عناصر الخطبة
1/ مشروعية واستحسان الفرح 2/ ضوابط الفرح 3/ عاقبة الفرح إذا تجاوز الشرع 4/ وقفات مع التجاوزات في حفلات التخرج وغيرها 5/ ما ينبغي أن ينظر له المحتفلون 6/ مقترحاتٌ لاحتفالاتِ تخرُّجٍ تراعي الشرعاهداف الخطبة
اقتباس
بالله عليكم! طفل في المرحلة الابتدائية أو لم يدخلها بعدُ، لماذا يصنع له هذا الضجيج؟ لماذا هذا الإنفاق؟ لماذا هذا الإسراف؟ حفلات تنفق عليها الأموال، وتبذل الأوقات، خرجوا بها عن المقصد الحقيقي، فصارت حفلات للاستعراض والتباهي، للرقص وعرض الأزياء، في دور العلم ومحاضن التربية!.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: تعالوا معي لنفرح، نعم، نفرح! فديننا ينهى عن الحزن: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، ويأمر بالفرح: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
وقد فرح الصحابة بانتصار الروم على فارس؛ لأن الروم أهل كتاب وفارس مجوس يعبدون النار: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم:1-5].
وفرح المهاجرون والأنصار لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهاجرا إلى المدينة، وخرجوا يستقبلونه حتى ارتجت البيوت والسكك بالتحميد والتقديس، وكانت بنات الأنصار تتغنى بفرح وسرور:
طلع البدر علينا *** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا *** جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة *** مرحباً يا خير داع
تعالوا لنشعل أنوار الفرح، وإن كنا نعيش أياما عصيبة ولحظات مريرة، يلاقي فيها أهل الإسلام ما يلاقون؛ لقد فرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شدة الألم وكثرة الجراح.
لنفرح، لكن بعيدا عن الكبر والخيلاء، بعيدا عن كفر النعمة، بعيدا عن الإسراف والتبذير، بعيدا عن الصخب والضجيج، بعيدا عن طلب العلو في الأرض وإرادة الإفساد.
وانظروا إلى قارون، كان من قوم موسى -عليه السلام-: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)، ففرح بهذا فرحا يحمل الأشر والبطر والكبر، فوعظه قومه وذكروه: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص:76].
لكنه تولى وأعرض، وخرج على قومه في زينته يجر إزاره فرحا مسرورا بما أوتي من الملك العظيم، فكانت العاقبة أن خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) [القصص:81].
هذه عاقبة الفرح إذا تجاوز العبد فيه حدود الله، فمن تعدى شرع الله ليزداد فرحا زاده الله بؤسا وشقاء.
وفي هذه الأيام اعتاد الناس أن يعبروا عن فرحهم بإقامة الحفلات في صورة من صور التبعية للكفار وتقليدهم واتباع خطواتهم، حتى ذهب طعم الحفلات لكثرتها، فما من مناسبة إلا ويقيمون لها حفلة: حفلة للوظيفة، وحفلة للنقل، وحفلة للمولود، وحفلة لفوز الفريق، وحفلة للقبيلة...
أما حفلات التخرج فحدث ولا حرج! فبعد أن كان حفل التخرج لمن حصل على الشهادة الجامعية صار من يتخرج من الثانوي تقام له حفلة، ومن يتخرج من المتوسطة تقام له حفلة، ومن يتخرج من الابتدائي تقام له حفلة، بل من يتخرج من التمهيدي تقام له حفلة!.
تولى كبر هذا الأمر بعض المدارس التي لا هم لها إلا أن تجمع الأموال ولو أرهقت كاهل الأسر، ولو سنت سنة سيئة، ولو قادت لتنافس بين الأهل بغيض؛ تهدف من خلاله إلى أن تأتي الأسر لطفلها بالجديد والغريب.
وإذا استمر الحال على ما هو عليه ولم تتدخل وزارة التعليم فستسمعون كل عام عن جديد القبيح من هذه الحفلات.
عباد الله: بالله عليكم! طفل في المرحلة الابتدائية أو لم يدخلها بعدُ، لماذا يصنع له هذا الضجيج؟ لماذا هذا الإنفاق؟ لماذا هذا الإسراف؟ حفلات تنفق عليها الأموال، وتبذل الأوقات، خرجوا بها عن المقصد الحقيقي، فصارت حفلات للاستعراض والتباهي، للرقص وعرض الأزياء، في دور العلم ومحاضن التربية!.
لقد أصبح الإسراف والتبذير سمة بارزة في الحفلات، وكأنه لا احتفال إلا بإسراف أو تبذير!.
عباد الله: افرحوا، ولكن لا ترفعوا أصواتكم بالفرح كثيرا؛ فإن حولكم وبجواركم أقوام لا يعرفون إلا الدموع، خففوا من إسرافكم وتبذيركم فإن حولكم أقوام لا يعرفون إلا الجوع، تذكروا وأنتم تقيمون الاحتفالات أقواما لا يقيمون إلا المآتم، تذكروا وأنتم تقيمون الاحتفالات وأنتم تنظرون إلى أبنائكم وهم يلبسون عباءة التخرج تذكروا أقواما يلبسون الجوع والخوف من سنين، وأنتم تنظرون إلى أبنائكم وهم يخرجون إلى منصات التتويج تذكروا أقواما يخرجون كل يوم بأبنائهم ونسائهم على النعش ليودعوهم باطن الأرض، وأنتم تطوقون أعناق أبنائكم بالورود تذكروا أقواما تطوقهم المدافع والدبابات والصواريخ والطائرات، وأنتم تريقون دماء الأنعام فرحا بتخرج أحد أبنائكم تذكروا أقواما تراق دمائهم رخيصة، دماء الأنعام أغلى من دمائهم.
