عناصر الخطبة
1/حفظ المال من الضروريات الخمس 2/المال قسمان: خاص وعام 3/الخيانة في المال العام أعظم من غيره 4/عقوبة الأخذ من المال العام 5/من صور خيانة المال العام

اقتباس

الواجب على العامل والموظف أن يتقي الله، وألا يستعمل ما تحت يده إلا بما أباحته الدولة وأذنت فيه، فإذا كان الشيء الذي يفعله مباحاً له فلا بأس وإلا فليحذر، وإذا شك يتورع ويترك ما شك فيه...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: إن من الضروريات العظيمة التي جاءت شريعة الإسلام بحفظها حفظ المال، فحثت الشريعة على كسب المال بالطرق الصحيحة، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15].

 

ومنعت الشريعة الإسلامية إضاعة المال، فقال -تعالى-: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[النساء: 5]، فنهى الله -سبحانه وتعالى- أن تعطى الأموال للسفهاء، والسفيه: هو الذي لا يحسن التصرف في المال، كالصغير والمجنون والمعتوه؛ لأن في هذا إضاعة للمال الذي جعله الله قياماً لمصالح العباد.

 

ولنعلم -عباد الله- أن المال قسمان: القسم الأول: مال خاص، وهو الذي يملكه شخصٌ معين، فأنت مثلاً: سيارتك وبيتك ملكٌ لك، هذا مالٌ خاص.

 

القسم الثاني: مالٌ عام، وهو ما كان مخصصاً لمصالح عموم المسلمين ومنافعهم، فهو ليس ملكاً لأحد بعينه بل للجميع، وهو ما يسمى "بيت مال المسلمين"، يقول ابن قدامة -رحمه الله- كما في كتابه المغني: "وأما بيت المال فإنما هو ملك للمسلمين جميعاً".

 

فكل من كان تحته مالٌ عام فتصرفه فيه ليس كتصرفه في ماله الخاص، يهب من يشاء ويقدم من يشاء، بل يتصرف بما فيه مصلحة، ويعطي كل ذي حق حقه، وليس لك فضل ومنة.

 

فأنت -أيها المسؤول أو الموظف- أجير في هذا المال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين هذا الأمر، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أعطيكم ولا أمنعكم؛ إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت".

 

فالواجب علينا جميعاً المحافظة على المال العام، الذي هو ممتلكات الدولة كالمباني الحكومية من مستشفيات ومدارس ومعاهد وطرق وحدائق ومواصلات وغيرها الكثير، فهي ليست لفلان ولا فلان، بل هي لمصالح المسلمين، فخيانة الأمانة في الأموال العامة أعظم من الخيانة في المال الخاص، يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "السرقة من بيت مال المسلمين أعظم من مال واحد معين؛ وذلك لأن سرقة بيت مال المسلمين خيانة لكل مسلم، بخلاف سرقة أو خيانة رجل معين، فإنه بإمكانك أن تتحلل منه وتَسلم".

 

ولذلك جاء الوعيد الشديد في الخيانة في المال العام، والأخذ منه بدون حق، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا -أي: فضة-، غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَبْدٌ لَهُ، وَهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِيَ، قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ -أي: مات هذا العبد بسبب السهم الذي أصابه-، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشِّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا؛ أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ"، والشملة: هي كساء صغير يُتزر به، قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ -والشراك: هو السير والحبل الذي تربط به النعال-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ".

 

تأملوا -أيها المسلمون- هذا الوعيد الشديد، الغنائم تعتبر من الأموال العامة ولها قسمة معروفة، فهذا العبد المملوك أخذ كساءً صغيراً ولم يعلم عنه أحد، ولكن الله مطلعٌ عليه، فأوحى إلى نبيه بعقوبته، فذكر أن هذه الشملة تشتعل عليه ناراً، ثم إن بعض الناس لما سمع ذلك أتى بأشياء يسيره أخذها، ما كان يظن تبلغ هذا المبلغ، فجاء بشراك النعل، والآخر يأتي بشراكين، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "شراكٌ من نار، وشراكان من نار".

 

فلا تتهاون أيها المسلم بأخذ شيء يسير من الأموال العامة ولو ورقة ولو قلماً وهذه الأمور اليسيرة ربما تساهلنا فيها فقادتنا إلى عذاب الله.

 

وأما الذي يأخذون من المال العام المال الكثير فعقوبتهم أشد وأعظم، قال -تعالى- (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[آل عمران: 161].

 

وبعض الناس لتساهله يقول: نحن لا نأخذ إلا الشيء اليسير، لماذا لا تنكرون على فلان وفلان الذين يأخذون الملايين؟! فيقال له: أنت اطلب نجاة نفسك، ولن ينفعك هذا الجواب إذا لقيت ربك، فكون هناك من يخون الأمانة ليس مبرراً لك أن تخون الأمانة!.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: إن الخيانة في المال العام لها صورٌ كثيرة:

منها: استعمال المال العام في الأمور الخاصة، سئل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن ذلك؟ فقال -رحمه الله-: "الواجب على العامل والموظف أن يتقي الله، وألا يستعمل ما تحت يده إلا بما أباحته الدولة وأذنت فيه، فإذا كان الشيء الذي يفعله مباحاً له فلا بأس وإلا فليحذر، وإذا شك يتورع ويترك ما شك فيه" أ. ه.

 

ومن صور الخيانة في المال العام: عدم أداء العمل على الوجه المطلوب، فالموظف الذي يؤدي عمله على غير الوجه المطلوب منه هو يأخذ راتباً لا يستحقه من بيت مال المسلمين، وإنما يستحقه إذا أداه على الوجه المطلوب منه.

 

ومن صور الخيانة في المال العام: صرفه على أمور لا فائدة فيها تعود للمسلمين، أو على أعمالٍ فيها ضررٌ عليهم في دينهم أو دنياهم.

 

ومن صور الخيانة في المال العام: أن يستغل بعض الموظفين منصبه لمصالحه الشخصية، والواجب التصرف بحسب الأنظمة والمصلحة العامة وليست مصلحة نفسه.

 

ولا شك أن الخيانة في المال العام مفسدتها عظيمة على البلاد والعباد؛ ولذلك كل الدول تحارب الفساد المالي، وفي بلادنا أنشئت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، فيمكن التواصل معهم عن رؤية شيء من الفساد المالي، والأمانة عليهم عظيمة في حفظ مال بيت المسلمين، وعلى من حصل منه أخذ شيء من المال العام بغير حق أن يرده لبيت المال، وهناك حساب اسمه "إبراء الذمة".

 

 أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظ بلادنا من كل فساد، وليس فقط الفساد المالي، ونسأله أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.

 

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life