عناصر الخطبة
1/الحث على التوبة 2/الخسوف آية من آيات العظيمة 3/ذنوب عظيمة حذر النبي أمته منها

اقتباس

أيها المؤمنون: يشاهد الناس في هذه اللحظات آية عظيمة من آيات الله الباهرة الدالة على عظمة الله، وكمال اقتداره جل في علاه، وأنه جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. إن هذه الآية -خسوف القمر في ليالي الإبدار التي هي تمام إضاءة القمر ونوره وبهائه- تبين للناس أن الأمر بتقدير الله وتدبيره جل في علاه، وهو من آيات الله العظيمة التي قال الله عنها: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59]. وقد كسفت الشمس في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة واحدة؛ فأمر بالنداء "الصلاة جامعة"، فحُشد...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه، وتوبوا إليه واستغفروه، وأنيبوا إليه وأخلصوا في جميع أعمالكم.

 

أيها المؤمنون: إن تقوى الله -جل وعلا- نجاةٌ للعبد وفلاحٌ وسعادةٌ في الدارين، وهي خير زادٍ يبلغ إلى رضوان الله: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].

 

أيها المؤمنون: توبةٌ نصوحةٌ إلى الله -جل وعلا- تُقال بها عثراتكم، وتُرفع بها درجاتكم، وتكون بها نجاتكم من سخط الله -جل في علاه-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53]، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31].

 

أيها المؤمنون: يشاهد الناس في هذه اللحظات آية عظيمة من آيات الله الباهرة الدالة على عظمة الله، وكمال اقتداره جل في علاه، وأنه جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

إن هذه الآية -خسوف القمر في ليالي الإبدار التي هي تمام إضاءة القمر ونوره وبهائه- تبين للناس أن الأمر بتقدير الله وتدبيره جل في علاه، وهو من آيات الله العظيمة التي قال الله عنها: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59].

 

وقد كسفت الشمس في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة واحدة؛ فأمر بالنداء "الصلاة جامعة"، فحُشد الناس واجتمعوا، فصلى بهم صلوات الله وسلامه عليه؛ وهذا فيه أن الصلاة مفزعٌ للمؤمن، وكان نبينا -عليه الصلاة والسلام- إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة.

 

نعم -عباد الله- الصلاة مفزع للمؤمن؛ فيها طمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وسعادته في دنياه أخراه، وفيها نجاته من الهلاك ومن سخط الله وعقوباته جل في علاه.

 

أيها المؤمنون: لما صلى بالناس -صلوات الله وسلامه عليه- رأى منه الصحابة أمراً عجباً ما كانوا قد رأوه قبل في صلواته كلها؛ رأوه عليه الصلاة والسلام وهو يصلي يتقدم إلى الأمام قليلا ثم يمد يده كأنه يريد أن يأخذ شيئا، ثم بعدها بقليل، وإذا به عليه الصلاة والسلام يرجع إلى الوراء كهيئة الخائف من الشيء، فلما قضى صلاته سألوه عليه الصلاة والسلام عن صنيعه ذلك فقال: "رأيتُ الجنة والنار".

 

عباد الله: رأى نبينا -عليه الصلاة والسلام- في صلاته تلك الجنة والنار حقيقةً بعينه؛ وهذا من كمال قدرة الله -جل في علاه-، والصحابة من ورائه صفوف لم يروا شيئا، ولما تقدَّم ومدَّ يده كان عليه الصلاة والسلام يرى عنقودًا من عنب الجنة فأراد أن يقطفه، قال: "لَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا".

 

وتحدث عن النار وعن أشياء رآها عليه الصلاة والسلام في النار؛ كانت فعلًا موعظة بليغة مؤثرة في قلوب الصحابة -رضي الله عنهم-، وكانت تلك الموعظة تختلف عن سائر مواعظه عليه الصلاة والسلام من حيث أنه صلى الله عليه وسلم كان يحذِّر في خطبته تلك من كبائر الذنوب وعظائم الآثام وبخاصة ذنوب أربعة: الشرك بالله، وقتل النفس المعصومة، والزنا، والسرقة؛ وهذه أعظم الذنوب وأكبرها، ولهذا في حجة الوداع قال عليه الصلاة والسلام: "أَلَا إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ: لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا"، "أَلَا إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ" أي الذنوب العظيمة الكبيرة الخطيرة التي عواقبها على فاعلها في الدنيا والآخرة عظيمة جدًا هذه الذنوب الأربعة حذر منها تحذيرًا عظيما في خطبته وموعظته بعد صلاة الخسوف.

