عناصر الخطبة
1/ تأملات في حديث أصحاب الغار 2/ تعظيم حق الخدم والعمال 3/ وجوب الإحسان إليهم والعدل معهم 4/ تحريم ظلم العمال والخدم والسائقين وأكل حقوقهم 5/ الهدي النبوي في التعامل مع العمال والضعفاء 6/ الظلم ظلمات يوم القيامة.
اهداف الخطبة

اقتباس

هذا المسكينُ الذي ينتظرُ آخرَ الشَّهرِ ليُرسلَ شيئاً لأمٍّ وأبٍّ كبيرينِ فقيرينِ .. ويُطعمُ بها أطفالاً صِغاراً مساكينَ .. لم يَغتربِ إلا من أجلِهم .. ولم يصبرْ على الظُّلمِ إلا لينعموا .. وإذا به يَزدادُ همُّه همَّاً .. ويتضاعفُ غمَّه غمَّاً .. مع كفيلٍ ظالمٍ .. وإنسانٍ غاشمٍ .. يظلُمُ العِبادَ .. ولا يَخافُ يومَ المَعادِ. كانَ يزيدُ بنُ حكيمٍ يقولَ: ما هِبتُ أحدًا قطُّ هيبَتي رجُلاً ظلمتُه، وأنا أعلمُ أنه لا ناصِرَ له إلا الله، ثُمَّ يقولُ: "حسبِيَ الله، الله بيني وبينَك". أتذكرُ ذلكَ اليومَ الذي استضعفتْ فيه أولئكَ الضُّعفاءَ .. وأخذتْ حقَّهم وغرَّتكَ نفسُكَ الظالمةُ الحمقاءُ .. فإذا بالمظلومِ يدعو عليكَ في ليلةٍ ظلماءَ .. فتنطلقُ كالشَّرارةِ ولا حجابَ يمنعها من السَّماءِ ..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ  ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ.

 

عَنْ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سُمِعَتْ رَسُوْلُ الْلَّهِ -صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ.

 

قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلاً ولاَ مالاً، فَنَأَى بِي طَلَب الشَّجَرِ يَوْماً فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ، فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلاً أو مالاً، فَلَبَثْتُ -والْقَدَحُ عَلَى يَدِي- أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ، والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَميَّ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما .. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ.

قَالَ الآخرُ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمّ، كَانَتْ أَحَبَّ النّاسِ إليَّ وكُنْتُ أُحِبُّها كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النساءَ، فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فامْتَنَعَتْ منِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمئةَ دينَارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا، قالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلاّ بِحَقِّهِ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها .. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا.

 

وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُل واحدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهبَ، فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوَالُ، فَجَاءنِي بَعدَ حِينٍ، فَقالَ: يَا عبدَ اللهِ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ: مِنَ الإبلِ وَالبَقَرِ والْغَنَمِ والرَّقيقِ، فقالَ: يَا عبدَ اللهِ، لاَ تَسْتَهْزِىءْ بي، فَقُلْتُ: لاَ أسْتَهْزِئ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يتْرُكْ مِنهُ شَيئاً .. الَّلهُمَّ إنْ كُنتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ".

 

لا إلهَ إلا اللهُ .. يحتارُ الإنسانُ من أمرِ الرَّجلِ الثَّالثِ عجباً .. وكيفَ انتصرَ على النَّفسِ التي تُحبُّ المالَ حُبَّاً جمَّاً .. كانَ يكفيه أن يُعطيَ هذا الأجيرَ أُجرتَه فيرضى .. ولكنَّه لمَّا نوى قديماً إخراجَ الأجرةِ عن مالِه .. ونمَّاها لصاحبِها حتى يحينَ مآلُه .. لمْ يُردِ أن يَنقضَ نيَّتَه التي بينَه وبينَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- .. فأخرجَه اللهُ –تعالى- ومن معه من غارِ الجبلِ.

 

عبادَ اللهِ ..

يا من أنعم اللهُ -تعالى- عليكم بنعمِه الجليلةِ .. حتى جاءَكم من يخدمُكم ويقومُ بأشغالِكم من مشارقِ الأرضِ ومغاربِها .. اتَّقوا اللهَ -تعالى- في العمَّالِ والسَّائقينَ والخادماتِ .. أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قبل أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ .. واحذروا من ذلكَ اليومِ .. وتلكَ الخصومةِ .. عندما تقومُ القِيامةُ .. ويُحشرُ الخلائقُ .. وتَظهرُ الحقائقُ .. ويتمنى الجميعُ النَّجاةَ .. ولا نجاةَ إلا باللهِ الحَكمِ العدلِ العزيزِ الحميدِ .. (إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [الحج: 17].

