حقوق الأولاد على والديهم

الشيخ عبدالله بن إبراهيم القرعاوي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ من حقوق الأبناء على الآباء تعليمهم العقيدة الصحيحة 2/ حملهم على الخير والطاعة 3/ حسن تربيتهم وتأديبهم 4/ وجوب النفقة عليهم 5/ العدل بين البنين والبنات في الهبة والعطية 6/ حسن اختيار أسمائهم 7/ العقيقة 8/ المبادرة بالختان 9/ وصية اللهِ الآباءَ بالأبناء
اهداف الخطبة

اقتباس

أَخْوَفُ مَا يُخَافُ عَلَى الصَّغِيرِ سُكُوتُ مُرَبِّيهِ عَلَى قَبِيحِ فِعَالِهِ، وَفُحْشِ لِسَانِهِ، وَإِعْطَاؤُهُ كُلَّ مَا يُحِبُّ، وَاسْتِغْرَاقُهُ فِي اللَّعِبِ، وَتَفْضِيلُهُ عَلَى إِخْوَانِهِ، وَمُرَافَقَةُ الأَشْرَارِ فِي الشَّارِعِ وَالدَّارِ، وَعَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلُوا وَلَكِنِ اسْأَلُوا عَنْ أَقْرَانِهِ، وَالطِّفْلُ شَاشَةٌ بَيْضَاءُ، يَنْقُشُ الْمُرَبِّي مَا يَشَاءُ عَلَيْهَا مِنْ أَلْوَانِهِ.

 

 

 

 

الْحَمْدُ لله الَّذِي فَرَضَ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ حُسْنَ تَرْبِيَةِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَجَعَلَ الأَوْلَادَ وَالأَحْفَادَ وَالزَّوْجَاتِ، وَالإِخْوَةَ الصِّغَارَ وَالأَخَوَاتِ، أَمَانَةً فِي يَدِ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الأَمَانَاتِ، يُسْأَلُونَ عَنْهُمْ يَوْمَ الدِّينِ كَمَا يُسْأَلُونَ عَنْ سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.

نَحْمَدُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ الله: مَنْ رُزِقَ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، فَقَدْ رُزِقَ خَيْرًا عَظِيمًا، وَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ زَادَهُ مِنْهَا، وَكَانَ الله شَاكِرًا عَلِيمًا، قَالَ الله تَعَالَى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لله وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح: 10- 14]، وَمِنْ وَقَارِ الله تَعَالَى الْقِيَامُ بِحُقُوقِ هَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لأَنَّهُ عَنْ ذَلِكَ يَكُونُ مَسْئُولاً.

صَحَّ عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا".

أَخِي الْمُسْلِمَ: كَمَا عَلِمْتَ حُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ وَوَاجِبَ بِرِّهِمَا وَطَاعَتِهِمَا، فِي الْخُطْبَةِ السَّابِقَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِلأَوْلادِ حُقُوقًا عَلَى وَالِدَيْهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا، وَآدَابًا يَلْزَمُهُمُ الْقِيَامُ بِهَا:

فَالأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ: تَعْلِيمُهُمُ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ، عَقِيدَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ" -وَفِي رِوَايَةٍ: "وَيُشَرِّكَانِهِ"- كَمَا تَنْتِجُونَ الإِبِلَ، فَهَلْ تَجِدُونَ فِيهَا جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا". [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ]. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ، حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ".

الثَّانِي: أَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَحَمْلُهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ لله وَلِرَسُولِهِ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَجْنِيبُهُمُ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ، وَالْمَفَاسِدَ وَالشُّرُورَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التَّحْرِيمِ: 6].

وَلِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: "عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ".

الثَّالِثُ: حُسْنُ تَرْبِيَتِهِمْ، وَتَأْدِيبُهُمْ بِتَعْلِيمِهِمُ الصِّدْقَ وَالأَخْلاَقَ الْجَمِيلَةَ وَمَكَارِمَ الأَخْلَاقِ، وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْكَذِبِ وَسُوءِ الأَخْلاَقِ، وَمُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ وَاللَّعِبِ وَالسُّوءِ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ". [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]. وَلِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نِحْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ". [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]. والنِّحْلَةُ: الْعَطِيَّةُ وَالْهِبَةُ. وَلِقَوْلِهِ: "عَلِّمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ وَأَدِّبُوهُمْ". [رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ].

الرَّابِعُ: وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الأَوْلادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [الْبَقَرَةِ: 233]، أَيْ: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ) -وَهُوَ الأَبُ- (رِزْقُهُنَّ) أَيْ: طَعَامُ الْوَالِدَاتِ، (وَكِسْوَتُهُنَّ) أَيْ: لِبَاسُهُنَّ، (بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ: بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِنَّ فِي بَلَدِهِنَّ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ إِقْتَارٍ.

وَلِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَلِقَوْلِهِ: "مَنْ عَالَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ، وَزَوَّجَهُنَّ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، فَلَهُ الْجَنَّةُ".

الْخَامِسُ: الْعَدْلُ وَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الأَوْلادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ فِي الْعَطَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمْ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا -أَيْ أَعْطَيْتُهُ- غُلاَمًا كَانَ لِي. فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟"، فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَأَرْجِعْهُ". وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟!"، قَالَ: لاَ. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ".

السَّادِسُ: تَحْسِينُ الاسْمِ، لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ". [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].

السَّابِعُ: الْعَقِيقَةُ، أَيِ الذَّبِيحَةُ عَنِ الْمَوْلُودِ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ -أَيْ مُتَسَاوِيَتَانِ سِنًّا وَشَبَهًا- وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ". [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].

