عناصر الخطبة
1/معنى الحياة عند الكافرين 2/خطر طغيان الحياة المادية على المسلمين 3/حقيقة الحياة وكيفية التعامل معها 4/من أسباب إجابة الدعاء وموانعهااقتباس
المؤمن صاحب الحياة الطيبة, صاحب الإيمان يُلِحّ على الله في المسألة في الدعاء في اللجوء... إن الله يحب الملحين في الدعاء لو تدعو الله ليلاً ونهارًا وسرًّا وجهارًا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
عباد الله: إن الذين لا يؤمنون بالله ولا بكتابه ولا بنبيه -صلى الله عليه وسلم- الحياة عندهم شيء محسوس، شيء ظاهر، شيء يُرى بالعين فقط.. والعجيب أن يحيا الإنسان لا يرى الحياة إلا أكلاً ونومًا وشهوةً.
هذه حياة الكفار الكافرين بالله البعيدين عن هداه.. الحياة عندهم شيء محسوس فقط, فهم يعيشون ويتعاملون بهذا المنطق لا غير، فإذا مرض الواحد منهم لا يسأل الله العافية، وإنما يتعامل مع الدواء فقط ففيه الشفاء وفيه الخلاص, وإذا افتقر الواحد منهم يلجأ إلى السرقة والنهب والسطو والقتل, وإذا نجح أحدهم أو تفوق أو اغتنى يقول: إنما هو بذكائي (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)[القصص: 78[.
وإذا ضاق صدر أحدهم وامتلأ همًّا وحزنًا لجأ إلى الزنا وشرب الخمر والمخدرات، وإلى الانتحار, ويبنون أبحاثهم وتجاربهم وتفسيرهم لما يحدث في الكون على أنه فعل الطبيعة فقط.
الحياة الدنيا عندهم مقدسة، لا يريدون مفارقة الدنيا بأيّ ثمن, يبذلون كل ما في وسعهم من أجل البقاء (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)[البقرة:96[.
وهيهات ثم هيهات لكنهم لا يرون ولا يعتقدون حياة غير هذه الحياة, هكذا يعيشون، وهكذا يعتقدون؛ فهم كالأنعام بل هم أضل, هكذا من لا يؤمن بالله مقطوع الصلة بالله.
للأسف الشديد من طغت عليه الماديات من أهل الإسلام من تنكروا لربهم ووهنت صلتهم بخالقهم يفعلون هكذا, تعلقوا بالماديات, اعتمدوا على وسائلهم وأسبابهم وذكائهم وعقولهم وشهاداتهم ومعارفهم ووسائطهم في دفع الظر وجلب النفع. والله -تعالى- له فوق تدبيرهم تدبيرًا، وله من وراء وسائلهم وأسبابهم أمرًا وتأثيرًا.
وحين حصلت هذه الغفلة من كثير من المسلمين سادت حياتهم موجات القلق والاضطراب والحزن والتعاسة وضيق الصدور, ساد الهلع على المستقبل ومن المستقبل.. تخلوا عن الله فتخلى الله عنهم: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)[التوبة:67[.
ولذلك تجد أحدهم إذا افتقر واحتاج يلجأ إلى أكل الحرام, يساهم في الحرام ويقترض بالربا, يهرب المخدرات يبيع الحشيش, وربما يسرق، وتجد أحدهم إذا مرض تعلق قلبه بالطبيب فيستجديه، ويلين له في الكلام ويرق له في العبارات، ويذوب بين يديه وكأنه الشافي وكأنه المعافي وكأن الحياة والموت بيده.
وإذا هاجمته الهموم والديون والمصائب انطوى على نفسه وأصابه الاكتئاب والحالات النفسية، والاضطرابات العقلية، وربما هرب إلى إدمان المخدرات وشرب الخمر ليهرب من الواقع الذي يعيشه، وربما أغواه الشيطان فترك المساجد والصلاة وتلاوة القرآن.
سبحان الله! هكذا يعيش من ضعف إيمانه وانقطعت صلته بربه: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ..) [التوبة:67]، تعلقوا بغير الله فوكلهم الله إليها.
عباد الله: ليست الحياة الصحيحة هكذا لا أبدًا ليست هكذا, ليست الحياة حياة اللحم والدم والعضلات والحركات، الحياة حياة القلوب، حياة الأرواح، حياة الصلة بالله، والتعلق بالله، واللجوء إلى الله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الأنعام:122[.
ليس لنا ملجأ إلا الله ولا مهرب إلا إلى الله, لن يُغنيك من فقرك ولن يسدّ حاجتك إلا الله, لن يُعافيك من مرضك ولن يشفيك إلا الله, لن يدفع عنك المصائب ولا البلاءات إلا الله, لن يهديك من الضلالة والعمى والانحراف إلا الله.
إذا مرضت فادعُ الشافي, وإذا افتقرت فادعُ الغني, وإذا ضعفتَ فادع القوي, وإذا اضطررت فادع المجيب, وإذا اضطربت دنياك فادع الحي القيوم, وإذا دقت وخفيت أسباب علتك فادع الأول الذي ليس قبله شيء.
ولا مانع من بذل الأسباب بل إن ذلك مطلوب ومن لم يبذل السبب ففكره معطوب, لكن توكل على الله لا على السبب؛ فالله مسبّب الأسباب: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر:60[، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون)[البقرة:186[.
ويقول الله -سبحانه- في الحديث القدسي: "يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ"(رواه مسلم).
هكذا يجب أن يكون المسلم؛ يتعلق بربه، يتشبث بعراه ليس له إلا الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر:15[؛ تَقرَّبْ إلى الله بالطاعة، احفظ حدوده, راعِ حقوقه, تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة.