 

في ذلكَ الموقفِ الذي يجمعُ اللهُ فيه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ .. وإِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ .. يرجونَ رحمةَ أرحمِ الرَّاحمينَ .. فيأتي صِنفٌ من النَّاسِ للحسابِ .. فينظرونَ وإذا خصمُهم هو اللهُ -جلَّ جلالُه- .. فمن هم يا تُرى هؤلاءِ؟

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ –تَعَالَى-: ثَلاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ".

 

لا إلهَ إلا اللهُ .. إيَّاكَ أن تَحرمَ الأجيرَ أجرَه .. إيَّاكَ ودموعَ المظلومِ وقهرَه .. فإن كنتَ اليومَ قويٌّ قادرٌ .. فأنتَ غداً بينَ يديِّ العزيزِ القاهرِ .. فالخصمُ هو اللهُ .. والحاكمُ هو اللهُ .. الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى .. (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].

 

أتذكرُ ذلكَ اليومَ الذي استضعفتْ فيه أولئكَ الضُّعفاءَ .. وأخذتْ حقَّهم وغرَّتكَ نفسُكَ الظالمةُ الحمقاءُ .. فإذا بالمظلومِ يدعو عليكَ في ليلةٍ ظلماءَ .. فتنطلقُ كالشَّرارةِ ولا حجابَ يمنعها من السَّماءِ .. قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كان كَافِراً فإنه ليس دُونَهَا حِجَابٌ".

 

هذا المسكينُ الذي ينتظرُ آخرَ الشَّهرِ ليُرسلَ شيئاً لأمٍّ وأبٍّ كبيرينِ فقيرينِ .. ويُطعمُ بها أطفالاً صِغاراً مساكينَ .. لم يَغتربِ إلا من أجلِهم .. ولم يصبرْ على الظُّلمِ إلا لينعموا .. وإذا به يَزدادُ همُّه همَّاً .. ويتضاعفُ غمَّه غمَّاً .. مع كفيلٍ ظالمٍ .. وإنسانٍ غاشمٍ .. يظلُمُ العِبادَ .. ولا يَخافُ يومَ المَعادِ.

 

كانَ يزيدُ بنُ حكيمٍ يقولَ: ما هِبتُ أحدًا قطُّ هيبَتي رجُلاً ظلمتُه، وأنا أعلمُ أنه لا ناصِرَ له إلا الله، ثُمَّ يقولُ: "حسبِيَ الله، الله بيني وبينَك".

لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً *** فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَّدَمِ

تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ *** يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ

 

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: :كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي .. اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ .. اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، قَالَ: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ، فَقَالَ: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلامِ"، قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَقَالَ: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ".

ليتنا إذا غضبنا وأردنا أن نبطشَ بمن تحتَ أيدينا .. أن نتذكرَ قُدرةَ اللهِ وأنه لا أحدَ عن قُدرتِه سيحمينا.

 

من يريدُ أن يأتيَ يومُ القيامةِ بحسناتِ كالجبالِ ثُمَّ يبدأُ بتوزيعِها على عبادِ اللهِ .. وقدْ تنتهي الحسناتُ ولم تنتهِ الحقوقُ وإذا به يستقبلُ السِّيئاتِ .. قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ".

 

لا تحتقرْ شيئاً تظلمْ به سائقاً .. ولا تنتقصْ ريالاً من خادمةٍ .. ولا تخصمْ على عاملٍ بغيرِ وجهِ حقٍّ .. قالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، فقالَ رجلٌ: وإنْ كانَ شيئًا يسيرًا يا رسولَ اللهِ؟، فقالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" .. وإن كانَ عودُ مِسواكٍ .. فقد يؤدي بكَ إلى الهلاكِ.

 

يا أهلَ الإيمانِ ..

اسمعوا لوصيَّةِ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-.. فيمن تحتَ أيديكم من الأنامِ .. عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ.

أمرٌ عجيبٌ .. يلبسُ هو وخادمُه ثياباً مُتشابهةٍ .. بل من أجملِ الثِّيابِ.

يقولُ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ –أي خدمُكم- جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".

