عناصر الخطبة
1/ من تكريم الله للإنسان أن خصه بحقوق 2/حقوق الإنسان في الإسلام شاملة 3/مصطلح الإنسان لدى المنظمات الدولية 4/من سياسة الكيل بمكيالين لدى الغرب 5/حقيقة وثيقة حقوق الإنسان.اقتباس
إن حقوق الإنسان أصبحت أكذوبة مخادعة؛ لأنها دائماً ما تكون لصالح أناس دون أناس من الغربيين وإخوانهم الصهاينة، أما إن كانت الدعاوى ضد المسلمين وضد ما يسمونه بدول العالم الثالث فإنها ستقام عليهم, وتنصب لأجلهم المحاكم، وسيتم القبض على المتهمين منهم بالقوة, ويعتبرون ملاحقتهم ومطاردتهم واجباً إنسانياً....
الخطبة الأولى:
الحمد لله قضى ألا تعبدوا إلا إياه، لا مانع لما أعطاه، ولا راد لما قضاه، ولا مظهر لما أخفاه، ولا ساتر لما أبداه ولا مضل لمن هداه، ولا هادى لمن عصاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه.
أما بعد:
أيها الناس: لقد كر الله -سبحانه وتعالى- الإنسان أعظم تكريم، وميّزه خير تمييز، وفضّله على سائر المخلوقات بمزايا عظيمة وخصائص جليلة، تشريفاً له وإكراماً منه -سبحانه وتعالى- وتفضلاً, (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء : 70].
ومن تكريم الله -جل وعلا- للإنسان أن جعل له حقوقاً خُصّ بها، شرعها له، وفرضها في كتابه العظيم وعلى لسان رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- لكل إنسان، لينال كل ذي حق حقه.
فمن ظن أن البشرية لم تعرف حقوق الإنسان إلا بعد مجيء الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان الغربية فهو متخرص واهم، لم يتأمل كتاب الله -سبحانه وتعالى- حق التأمل، ولم ينظر في شرع الله بنظرة دقيقة فاحصة, فالإسلام قد سبقهم بأربعة عشر قرناً حينما أنزل الله تلك الحقوق في القرآن والسنة، وكانت محل إعجاب كل المنصفين حتى من الغربيين أنفسهم.
ومما يثير العجب ويستحق التذكير هو أن حقوق الإنسان في الإسلام شملت الإنسان بمعناه الإنساني الشمولي، بمعنى أن كل إنسان قد أعطي حقه من هذه الحقوق، ولم تقتصر فقط على الإنسان المسلم, بعكس حقوق الإنسان الغربية فقد أثبتوا للعالم كله وأظهروا للعيان بشكل واضح جداً أنهم يقصدون بالإنسان الذي له حقوق ويستحق هذه المميزات هو الإنسان الكافر المتبع لملتهم.
والدليل على ذلك أن الإنسان المسلم في هذا العصر -عصر ما يسمى بحقوق الإنسان- تعرض لنكبات عظيمة ومآسي كبيرة, وإرهاب ممنهج في فلسطين والبوسنة والهرسك وسوريا والعراق والصومال وأفغانستان وغيرها من دول الإسلام، فهل توقفت تلك المذابح الرهيبة مراعاة لوثيقة حقوق الإنسان؟.
إن وثيقة ما يسمى بحقوق الإنسان التي صدرت عام 1948م ما هي إلا صنم معبود من الأصنام الجاهلية في هذا العصر، لا ينعم بحقوقها وما جاء في بنودها إلا من عبدها وأذعن لما جاء فيها.
إنها سياسة الكيل بمكيالين في هذا الجانب، فهناك إنسان له حقوق، وله مميزات وخصائص، فمن حقه أن ينعم بالحرية، ومن الواجب الدفاع عنه، ويخص بالإنعام عليه بالحياة الكريمة الفارهة، وتطلب له المساواة والعدالة!!, وهناك إنسان لا يستحق إلا السحق والقتل والاعتقال والمطارة، ويذبح من الوريد إلى الوريد، فلا يُدرك ولا يُنقذ، ولا يستحق أن تتحرك لأجله البارجات ولا أن تبحث عنه الطائرات، ولا أن تحميه المواثيق والاتفاقيات، ولا يستحق العيش الكريم الهنيء, لأنه باختصار في أنظارهم ليس بإنسان.
ومن سياسة الكيل بمكيالين في ما يسمى اليوم بحقوق الإنسان أنهم يتغاضون عن الإجرام البشع, والمجازر الإرهابية التي تتعرض لها كثير من الشعوب المضطهدة، وخاصة الشعوب الإسلامية في العالم الإسلامي، ولا يتحركون لذلك، ولا تغيرهم هذه المذابح والجرائم، ولاتحرك فيهم ساكناً, ثم إذا بهم تثور ثائرتهم وتقوم قيامتهم ويرعدون ويزبدون عندما يسمعون بأن حداً من حدود الله أقيم في الأرض، أو أن جماعة من الجماعات في بقعة من بقاع الأرض قد أعلنت عزمها على تطبيق شرع الله والحكم بمنهج الله, ويعتبرون ذلك من الاجحاف والظلم والنقض لحقوق الإنسان وإعلان الحرب عليه، غير آبهين بالجرائم التي يقوم بها أصحابهم المجرمون من قتل وإخافة وترويع للآمنين والمستضعفين.
