عناصر الخطبة
1/حفظ الدين للضروريات الخمس 2/مما شرعه الإسلام لحفظ النفس 3/التغليظ في قتل النفس المعصومة 4/التحذير من ترك الآبار مكشوفةاقتباس
وقد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس، فأوجب على الإنسان أن يُمدَ نفسَه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول الطعام والشراب، وتوفير اللباس والمسكن الواقي من الضرر، وحرَّم عليه الامتناع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أيها الإخوة: لقد جاء ديننا الإسلامي بجلب المنافع ودفع المضار، فكل ما فيه جلب نفعٍ للمسلمين داخل في ديننا، وهذا يسمى ببابِ المصالح المرسلة، وهو مفتوح على مصراعيه، فكل مصلحة لم ينفها الإسلام، وإن لم يأمر بها وتخدم جانباً من الجوانب الخمسة التي جاء الإسلام بحفظها وتدعيمها، وشرع الحدود لحفظها، وهو ما يسمى بحفظ الضرورات الخمس، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال؛ فهي مصلحة مرسلة.
وأكد الإسلام على حفظ الدين بإيجاب قتل من ارتد عن الدين، وحث على الدعوة إلى الله -تعالى-، ويليه حفظ النفس وهي محل حديثنا اليوم، وحفظ العقل بتحريم كل ما يضيع العقل، وبإيجاب الحد على شارب الخمر، وحفظ العرض أو النسل بتحريم كل ما يخدش العرض؛ وذلك بإيجاب الحد على الزاني والقاذف، وأمر بغض البصر لأنه سبب للوقع في الخطأ، وحفظ المال من الاعتداء عليه أو إضاعته؛ وذلك بإيجاب القطع في السرقة وفي المحاربة القتل أو الصلب، فكل ما يعين على حفظ هذه الأمور فهو من الدين؛ لأن الإسلام جاء بذلك كله.
أيها الإخوة: ذكرنا من ضروريات الحياة الإنسانية عصمة النفس من الهلاك, وصون حق الحياة من الضرر، وقد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس، فأوجب على الإنسان أن يُمدَ نفسَه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول الطعام والشراب، وتوفير اللباس والمسكن الواقي من الضرر، وحرَّم عليه الامتناع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته، ونهاه عن كل ما يضره.
بل أوجب على الإنسان -إذا وجد نفسه مهددة- أن يدفع عن نفسه الهلاك بأكل مال غيره بقدر الضرورة، أو أكل المحرم كالميتة قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل:115].
وحرم على غيره التسببَ بإهلاكه أو التسببَ في ضرره، فحرم الله قتل النفس الإنسانية عموماً وعده من كبائر الذنوب، ورتب عليه الوعيدَ الشديد فقال -عز من قائل-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء:93], وشنع الإسلامُ على هذه الجريمة فاعتبر قتل نفسٍ واحدة بمثابة قتل الناس جميعا، فقال -تعالى-: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32].
وَسَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ فَذَكَرَ مِنْهَا "قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ"(رواه البخاري), وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ"(رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-), وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"(رواه البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-)؛ الْفُسْحَة فِي الدِّين: سَعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَة، حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ضَاقَتْ, وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ"(رواه أبو داود والنسائي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- وصححه الألباني).
أيها الإخوة: وذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك فنهى عن إِشْهَارِ الحديدة فِي وَجْهِ الْمُسْلِمِ, وإن لم تكن سِّلَاحاً وَعَدَّهُ مِنَ الْكَبَائِر، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ, وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-).
وحفظ الإسلام كذلك حياة المعاهدين، فَقَالَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"(رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-)؛ والمعاهد: هو الذمي من أهل العهد, أي: الأمان والميثاق.
وإذا وقع القتل مع كل هذه التحذيرات وغيرها كثير,؛ أوجب الله القصاص على الجاني حفظًا لدماء المسلمين، كما قال -تعالى-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يا أولي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:179].
أيها الإخوة: وحرَّمَ الإسلامُ قتلَ الإنسانِ لنفسه, وفي ذلك قال الله -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء:29], قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه, ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك", وشدد رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في الوعيد فقَالَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ, خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
كما أباح الإسلامُ للإنسانِ أن يدافع عن نفسه إذا هاجمه أحد, وثبت أنه يريد الاعتداء عليه, دون تحميل المعتدى عليه أية مسؤولية، بل جعله شهيداً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"(رواه أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وصححه الألباني), وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ", قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: "قَاتِلْهُ", قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: "هُوَ فِي النَّارِ"(رواه مسلم).
حمانا الله وإياكم من كل سوء, وصلى الله وسلم على نبين محمد.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ومن عظمة هذا الدين أنه أوجب على المسلم إنقاذ من يتعرض للقتل ظلما, أو يتعرض لخطر إن استطاع أن ينقذه، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة:32], وقال -صلى الله عليه وسلم- "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"(رواه البخاري).
أيها الإخوة: سمعنا التحذير من قتل النفس وعظمة الذنب في ذلك، وهناك باب من أبواب التسبب قد يغفل عنه وهو ترك الآبار مكشوفة أو غير محصنة، وتحقيقاً لقول الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة:2]، أأكد على الجميع ضرورة الأخذ بالتوجيهات الصادرة بشأن إبلاغ وزارة الزرعة والمياه والبيئة عن الآبار المهجورة؛ كونها الجهة المعنية بذلك, ويجب على أصحاب هذه الآبار ردمها أو تحصينها، والتواصل مع الوزارة في ذلك.
وأكدت الوزارة حرصها على ذلك؛ ضماناً لسلامة عابري الطرق والمتنزهين، وللحد من تلوث طبقات المياه الجوفية, ودعت عموم المواطنين والمقيمين للإبلاغ عن الآبار المهجورة، وأنها ستقوم بعد تلقيها البلاغ بزيارة موقع البئر، وتحديد الضوابط التي تضمن توفير السلامة لعابري الطريق والمتنزهين، ثم يتم تنفيذ الإجراء المناسب بإشراف اللجنة، ودعت الجميع للإبلاغ عن أي بئر مهجور عبر الهاتف الموحد رقم 939, أو عبر روابط معلنة في موقع الوزارة.
أسأل الله للجميع التوفيق والإعانة.
التعليقات