عناصر الخطبة
1/ انتشار حمى الضنك 2/ المرض من قضاء الله وقدره 3/ أسباب انتشار الحميات 4/ لماذا ربط الشرع بين التعاون والتكاتف وموضوع الحمى بالذات؟ 5/ النهي عن سب الحمى 6/ سبل معالجة حمى الضنك والحمى الفيروسية.اهداف الخطبة
اقتباس
لقد انتشر هذه الأيام في عدد من المحافظات والمديريات الساحلية حمى الضنك والحمى الفيروسية، وما يتبعها من أنواع أخرى من الحميات، وما يتسبب عن ذلك من انتشار لبعض الأمراض الأخرى كالملاريا وغيرها من الأمراض والقواصم التي يبتلي الله بها خلقاً من خلقه، ويصرفها عمن يشاء.. إن المسلم العاقل الرشيد يجب عليه أن يأخذ بالأسباب ويعمل الاحتياطات اللازمة ويدفع الشر عن نفسه وأهله بقدر المستطاع، وفي نفس الوقت يؤمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. فكم من أناس خذوا حذرهم، وحاولوا تجنُّب أسباب هذه الحميات، ومع ذلك أُصيبوا بها!..
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
عباد الله: إن الله -سبحانه وتعالى- يقدر مقاديره على من يشاء من عباده فيصيب من يشاء، ويبتلي من يريد، ويقدر ما يشاء على من يشاء، فلا راد لحكمه ولا مفر من قضائه ولا مغير لأمره (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن: 11]، ويقول: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد: 22].
لقد انتشر هذه الأيام في عدد من المحافظات والمديريات الساحلية حمى الضنك والحمى الفيروسية، وما يتبعها من أنواع أخرى من الحميات، وما يتسبب عن ذلك من انتشار لبعض الأمراض الأخرى كالملاريا وغيرها من الأمراض والقواصم التي يبتلي الله بها خلقاً من خلقه، ويصرفها عمن يشاء.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "إن الحمى من فَيح جهنم فأبردوها بالماء".
إن المسلم العاقل الرشيد يجب عليه أن يأخذ بالأسباب ويعمل الاحتياطات اللازمة ويدفع الشر عن نفسه وأهله بقدر المستطاع، وفي نفس الوقت يؤمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
فكم من أناس خذوا حذرهم، وحاولوا تجنُّب أسباب هذه الحميات، ومع ذلك أُصيبوا بها! وكم من بيوت دخلتها فمرت على بعض أفرادها دون البعض الآخر! وكله أمر الله وقدره وحكمته وابتلاؤه لمن يشاء من عباده يقول الله سبحانه: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
من الأسباب التي يجب علينا جميعاً التنبه لها والابتعاد عنها، وهي الأسباب الرئيسة لانتشار هذه الحميات: القضاء على الأماكن التي يتكاثر فيها البعوض الناقل لهذه الأمراض، مثل تجمعات المياه الحلوة وتجمعات مياه الأمطار والمياه الراكدة التي تبقى على أسطح المنازل أو تستقر في بعض الأماكن بدون تصريف أو إزالة.
كذلك المجاري التي تطفح في كل مكان وتضرّ بالناس جميعاً، والجميع إلا من رحم الله يتفرج عليها، وكأننا لسنا نحن الضحية في النهاية.
كذلك من الأسباب: رمي القمائم أجلكم الله في الشوارع والأماكن العامة، وتركها لفترات طويلة تتجمع عليها الحشرات وتنتشر فيها القاذورات، ثم تكون سبباً في الفتك بنا والقضاء على صحتنا وصحة أبنائنا وأهلنا.
إن هذه الأسباب كلها تساهم في انتشار هذه الحمى، وهذه تحتاج من الجميع التكاتف والتعاون في القضاء عليها، فلن يجدي السكوت عنا شيئاً، ولن يغنينا الاتكاء على أصحاب الصرف الصحي للقيام بواجبهم؛ فالمسئولية اليوم مسئولية الجميع.
والكل مشارك في هذه الأسباب، وربما يكون السبب الأكبر لانتشار هذه الحميات هو اللامبالاة والعشوائية التي يعيشها الكثير منا، فكيف لا نكون جزءًا من المسئولية وتحمل التبعة؟ وكيف نتنصل من المشاركة الفعلية في القضاء على أسباب انتشار هذه الحمى ونحن جزء من المشكلة؟
تأملوا جيداً حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين عندما قال: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى».