لقد ارتكب اليهود في فلسطين مجازر يعجز القلم عن تسطيرها، وعجزت الكاميرات عن تصويرها، ومع ذلك كله فلا حساب ولاعقاب ولا ملاحقة؛ لأن القائمين بها هم من الناس الذين لهم حقوق، وقاموا بها على أناس لاتحسب لهم حقوق.
كل هذا عندهم لايساوي شيئا، ولا يستحق حتى مجرد الإدانة، لكن المخيف والمخزي عندهم أن تقطع يد لص سارق أرهب الناس وأخاف الخلق وأرعبهم، أو يرجم زاني مفسد هاتك للأعراض ناشر للرذيلة، أو يقتل القاتل المتعمد مع أنه قتل!!, فهؤلاء في قوانينهم الطاغوتية ووثيقتهم الإجرامية لا يستحقون هذه الحدود أن تقام عليهم، ويعتبرون إقامتها عليهم خرقاً لحقوق الإنسان وتجني رهيب عليه.
يقول الله مبيناً حقد هؤلاء الكفرة لنا وحسدهم علينا حتى في ديننا ومنهجنا: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة : 105]. ويقول: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : 109]. ويقول: (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران : 119].
يفضلون منهج الطاغوت على منهج الله، ويعتبرون أن قوانينهم تحمي الإنسان وحقوقه، ومنهج الله وحدوده يهتك حقوق الإنسان ويخترقها، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) [النساء : 52].
ومن سياسة الكيل بمكيالين في جانب حقوق الإنسان أنهم لا يجرؤون على طلب إيقاف إجرام أولئك المجرمين السفاحين، ولا التجرؤ على محاكمتهم؟ مع علمهم بإجرامهم -وإدانتهم أحياناً لمجازرهم- إلا أنهم مباشرة يلجؤون إلى التماس الأعذار لهم، ويدافعون عنهم بدعاوى سخيفة وحجج ساقطة، كسقوط الدعوى بالتقادم مثلاً، أو بدعوى أنهم يمارسون حقاً مشروعاً في الحرب على ما يسمى بالإرهاب؟!.
لكن في المقابل يستحق المسلم المدافع عن دينه وعقيدته وحريته وعرضه كل تهمة، ويشرّع لأجل مطاردته كل قانون، ويستحق التعذيب والملاحقة والاهانة؛ لأنه مجرد مدافع عن نفسه من إجرام الإنسان الكافر المعتدي. وصدق الله -تبارك وتعالى- إذ يقول في وصفهم: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة : 8]، ويقول: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة : 10]، وقال: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج : 8].
إن حقوق الإنسان أصبحت أكذوبة مخادعة؛ لأنها دائماً ما تكون لصالح أناس دون أناس من الغربيين وإخوانهم الصهاينة، أما إن كانت الدعاوى ضد المسلمين وضد ما يسمونه بدول العالم الثالث فإنها ستقام عليهم, وتنصب لأجلهم المحاكم، وسيتم القبض على المتهمين منهم بالقوة, ويعتبرون ملاحقتهم ومطاردتهم واجباً إنسانياً، فإلى الله المشتكى!.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
أما بعد:
عباد الله: ومن سياسة الكيل بمكيالين في حقوق الإنسان أن يسمح للإنسان الكافر أن يتهكم بقيم الإسلام، ويقوم برسوم مسيئة تجاه رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- ويصور بأبشع الرسومات والصور، ويسخر به بكل ألوان السخرية، وتصب عليهم كل التهم والقذائف, فإذا قام الإنسان المسلم بالدفاع عن نبيه، وإلجام خصومه وقطع دابرهم، وشل أيديهم، وأخرس ألسنتهم، وأحرق رسوماتهم، وقتل طغاتهم وجبابرتهم، قام العالم المتحضر بالشجب والتنديد والتحذير من هذه الأفعال، واعتبروا أنها أفعال مخزية تناقض حقوق الإنسان وتناقضها, فيا للعجب!!.
فمن حق إنسانهم أن يسخر، وأن يستهزئ، ويلعب ويضحك ويرسم السوء، ولا يحق لإنساننا أن يدافع عن نبيه، ولا أن يثور من أجل حماية عرضه الشريف، وإلجام أولئك المجرمين المتغطرسين الطاعنين في عرضه وجنابه المكرم, (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) [التوبة : 12]. ويقول: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة 13: 15], ويقول -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) [الأحزاب : 57].
بعد هذا كله يجب على كل إنسان مسلم أن يكفر بما يسمى بوثيقة حقوق الإنسان، ولا ينخدع بها، ولا يصدق ما جاء فيها، وأن يعلم علم اليقين أنه لا نصيب له فيها ولا حظ له منها، وإنما هي لإنسان في نظرهم أنه إنسان، أما نحن فإننا في أنظارهم مخلوقين على صورة إنسان, خلقنا من أجل خدمة الإنسان الحقيقي الذي يعنون به أنفسهم، (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة : 30].
فتبرؤوا من كفرهم وجحودهم وسياسية كيلهم فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" [الترمذي (2624) ].
صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله القائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر الجلي، والمقام العلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
التعليقات