عناصر الخطبة
1/ حث الإسلام على تآخي المسلمين ووحدتهم الشعورية 2/ مواقف للسلف تبين مدى تآخيهم ووحدتهم الشعورية 3/ مقتضيات الوحدة الشعورية بين المسلمين 4/ الدعوة للاقتصاد في الحفلات لدعم إخواننا السوريين 5/ ما ينبغي مراعاته عند الاحتفال بالنجاحاقتباس
وإني من هذا المنبر، من مبدأ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، أنادي إخواني أهل الغيرة على دين الله، والغيرة على إخوانهم المشردين في سوريا وبورما وغيرها، أن يحولوا أو يقللوا حفلات الزواج وحفلات النجاح هذه السنة لدعم المنكوبين من إخواننا في الشام وبورما وغيرها من بلاد المسلمين، وأن تُغيَّر حجوزات سفرنا إلى مكة والمدينة والجنوب، وتُقاطع بلاد الكفر الداعمة، والبلاد الراضية والداعمة كالإمارات وغيرها، ومن...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون، وكونوا عباد الله إخوانا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: لقد آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار وذلك بعد الهجرة، تخفيفاً على المهاجرين الذين تركوا أموالهم وهاجروا فراراً بدينهم.
ومن المواقف الخالدة التي سجلها التاريخ ما فعله سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف، حيث قال له: أنا أكثر الأنصار مالاً، فاقسم مالي نصفين وخذ نصفه، ولي زوجتان، فانظر أعجبهما إليك أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال له عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلَّني على السوق.
إن هذا الموقف ما نشأ إلا من قلب امتلأ بالإيمان، وشعر بالجسد الواحد، كما ورد في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري.
قال ابن أبي جمرة: الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى، لكن بينها فرق لطيف، فأما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأما التوادد فالمراد به التوصل الجالب للمحبة، كالتزاور والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا.
وقوله: "كمثل الجسد"، أي: بالنسبة إلى جميع أعضائه، ووجه التشبيه فيه التوافق في التعب والراحة.
وقوله: "تداعى"، أي: دعا بعضُه بعضاً إلى المشاركة في الألم.
وقوله: "بالسهر والحمى"، أما السهر فلأن الألم يمنع النوم، وأما الحمى فلأن فقد النوم يثيرها.
قال القاضي عياض: "فتشبيهه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح، وفيه تقريب للفهم، وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم، وملاطفة بعضهم بعضا".
ولأهمية التراحم والتعاطف بين المسلمين، شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين بالبنيان المتماسك الذي لا يستغني جزء منه عن غيره، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضا"، وشبك بين أصابعه. رواه البخاري.
وقال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، قال السعدي في تفسيره: وهذا عقدٌ عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم. اهـ.
ومصداقاً لذلك، حينما رجع المسلمون من غزوة بدر منتصرين، مرّ مصعب بن عمير -رضي الله عنه- برجل من الأنصار، وهو يأسر أخاه أبا عزيز بن عمير، قال له: شدّ وثاقه فإن أمه ذات مال، فقال أخوه: أهذه وصاتك بي وأنت أخي؟ فقال مصعب: إن هذا الأنصاري أخي دونك.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- آمراً بالأخوة الإيمانية: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" رواه مسلم، ومعنى: "لا يخذله"، قال العلماء: الخذل: ترك الإعانة والنصر.
وهذه الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضح ما يجب أن يكون عليه المسلمون من التعاون والشعور بحاجة بعضهم إلى بعض.
أيها المسلمون: إن هذه العقيدة التي جاءت وتغلغلت في النفوس، وتمكنت من القلوب، قد أحدثت بين الناس قوة في العلاقة وترابطاً وتآلفاً سمِّي بالوحدة الشعورية؛ حتى إن المسلم في أقصى المشرق يحنُّ إلى المسلم في أقصى المغرب، ويأنس إليه، رغم اختلاف اللغات والعادات وتباعد المسافات.
إن هذه الوحدة الشعورية بين المسلمين جعلت العلاقة والرابطة بينهم مبنية على أسس العقيدة والإيمان، فالعقيدة هي العروة الكبرى التي تلتقي فيها سائر الأوصال البشرية والعلاقات الإنسانية.
إن هذه الوحدة الشعورية بين المسلمين، هي التي جمعت بين الغرباء، وألّفت بين الأعداء، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].
هذه الوحدة تقتضي أن يحزن المسلم لحزن أخيه، ويفرح لفرحه، ويشارك إخوانه المسلمين شعورهم، يتألّم لآلامهم، ويأمل مع آمالهم، كما تقتضي محبتهم وموالاتهم.
إن مشاركة المسلمين واستشعار ما يحلُّ بهم من المصائب في كل مكان، هو من حق المسلم على أخيه، فمرض المسلم مرض للجميع، وفقره فقر للجميع، وتشريده تشريد للجميع، وموته موت للجميع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
أيها المسلمون:في بداية الإجازة وبعد عناء الاختبارات يكثر اجتماع الأسر سواء في حفلات نجاح أبنائها التي يقومون بإعدادها، واستئجار الاستراحات لها، أو الاجتماع في مناسبات الأفراح والزواجات، وهذا أمر طيب يُشكرون عليه.
ولكن؛ من نظر إلى هذه الاجتماعات، فإنه يندى له الجبين من كثرة الإسراف والتبذير؛ مع أن الأصل في المسلم خلاف ذلك، بأن يكون شاكراً لله -عز وجل- على حصول هذه النعمة، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
وفي المقابل؛ لو نظرنا إلى ما يعاني منه إخواننا في سوريا وغيرها من حرب عقدية وإبادة جماعية وتهجير لأهل السنة في الشام وغيرها، فإنه يتقطَّعُ حسرةً وألماً على ما يصابون به؛ وليس معنى هذا أن نكون في حزن دائم، ولكن؛ لا ينبغي أن تُنسينا نعمنا وأفراحنا أحزانهم.
وإني من هذا المنبر، من مبدأ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، أنادي إخواني أهل الغيرة على دين الله، والغيرة على إخوانهم المشردين في سوريا وبورما وغيرها، أن يحولوا أو يقللوا حفلات الزواج وحفلات النجاح هذه السنة لدعم المنكوبين من إخواننا في الشام وبورما وغيرها من بلاد المسلمين، وأن تُغيَّر حجوزات سفرنا إلى مكة والمدينة والجنوب، وتُقاطع بلاد الكفر الداعمة، والبلاد الراضية والداعمة كالإمارات وغيرها، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
يا أمة الإسلام: هبوا لنصرة إخوانكم؛ (إنما المؤمنون إخوة)، ويمكن أن نجتمع للفرح بنجاح الجميع مع إحضار كل بيت طعامه المعتاد وتبرعه بما كان ينفقه سابقاً لإخوانه المسلمين، أو للأيتام الموجودين في بلده.
وإذا كان هناك فرح ونفقة للناجحين فينبغي العدل بين الأولاد في الأعطيات، وأن لا يُفرَّق بينهم، فإما أن تكون على حسب المرحلة الدراسية، أو المعدل الدراسي، وهكذا.
والعدل مطلوب بين الأولاد في الأعطيات وغيرها، كما ورد في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- يقول: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنتِ رواحة عطيةً، فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله. قال: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟"، قال: لا. قال: "فاتقوا الله وأعْدِلوا بين أولادكم"، قال: فرجع فردّ عطيته" رواه البخاري.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم...
التعليقات