أيها المسلمون: إننا، ونحن نرى ما يفعله المترفون، نتذكر قول الله -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].
نعم، تلوح هذه الآية أمام العين دائما ونحن نرى كفرا بالنعمة، وإسرافا وتبذيرا، وتفاخرا بغيضا، يقيمون مهرجانات لجميع الحيوانات، ويتبايعونها بآلاف الريالات، يذبحون عشرات الجمال والأغنام ليفاخروا بالقبيلة، ينثرون القهوة على الأرض ويغسلون الأيدي بدهن العود، ويستعرضون بالفاكهة والذبائح التي وضعوها في آنية لا يقدر على حملها عشرات الرجال.
يقع هذا الإسراف والتبذير والتفاخر والتباهي ونحن نرى من حولنا، كانوا في نعمة عظيمة وعيش رغيد، كانت ديارهم محط أنظار العالم كديارنا اليوم، كانت خيرات بلدهم تصل إلى أقاصي الدنيا، ثم بدل الله حالهم وفقدوا نعما كانوا يتقلبون فيها في طرفة عين.
ونحن إن لم نفهم الدرس حل بنا ما حل بغيرنا، فلا تغتروا بما أنتم فيه، فقد اغتر أقوام فجاءهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ *** فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الليالي كما شاهدتها دُولٌ *** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
إننا لسنا بمنأى عن السيل الذي دهم غيرنا من الدول إذا لم نوقف ما نراه من عبث، وإنّ أخشى ما نخشى ونحن نرى ما يحدث الناس من أشكال كفر النعمة مع ما نراها من آيات وعظات وما يتسابقون إليه من تجاوزات ومنكرات أن نكون كالذين قال الله فيهم: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الإسراء:60]
فارفعوا -رحمكم الله- عن السيل بوقفة جادة تأخذ على يد العابثين، ولا يقول أحدكم: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء! فإنه لا عاصم من أمر الله إلا من رحم.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين، ألا يمكن أن نفرح بعيدا عما يغضب الله؟ بعيدا عن التقليد الأعمى والتفاخر البغيض؟.
إننا لا نعارض التشجيع لكل من أحسن في أمر ديني أو دنيوي، صغيرا كان أو كبيرا، لكننا ندعو إلى وضع الأمور في موضعها الصحيح، بما يحقق المراد، ويبعد عن الفساد.
فحفلات المدارس -مثلا- ما المانع أن تكون في المدرسة، وأن يكرم الطالب أو الطالبة بجائزة من المدرسة، وبالزي العادي، بعيدا عن التكلف؟ وبهذا تتحقق المساواة بين الطلاب، ونسلم من تكليف الآباء ما يشق عليهم.
وما المانع أن نقيم للطفل أو حتى للشاب أو الشابة حفلة في المنزل يحضرها بعض الأقارب بعيدا عن الإسراف والتبذير والتنافس المذموم؟.
إن الخروج بهذه الحفلات خارج المدرسة أو خارج المنزل إلى القاعات والاستراحات سيأتي في المستقبل القريب بشر كبير؛ بل هذا ما وقع، فحفلة في قاعة أو استراحة لا بد لها من لباس جديد، وغالبا سيكون اللباس غير منضبط، وربما كان عاريا، خصوصا عند البنات، وسيطبلون ويرقصون؛ بل احتفلت بعض دور التعليم على نغمات الموسيقى، وباختلاط بين الجنسين.
كما أن الطفل الذي في المرحلة الابتدائية إذا احتفل به في هذه الصورة وهو في هذه السن فلن يرضيه شيء إذا كبر، وهذا خلل في التربية سيؤثر عليه مستقبلا.
عباد الله: الأبناء والبنات الذين نضع الجوائز والحوافز لهم ليتفوقوا دراسيا، لماذا لا نضع لهم الجوائز ليتفوقوا دينيا وأخلاقيا؟ الأبناء والبنات الذين نبذل لصلاح دنياهم بلا حساب؛ لماذا لا نبذل لصلاح دينهم؟ الأبناء والبنات الذين نضحي لأجل دنياهم؛ لماذا لا نضحي لأجل دينهم؟.
لقد ضرب أحد الآباء مثلا رائعا للعناية بدين ولده عندما ذبح جملا وصنع طعاما ووزعه على الناس بعد صلاة الجمعة؛ لأن ولده حفظ القرآن. هذا من يُفتخَر به، وهذا من يستحق التكريم.
عباد الله: تريدون الحياة السعيدة؟ تريدون السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة؟ الزموا شرع الله، واجعلوه حاكما على أفعالكم كلها، تسعدوا وتفوزوا، بهذا وعد الذي لا يخلف الميعاد، قال ربنا -جل وعلا-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالا لأمره -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينك محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم...
التعليقات