عناصر الخطبة
1/من حكم صلاة الاستسقاء 2/حبس نزول المطر من ابتلاء الله لعباده 3/من استسقاء النبي وأصحابه 4/الفرق بين استسقائنا واستسقاء السلف 5/الحث على التوبة والتضرع 5/ دعاء الاستسقاءاقتباس
الفرق بيننا وبينهم أنهم كانوا يخرجون للمصلى كلهم وهم تائبون, ومع ذلك واثقون بالإجابة, فكانوا قبل الخروج للصلاة يصلحون أحواضهم, ومجاري المياه؛ ثقة بالله, وكانوا يتصدقون قبل الخروج للصلاة, ونحن البعض منا يدعو وهو يائس من الإجابة...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: صلاة الاستسقاء عبادة بين العبد وربه, يتعلم العبد منها أنه محتاج إلى ربه -جل وعلا-, وتقوي توكله على الله, وتزيد في توحيده؛ فيعلم أنه لا يأتي بالمطر إلا الله -سبحانه-, وأن الله يغيث العباد ولو كثرت ذنوبهم؛ لأن رحمته غلبت غضبه, وقد يغاثوا لغيرهم كما في الحديث: "لولا البهائم لم يمطروا".
وقد يؤخر الله نزول المطر لحكمة يريدها -سبحانه-, ومنها أن يتوب الناس ويستغفروا ربهم, ويكونوا دائما خاضعين له, مضطرين إليه, وتأخر المطر حصل في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-, وفي زمن عمر -رضي الله عنه-, وهي من الأزمان الفاضلة, ولا شك أننا في زمن تكاثرت فيه الذنوب, بل وأعلن بها أصحابها, وقل المنكرون لها, مع كثرة الصالحين, ولا حول ولا قوة إلا بالله!, ولكن ينبغي للعبد أن يثق بربه, ويحسن الظن به, مع التوبة والرجوع إلى الله, وقد يبتلي الله الصالحين بالظالمين, فيعم العقاب؛ ليصلح المجتمع كله.
عباد الله: لقد أجدبت الأرض في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة, وفي كل مرة يدعو الله فيغيثهم, ولم يحفظ أنه استغاث ولم يغث, فمن ذلك ما رواه أبو داود في سننه من حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ -صلى الله عليه وسلم-، وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ تَدْعُوَهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ، أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ, وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمًا, ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ, وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللَّهَ -تَعَالَى- يُغِثْنَا, قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا", قَالَ أَنَسٌ: فَلا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ, وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ, قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ, فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ, ثُمَّ أَمْطَرَتْ, قَالَ: فَلا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا, قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ, وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِما, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ, وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ, فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَـنَّا, قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ", قَالَ: فَأَقْلَعَتْ, وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ.
وكذلك استسقاء الصحابة والخلفاء من بعدهم, كلهم يستغيث فيغاثون مباشرة, ولربما يسأل سائل: كيف يستغيثون فيغاثون, ونحن نستغيث فلا نغاث؟! وأقول: الفرق بيننا وبينهم أنهم كانوا يخرجون للمصلى كلهم وهم تائبون, ومع ذلك واثقون بالإجابة, فكانوا قبل الخروج للصلاة يصلحون أحواضهم, ومجاري المياه؛ ثقة بالله, وكانوا يتصدقون قبل الخروج للصلاة, ونحن البعض منا يدعو وهو يائس من الإجابة, ولا يخرج للصلاة إلا القليل!.
فاضرعوا -عباد الله- إلى ربكم بالدعاء, وأبشروا بالإجابة؛ فالله كريم رحيم ودود, وخزائنه لا تنفد, وتوبوا إلى الله, وأحسنوا الظن به -سبحانه-؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا رفع يديه حتى يبدو بياض إبطيه, ويلح في الدعاء, ثم يقلب رداءه تفاؤلا بتغير الحال.
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقِنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا، مريعًا غدَقًا مجلِّلاً عامًّا، طبقًا سحًّا دائمًا، اللهم اسقِنا الغيث ولا تجعَلْنا من القانطين.
اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخَلْق من اللأواءِ والجَهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبِتْ لنا الزرع، وأدِرَّ لنا الضرع، واسقِنا من بركات السماء، وأنبِتْ لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجَهدَ والجوع والعُرْيَ، واكشف عنا مِن البلاء ما لا يكشفه غيرُك, اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفارًا؛ فأرسلِ السماءَ علينا مِدرارًا.
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ لمسلم من حديث أنس بن مالك:
أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة, من باب كان نحو دار القضاء, ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب, فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما, ثم قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل, فادع الله يغثنا, قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه, ثم قال: "اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا", قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة, وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار, قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت, قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبت, قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة, ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب, فاستقبله قائما, فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل, فادع الله يمسكها عنا, قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه, ثم قال: "اللهم حولنا ولا علينا, اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر", فانقلعت وخرجنا نمشى في الشمس, قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول ؟ قال: لا أدري.
التعليقات