 

فأطعموهم .. واكسوهم .. وأعينوهم .. وليسَ في ذلكَ عيبٌ ولا مَنقصةٌ .. فقد كفاكَ التَّعبَ .. ورفعَ عنكَ كثيراً من النَّصبَ .. يقولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ".

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَاكُم بِمَا فِيهِ مِن الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ .. أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِكَافَةِ المُسْلَمَين مَن كُلِ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله معزِّ من أطاعَه واتَّقاه، ومذِلِّ من خالفَ أمرَه وعصاه، أحمدُ ربِّي وأشكرُه على ما أولاه .. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهَ وحدَه لا شريكَ له، لا ربَّ ولا إلهَ سواه .. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيِّنا محمّدًا عبدُه ورسولُه اصطفاه ربُّه واجتباه، اللهمِّ صلِّ وسلِّم وباركْ على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه ومن والاه ..

 

أمّا بعدُ: فاسمعوا إلى قولِ من خدمَ النَّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- عشرَ سنينٍ .. فعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ".

أليسَ لنا في رسولِ اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ .. كم نحتاجُ إلى المعاملةِ الحسنةِ .. لتأليفِ المسلمينَ .. ودعوةِ الكافرينَ.

 

بل خدمَه غلامٌ يهوديٌّ .. فماذا كانَ أثرُ تلكَ المعاملةِ العظيمةِ عليه وعلى أبيه .. عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ".

 

وكذلكَ الصَّحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- .. فَعَنْ أَبِي قِلابَةَ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَوَجَدَهُ يَعْجِنُ، فَقَالَ: أَيْنَ الْخَادِمُ؟، فَقَالَ: "أَرْسَلْتُهُ فِي حَاجَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لِنَجْمَعَ عَلَيْهِ اثْنَتَيْنِ، أَنْ نُرْسِلَهُ وَلا نَكْفِيَهُ عَمَلَهُ".

 

ونحنُ ما هو أثرُ معاملتِنا على الخدمِ والعمَّالِ والسَّائقينَ .. فكونوا يا عبادَ اللهِ .. رُسلَ سلامٍ .. ودعاةَ إسلامٍ .. واقتدوا بخيرِ الأنامِ .. ولا تكونوا في يومِ الوعيدِ .. ممن أكلَ حقوقَ العبيدِ .. وكانَ خصمُه هو ربُّ العبيدِ.

 

اللهمَّ إنا نسألُك الهُدى والتُّقى والعفافَ والغِنى، اللهمَّ آتِ نفوسَنا تقواها وزكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها أنتَ وليُها ومولاها .. اللهمَّ إنا نسألُك البِرَّ والتَّقوى ومن العملِ ما ترضى، اللهمَّ إنا نسألُك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً.

 

اللهمَّ إنا نعوذُ بك من علمٍ لا ينفعُ ومن قلبٍ لا يخشعُ ومن عينٍ لا تدمعُ ومن دعوةٍ لا تسمعُ، اللهمَّ إنا نعوذُ بك من هؤلاءِ الأربعِ .. اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وأذِّلَ الشِّركَ والمشركينَ وانصرْ عبادَك المجاهدينَ في سبيلِك يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ وفِّق وليَ أمرِنا لما تحبُ وترضى وخذْ بناصيتِه للبِرِّ والتَّقوى، وهيئ له البِطانةَ الصَّالحةَ النَّاصحةَ التي تَدُّله على الخيرِ وتعينُه عليه ياربَّ العالمينَ، اللهمَّ فرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمينَ، ونفِّسْ كربَ المكروبينَ، وفُكَّ أسرَ المأسورينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينينَ، واشفِ برحمتِك مرضانا ومرضى المسلمينَ.

 

اللهم اغفر ذنوبَنا، واستر عيوبَنا، ويَسِّر أمورَنا، وبَلِّغ فيما يرضيك آمالَنا يا حيُّ يا قيومُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ، وأرغدْ عيشَهم، وارفع بلاءَهم، وأصلحْ قادتَهم ، واجمعهم على الكتابِ والسُّنَّةِ يا ربَّ العالمينَ.

 

 اللهم انصر إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ، اللهم كنْ لإخوانِنا مُعيناً ونصيراً، ومؤيداً وظهيراً، اللهم أنزلْ عذابَك ورجزَك وسخطَك على من حاصرَهم وآذاهم، يا قويُّ يا عزيزُ يا ربَّ العالمينَ.

 

 

المرفقات
خصم الله تعالى.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life