليه). قال عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رحمه الله: "مَا مِنْ خُطْوَةٍ بَعْدَ الفَرِيضَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خُطْوَةٍ إِلَى ذِي رَحِمٍ".
وصِلَةُ الأرحامِ سَبَبٌ لِدخولِ الجِنَان؛ قال تعالى في وَصْفِ أهلِ الجَنَّة: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) ثم ذَكَرَ جزاءَهُم: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد:21-24]. وفي الحديث: "أَفْشِ السَّلاَمَ, وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ, وَصِلِ الأَرْحَامَ, وَصَلِّ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ ثُمَّ ادْخُلِ الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ"(صحيح - رواه أحمد).
ومِنْ حَقِّ الأرحامِ علينا ألاَّ نَقْطَعَها مَهْمَا كانَتِ الأسباب؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ, وَلَكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا"(رواه البخاري). وقال صلى الله عليه وسلم - لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه-: "يَا عُقْبَةُ! صِلْ مَنْ قَطَعَكَ, وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ, وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ"(صحيح لغيره - رواه أحمد). الله أكبر الله أكبر, لا إله إلاَّ الله, الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... الله أكبر الله أكبر, لا إله إلاَّ الله, الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
أيها المسلمون: بَشَّرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- واصِلَ رَحِمِه التي قَطَعَتْهُ بالظَّفَرِ بِإِعانَةِ اللهِ له في جِهادِهِ مع ذِي رَحِمِه, فقال: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ؛ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ, وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"(رواه مسلم). ومعنى: (فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ)؛ أي: فكَأَنَّما تُطْعِمُهم الرَّمْلَ الحَارَّ الذي يَكُونُ تَحْتَ النَّار, وفي هذا اللَّفْظِ بَلاغَةٌ عَظِيمِةٌ في التَّعْبِيرِ عن المُكابَدَةِ التي يُعانِيها الواصِلُ المُلِحُّ في وَصْلِ قَرابَتِه, مع نُفُورِهِمْ منه, وكَراهِيَتِهِمْ لِجَوانِبِ الصِّلَةِ التي يَمْنَحُهُمْ إيَّاها, فَصُعوبَةُ ذلك تُشْبِهُ صُعوبَةَ إِطْعامِ النَّاسِ الرَّمْلَ الشَّدِيدَ الحرارة.
أيها المسلمون: حَرَّمَ اللهُ قَطِيعَةَ الرَّحِم, وحَذَّرَ وتَوَعَّدَ القاطِعِين لأَرْحامِهِمْ بالنار؛ فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[الرعد:25]. وقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ"(رواه مسلم)؛ فقاطِعُ الرَّحِمِ لا يَثْبُتُ على مُؤاخاةٍ, ولا يُرْجَى منه وَفاءٌ, ولا صِدقٌ في الإِخاء, يَشْعُرُ بِقَطِيعَةِ اللهِ له, مُلاحَقٌ بِنَظَراتِ الاحْتِقارِ, مَهْمَا تَلَقَّى مِنْ مَظاهِرِ التَّبْجِيل.
فاحْذَروا -يا رعاكم الله- قَطِيعَةَ الرَّحِم؛ فمِنْ أعظَمِ أسبابِها: الجَهْلُ؛ فلا يَقْطَعُ رَحِمَه إلاَّ جاهِلٌ.
ومِنْ أهَمِّ أسبابِ القَطِيعة: قِلَّةُ الدِّين وضَعْفُ الإيمان, وحُبُّ الدنيا والانْشِغالُ به, والظُّلْمُ والجَوْرُ في الميراث, فكَمْ مِنْ أُسَرٍ تَقَطَّعَتْ بِسَبَبِ الجَور, والمَشاكِلِ الزَّوجية, ووَساوِسِ الشَّيطان, والأنانِيَةِ وحُبِّ الذَّات, ورَدِّ السَّيِّئةِ بالسّيِّئة, والاستجابَةِ لِلنَّمَّامين الذي يُفْسِدون بين الأرحام.
الله أكبر الله أكبر, لا إله إلاَّ الله, الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد. أعادَهُ اللهُ علينا وعلى المسلمين بالأَمنِ والإِيمان, والعَفْوِ والعافية, وتقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومنكم صالِحَ الأعمال.
التعليقات