الثَّامِنُ: الْمُبَادَرَةُ بِالْخِتَانِ؛ لأَنَّهُ فِي زَمَنِ الصِّغَرِ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ...". الْحَدِيثَ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ الله-، وَأَدُّوا مَا أَوْجَبَ الله عَلَيْكُمْ مِنَ الْحُقُوقِ، فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لاَ يُهِمُّهُ مِنْ بَنِيهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا مُوَظَّفِينَ أَوْ تُجَّارًا أَوْ مُحْتَرِفِينَ، يَكْتَسِبُونَ الْمَالَ وَلَوْ كَانَتِ الْحِرْفَةُ طَبْلاً وَمِزْمَارًا، وَلاَ يُبَالِي بِهِمْ إِذَا جَمَعُوا الْمَالَ: أَصَالِحِينَ كَانُوا أَمْ أَشْرَارًا، وَقَدِيمًا قِيلَ: أَشْبِعْ وَلَدَكَ وَأَحْسِنْ أَدَبَهُ، وَأَجْمِعْ لَهُ أَدَبًا وَلاَ تَكْتَسِبْ لَهُ ذَهَبًا.

وَالأَبْنَاءُ وَرَثَةُ آبَائِهِمْ طَبَائِعَ وَآثَارًا، وَكَمَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَوْلادُكَ فَكُنْ أَنْتَ إِقْبَالاً وَإِدْبَارًا فَإِنَّمَا الْوَلَدُ سِرُّ أَبِيهِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطُّورِ: 21].

أَسْأَلُ اللَّهَ –تَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقًا طَيِّبًا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.

بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

 

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

 

 

الْحَمْدُ لله جَعَلَ التَّقْوَى خَيْرَ زَادٍ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ لَهُ عَلَى كُلِّ الْعِبَادِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى الله وَسَلَّمَ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: أَخْوَفُ مَا يُخَافُ عَلَى الصَّغِيرِ سُكُوتُ مُرَبِّيهِ عَلَى قَبِيحِ فِعَالِهِ، وَفُحْشِ لِسَانِهِ، وَإِعْطَاؤُهُ كُلَّ مَا يُحِبُّ، وَاسْتِغْرَاقُهُ فِي اللَّعِبِ، وَتَفْضِيلُهُ عَلَى إِخْوَانِهِ، وَمُرَافَقَةُ الأَشْرَارِ فِي الشَّارِعِ وَالدَّارِ، وَعَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلُوا وَلَكِنِ اسْأَلُوا عَنْ أَقْرَانِهِ.

وَالطِّفْلُ شَاشَةٌ بَيْضَاءُ، يَنْقُشُ الْمُرَبِّي مَا يَشَاءُ عَلَيْهَا مِنْ أَلْوَانِهِ؛ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- يَشْكُو إِلَيْهِ عُقُوقَ ابْنِهِ، فَأَحْضَرَ عُمَرُ الْوَلَدَ، وَأَنَّبَهُ عَلَى عُقُوقِهِ لأَبِيهِ وَنِسْيَانِهِ لِحُقُوقِهِ، فَقَالَ الْوَلَدُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَيْسَ لِلْوَلَدِ حُقُوقٌ عَلَى أَبِيهِ؟! قَالَ عُمَرُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟! قَالَ عُمَرُ: أَنْ يَنْتَقِيَ أُمَّهُ، وَيُحْسِنَ اسْمَهُ، وَيُعَلِّمَهُ الْكِتَابَ -أَيِ الْقُرْآنَ-. قَالَ الْوَلَدُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ أَمَّا أُمِّي فَإِنَّهَا زِنْجِيَّةٌ كَانَتْ لِمَجُوسِيٍّ، وَقَدْ سَمَّانِي جُعَلاً، وَلَمْ يُعَلِّمْنِي مِنَ الْكِتَابِ حَرْفًا وَاحِدًا. فَالْتَفَتَ عُمَرُ إِلَى الرَّجُلِ، وَقَالَ لَهُ: جِئْتَ إِلَيَّ تَشْكُو عُقُوقَ ابْنِكَ، وَقَدْ عَقَقْتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُقَّكَ، وَأَسَأْتَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسِيءَ إِلَيْكَ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ الله- فِي أَوْلاَدِكُمْ؛ فَقَدْ وَصَّاكُمُ الله بِهِمْ بِقَوْلِهِ: (يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلاَدِكُمْ) [النِّسَاءِ: 11]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَقَدِ اسْتُنْبِطَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا؛ حَيْثُ أَوْصَى الْوَالِدَيْنِ بِأَوْلاَدِهِمْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحَلَّبَتْ ثَدْيَيْهَا، تَسْعَى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِهِ: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؟!"، قَالُوا: لاَ، يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "فَوَالله: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"، وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) [آلِ عِمْرَانَ: 198]، قَالَ: إِنَّمَا سَمَّاهُمُ الله "الأَبْرَارَ"، لأَنَّهُمْ بَرُّوا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ، كَمَا أَنَّ لِوَالِدَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا، كَذَلِكَ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ.

إِخْوَتِي فِي الله: اتَّقُوا اللَّهَ فِي أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بِرُّهُ وَخَيْرُهُ بَعْدَ مَمَاتِ وَالِدَيْهِ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْوَالِدُ إِلَيْهِ؛ قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاِّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ].

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، فَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاةِ يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا، فَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ، وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ وَإِحْسَانِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاَةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَهُدًى، اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ قُلُوبَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

 

 

 

 

المرفقات
حقوق الأولاد على والديهم.doc
التعليقات
عبده علي محمد السورقي
01-12-2018

جزاكم الله خير الجزاء..كتب الله اجركم وشكر سعيكم ونفع بهذا العمل والدينا ووالديكم.

FADIGA AMINE
03-07-2020

الحمدلله أشكر فضيلة الشيخ على هذه الخطبة لقد أفاد وأجاد فنتمنى دائما المزيد

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life