 

أما تحذيره من الشرك؛ فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنه رأى عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار -أي أمعاءه- رآه حقيقة في النار يجر أمعاءه، قال: "فإنه أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ" أول من بدل دين إبراهيم، أول من جلب الأصنام والأوثان إلى مكة فجُعلت عند البيت وفي داخل البيت، أول من جلب الأصنام، وبدَّل دين إبراهيم هو هذا الرجل، فرآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يجر أمعاءه في نار جهنم.

 

وهذا فيه أن الشرك أعظم الذنوب، وأظلم الظلم، وأكبر الآثام؛ كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان: 13]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48].

 

وفي تحذيره من القتل هذه الجريمة العظيمة أخبر عليه الصلاة والسلام أنه رأى امرأةً من بني إسرائيل في النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فحبستها حتى ماتت، فرآها النبي -عليه الصلاة والسلام- تعذَّب في النار.

إذا كانت امرأة تعذب في النار في قتلها لهرة فكيف بمن يقتل مؤمنا؟! نفسًا معصومة، نفسًا حرمها الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93] هذه عقوبة القتل.

 

أما تحذيره من الزنا؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ" أي ما عند الله من عقوبات لأهل الذنوب والمعاصي "لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا".

 

وأما تحذيره عليه الصلاة والسلام من السرقة؛ فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنه رأى صاحب المحجن –المحجن: العصا التي في أعلاها عكفة- رأى صاحب المحجن الذي كان يسرق الحجيج بمحجنه، فإذا مر به الحاج على دابته التقط شيئا من متاعه بالمحجن؛ فإن فُطن له قال علق بمحجني، وإن لم يفطن له أخذه ومضى، فرآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يعذب في النار بهذه السرقة.

 

فجمع عليه الصلاة والسلام في تلك الموعظة في خطبة الكسوف أو موعظة الكسوف جمع التحذير من هذه الأمور الأربع.

 

وعلى العبد الناصح لنفسه أن يتقي الله، وأن يتوب إلى الله توبة نصوحا، وأن يكثر من الاستغفار والإنابة إلى العزيز الغفار.

 

ثم إنه عليه الصلاة والسلام في موعظته تلك خص النساء بموعظة بليغة عظيمة جديرة بكل امرأة مسلمة أن تتأملها، قال عليه الصلاة والسلام وقد رأى النار في صلاة الكسوف كما تقدم قال: "رَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء" قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "بِكُفْرِهِنَّ" قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ" إذا أحسن إليها زوجها بعلها ثم قصَّر مرة قالت: ما رأيت منك خيرا قط.

 

فلتتقِ الله المرأة المسلمة؛ تحافظ على صلاتها، تحافظ على صيامها، تحافظ على زكاة مالها إن كانت من أهل الزكاة، تحافظ على طاعة بعلها، ف "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا" قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ" كما قال ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

والمرأة في هذا الزمان تتعرض إلى أنواع من الفتن؛ في دينها، في حجابها، في حشمتها، في سترها، حتى في طاعتها لبعلها، حتى في صلاتها؛ فعليها أن تتقي الله، وأن تراقب الله -عز وجل-، وأن تعلم أن هذه الحياة الدنيا متاع الغرور.

 

نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا أجمعين قلوبًا متعظة بآياته، وأن يجعل آيات الله -جل وعلا- العظيمة بوابة خير لنا للتوبة إليه والإنابة إليه جل في علاه.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ووفقه لرضاك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

 

اللهم ارزقنا توبة نصوحا، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.

 

ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180- 182].

 

وصلى الله وسلَّم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات
خطبة-الخسوف.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life