لقد ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- بين موضوع التعاون والتكاتف وموضوع الحمى بالذات؛ لأن الحمى تصيب البدن أجمع، ويسخن الجسم كله، فالمطلوب هو التكاتف الكلي والمشاركة العامة للقضاء عليها؛ لأنها تصيب الجسم قاطبة بدون استثناء وتتفاعل كل الخلايا في الجسم وتشارك في هذه الملحمة "ملحمة الحمى"، فوجب التعاون العام والمشاركة الكلية والمجتمعية في تخليص الجسم والمجتمع من كل ضرر أو خطر يتعرض له.
وبدون التعاون والتكاتف لن يحققوا شيئاً ولن يصلوا إلى نتيجة، ويبقى الأمر مجرد تشكٍ ونياح وبلبلة وصياح دون أن نفعل شيئاً في الواقع، فضلاً عن أن نقضي على هذه الأمراض والحميات.
أو نكتفي بالتشكي والسباب وتبادل التهم، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سب الحمى فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» » (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ذُكرت الحمى عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسبَّها رجل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبَّها؛ فإنها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد» (رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة).
يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "مَا منْ مَرَضٍ يُصيبني أَحَبُّ إليَّ من الحُمَّى؛ لأنها تدخل في كلِّ عضوٍ منِّي، وإنَّ الله سبحَانهُ يُعْطي كلَّ عضوٍ حظَّه مِن الأجرِ" (صحيح الأدب المفرد).
إن هذا هو واقعنا اليوم في منتدياتنا وملتقياتنا ومجموعاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي الأغلب، وللأسف هناك مَن يسبّ وينوح، ويتساءل أين دور الجهة الفلانية؟ أين كذا وكذا؟ والسؤال الموجه لكل واحد منا: أين دورك؟ وما هي مسئوليتك تجاه هذه القضية المجتمعية والمرض المستشري؟
شارك بتوجيه أو تكلم بنصيحة أو اعمل عملاً يسد هذه المشكلة أو يساهم في التخلص منها، وأدلِ بدلوك في حلها؛ بدلاً من هذا السباب والتلاوم الذي ينتهي في بعض الأحيان إلى سب الحمى نفسها بشكل مباشر أو غير مباشر.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الحمى من كير جهنم، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار» (رواه أحمد وحسنه محقق المسند).
ومما هو جدير بالذكر مع حديثنا عن انتشار حمى الضنك والحمى الفيروسية أن نعالجها بما أرشدنا به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "فأبردوها بالماء"، وفي بعض الروايات قال: «فأطفئوها بالماء»، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا حُمَّ أحدكم فليشنَّ عليه الماء البارد ثلاث ليال ..»، والحديث صحيح في السلسلة الصحيحة.
فاسترشدوا بهذا العلاج النبوي، واسلكوا الطب المحمدي الذي أتى به الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- من عند ربه جل وعلا: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
مما يذكره الأطباء كعلاج لهذه الحمى أن ينال المريض الذي قدَّر الله عليه الإصابة بهذه الحمى وابتلاه بهذا الداء أن ينال قسطاً كافياً من الراحة حتى يتماثل للشفاء ..
وأن يكثر من شرب الماء والسوائل حتى يعوض السوائل المفقودة من أثر الحمى، ويمنع الجفاف عن الأوردة، ويعوض الدم النازف.
وعلى الجهات المعنية أن تعتني بهذا الشأن وتوليه مسئوليتها بالرش بالمبيدات الحشرية، وتثقيف الناس، وتوجيههم نحو الحد من تكاثر البعوض وانتشار الأمراض والتخلص من المياه الراكدة على الإطارات والحاويات والمكيفات خاصة المياه العذبة، ومنع الأطفال من الخروج في الملابس القصيرة التي تمكِّن البعوض من الوصول بسهولة إلى أجسادهم والفتك بهم.
كما أنه لا حاجة لتهويل الأمور زيادة عن الحد، وتخويف الناس وبث القلق النفسي والإرهاب الصحي بينهم؛ فإن هذه أمور متوقعة وأمراض مستشرية يقدرها الله، وتنتشر بين فترة وأخرى؛ يبتلي الله بها من يريد، ويسلطها على من يشاء.
فالواجب هو أن نحذر منها ونأخذ بالأسباب للوقاية منها، وندع القلق والتهويل والإحباط النفسي، وأن نؤمن حق الإيمان بقول الله -سبحانه وتعالى-: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51].
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** يا عالما بالأمراض: من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب: من عافاكا؟
قل للصحيح يموت من غير علة *** من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام *** بلا اصطدام: من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى: ما الذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة: ما الذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي *** بالله جل جلاله أغراكا؟
حفظ الله الجميع، وسلمنا الله وإياكم من كل شر، ووقانا وإياكم كل مكروه.
صلوا وسلموا …
التعليقات