وتأمل قوله -تعالى- في الحديث القدسي: "وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"(رواه البخاري). هكذا تكون الحياة، هكذا تكون السعادة، هكذا تحلو الدنيا.
الحياة بالله، وإلى الله، ومن الله، ولا تصلح بغير ذلك: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ * وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء:83-90[.
فالله الله -يا أحبة- في التعلق بالله واللجوء إلى الله, فليس لنا إلا هو، ولا غِنَى لنا عنه طرفة عين: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[يونس:107[.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، حمدًا يليق بجلالهِ وعظيم سلطانه, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: المؤمن صاحب الحياة الطيبة, صاحب الإيمان يُلِحّ على الله في المسألة في الدعاء في اللجوء... إن الله يحب الملحين في الدعاء لو تدعو الله ليلاً ونهارًا وسرًّا وجهارًا ما ازددت منه إلا قربًا وتوفيقًا.
اللهُ يَغْضَبُ إِن تَرَكْتَ سُؤَالَهُ *** وَبُنَيّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
لكن الدعاء واللجوء إلى الله -تعالى- والانطراح بين يديه لقبوله أسباب إذا وُفِقَ لها العبد حصلت الإجابة: ذكرها ابن القيم -رحمه الله- فقال: "إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة، وهي: الثلث الأخير من الليل, وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة, وأدبار الصلوات المكتوبات, وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة, وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم, وصادف خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب, واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله وصلى على رسول الله، وألح على الله وتوسل إليه بأسمائه وصفاته؛ فإن هذا الدعاء لا يَكاد يُرَدّ".
وهناك موانع تمنع إجابة الدعاء منها:
أن يكون العبد مضيّعًا لفرائض الله ومُتعدٍّ لحدوده؛ فهذا بعيد مقطوع الصلة بربه, فيه من المشركين شبه, قال الله عنهم: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[العنكبوت:65]، فتَعَرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، عامل الله في رخائك وفي صحتك وعافيتك وقوّتك بالطاعة والانقياد وشكر النعم والابتعاد عن المحرم؛ حتى يعاملك في شدتك وفقرك وحاجتك بالإجابة والفرج والإغاثة والتوفيق.
قال الله عن يونس -عليه السلام-: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الصافات:143-144]، لولا أنه كان يذكر الله ويطيع الله في رخائه للبث في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
وفرعون الملعون قال في وقت الرخاء والقوة والملك: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات:24]، وقال لملاِئِه: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[القصص:38]، فلما غضب الله عليه وجاءته الشدائد من كل مكان، وتلاطمت عليه أمواج البحر من كل جانب, وذهبت القوة وتفرق الجيش وضاع الملك وأحسّ بالهلاك.. قال آمنت.. (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[يونس:90].
فهل نفعه ذلك؟ هل استفاد من إيمانه في تلك الساعة التي هي أصعب ما مرَّ عليه في حياته؟, قال الله (آلْآنَ)؛ يعني الحين تؤمن وكنت تقول وقت الرخاء والقوة أنا ربكم الاعلى؟ (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)[يونس:91-92[.
ومن موانع إجابة الدعاء: أكل الحرام, وشرب الحرام, ولبس الحرام؛ يبيع المخدرات والدخان والحشيش، ويلبس منها، ويتغذى من ثمنها, فإذا جاءته الأورام والأسقام والجلطات والسكتات مدَّ يديه إلى السماء يدعو ويدعو، وقد ذكر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- "الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟".. الحديث.(رواه مسلم).
ومن موانع إجابة الدعاء: عدم الإخلاص لله, والله -تعالى- يقول: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ..)[غافر:14]، الدعاء دِين فلا بد أن يُخلص لله وحده؛ فلا أصنام ولا أموات ولا أولياء ولا قبور ولا موتى ولا أحياء، وهذه ليست عندنا ولله الحمد، لكنها وإشْرَاكُهَا في الدعاء عدم إخلاص لله -تعالى- ومن موانع الإجابة.
ومن موانع إجابة الدعاء: أن يدعو الإنسان وقلبه غافل ساهٍ لاهٍ, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لَاهٍ"(حسّنه الألباني في صحيح الجامع).
ومن موانع إجابة الدعاء: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلٌّ على حسب قدرته واستطاعته, المهم لا ترى منكرًا وتسكت عليه ولو بكلمة ولو بنصيحة.قال -صلى الله عليه وسلم-: "والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ، ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم"(حسّنه الألباني في صحيح الترمذي).
فالله الله عليكم بالدعاء, ألحُّوا على الله ولا تستعجلوا الإجابة, فالله الحكيم وهو العليم وهو الخبير قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ"(رواه مسلم).
الدعاء والقدر يختصمان بين السماء والأرض، ولا يرد القضاء إلا الدعاء.
الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل, فعليكم -عباد الله- بالدعاء كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
ترك الدعاء سببٌ من أسباب دخول النار: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر:60[.
والدعاء سبب من أسباب دخول الجنة؛ قال الله -تعالى-: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطور: 25-28[.
ومن دعا الله فلن يندم، فإما أن يستجيب الله دعاءه, وإما أن يُدفع عنه من الشر مثلها، وإما أن يدّخرها الله له إلى يوم القيامة؛ كما أخبر بذلك -صلى الله عليه وسلم-، "ما من مسلِمٍ يَدعو ، ليسَ بإثمٍ ولا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ، وإمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها"(صحيح الأدب المفرد للألباني).
فالله الله في الدعاء, فإنه دأبُ المؤمن وسلاحه وفلاحه.
وصلوا وسلموا...
التعليقات