عناصر الخطبة
1/ ضوابط الشرع الكافة للشهوات الحافظة للأعراض 2/ قصة انتزاع الشيطان لباس أبينا عليه السلام 3/ دروس من القصة في قضية اللباس والعورات 4/ تكريم الإسلام للإنسان وترفيعه عن البهيميةاقتباس
ومن الضروريات التي جاء الإسلام بالمحافظة عليها ورعايتها أعراض الناس، جاء الإسلام ليحفظ الأنساب حتى لا تختلط، ليحفظ نسل البشر حتى يبقى هذا النسل في الإطار الصحيح، وفي الإطار الشرعي، بعيدا عن سبل الغواية، وبعيدا عن سبل الفاحشة والرذيلة، وبعيدا عن الانتكاس الفطري والأخلاقي..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:10،]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: أيها المسلمون عباد الله، جاء الإسلام لأجل أن يحفظ للناس الضروريات التي لا بد لهم منها في حياتهم، والتي لا تستقيم دنياهم إلا بوجودها، جاء الإسلام ليحفظ دين الناس، وليحفظ أرواحهم، ويحفظ عقولهم، وأعراضهم، ونسلهم، ويحفظ أموالهم؛ فإذا حفظت هذه الضروريات استقامت حياة الناس وكانت طيبة سعيدة، وكانت آمنة مطمئنة، وإذا ضيعت هذه الضروريات ودخل الخلل عليها، اضطربت حياة الناس، وفسدت، وتكدرت.
ومن الضروريات التي جاء الإسلام بالمحافظة عليها ورعايتها أعراض الناس، جاء الإسلام ليحفظ الأنساب حتى لا تختلط، ليحفظ نسل البشر حتى يبقى هذا النسل في الإطار الصحيح، وفي الإطار الشرعي، بعيدا عن سبل الغواية، وبعيدا عن سبل الفاحشة والرذيلة، وبعيدا عن الانتكاس الفطري والأخلاقي.
جاء الإسلام ليوجه غريزة البشر حتى توضع في موضعها الصحيح، بعيدا عن السوء والشر والفساد؛ حتى لا يقع الإنسان في الحياة البهيمية، والأخلاق الحيوانية، ويتردى إلى هذا الحال السيئ.
والإنسان -أيها الأحباب- مركب من عقل وشهوة؛ فإذا غلب عقله شهوته صلحت حياته واستقامت، وسعدت دنياه وآخرته؛ وإذا غلبت شهوته عقله فسدت دنياه وآخرته، واضطربت أحواله واختلت. والإنسان بين هذين الأمرين.
وأخطر ما يكون على الإنسان أن تتغلب عليه الشهوة، ومن أخطر الشهوات التي لا يكاد يسلم منها أحد شهوة ميل الإنسان إلى الجنس الآخر، الرجال إلى النساء والنساء إلى الرجال، وهذا الميل بحد ذاته أمر طبيعي قد جعله الله -سبحانه وتعالى- في نفس كل إنسان. (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران:14].
ولكن المشكلة عندما لا يضبط هذا الميل بضوابط صحيحة، وعندما لا يكبح هذا الميل ويؤخذ بلجام يضبطه ويوقفه عند حده، عند ذلك، إذا انفرط أمره؛ يتحول الناس إلى مجرد أجسام تبحث عن الشهوة واللذة والمتعة، بأي طريقة كانت، كحال كثير من الأمم والشعوب في زماننا هذا؛ حتى فقدت فيهم القيم والأخلاق، وضاعت من أوساطهم العفة والفضيلة، وانتشرت بينهم الفاحشة والرذيلة، وشاع التفسخ والانحلال، حتى صدق فيهم ذاك الوصف البليغ الذي نطق به محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا تسافد الحمير"، أي: حتى يأتي الرجل المرأة أمام الناس كما تفعل الحمير. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: يا رسول الله، أوَكائن هذا؟ هل يعقل أن إنسانا كرمه الله بالعقل وشرفه الله -سبحانه وتعالى- بهذه الخلقة السوية وأعطاه ما يميزه به عن الحيوانات؛ هل يمكن أن يصير هذا الإنسان يوما من الأيام كالحمير؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لكائن"، هذا سيحصل، ويكون عندما يتردى الإنسان وتتردى أخلاقه وتتردى قيمه، وتغلب عليه شهوته وتسيطر عليه.
وهنا -أيها الأحباب- ندرك عظمة الإسلام الذي أمر بالعفة، وأمر بالفضيلة، وأمر بالحشمة، وأكد عليها، وحرص عليها أشد الحرص؛ الإسلام الذي جاء ليحفظ عورات الناس حتى لا تنكشف هذه العورات ولا يطلع عليها، جاء ليضبط شهوات الناس حتى لا يفتح باب الشهوات على مصراعيه فلا يمكن بعد ذلك إغلاقه.
في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه وأرضاه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، وَلَا تُفْضِي المَرْأَةُ إِلَى المَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ".
نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل من أن ينظر إلى عورة الرجل، فضلا عن أن ينظر إلى عورة المرأة، ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة التي هي مثلها، فضلا عن أن تنظر إلى عورة الرجل، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، أي لا يتجردان من ملابسهما ويجتمعان في ثوب واحد.
هذا بالنسبة للرجل مع الرجل، وكذلك المرأة مع المرأة، ومن باب أولى إذا كان الرجل مع المرأة، إلا ما يكون بين الأزواج.
وهذا كله -أيها الأحباب- حتى لا تنكشف العورات فيراها بعض الناس، فتوقع في قلبه فتنة، وتحرك من فؤاده ساكنا، وتشعل فيه فتيل الشهوة وتوقده.
وإذا تحدثنا -أيها الأحباب- عن قضية اللباس والعورات فلا بد أن نقف مع قصة آدم -عليه السلام- مع الشيطان؛ فإن فيها عبرة عظيمة جدا.
في سورة الأعراف يحكي الله -سبحانه وتعالى- كيف جاء الشيطان إلى آدم لأجل أن يغويه ويقنعه بالأكل من الشجرة التي نهاه الله -سبحانه وتعالى- أن يأكل منها، قال -سبحانه وتعالى-: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا)؛ من مقاصد الشيطان حين جاء يغوي آدم أن يكشف عورة آدم، أن يزيل عنه اللباس الذي يستر سوأته، هذا من مقاصده: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) [الأعراف:20-22].
لاحظوا هنا -أيها الأحباب- أول ما عوقب آدم -عليه السلام- عوقب بأن انكشفت عورته وعورة زوجته، وأول نعيم أخذ من آدم -عليه السلام- نعيم اللباس، هذا الذي قال الله -عز وجل- في شأنه: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى) [طه:118]، فمن نعيم أهل الجنة اللباس الساتر، وهو أول نعيم أخذ من آدم -عليه السلام-. ألا يدل هذا على أن كرامة الإنسان وشرف الإنسان ورفعة الإنسان ونعيم الإنسان في أن يكون جسده مستورا، وأن يكون مكسوا بالثياب؟.
ثم تمضي القصة، ويحكي الله -سبحانه وتعالى- توبة آدم -عليه السلام- ثم يقول: (يَا بَنِي آدم قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا) [الأعراف:26]، نعمة يذكر الله -سبحانه- بها بني آدم أنه أنزل عليهم لباسا وميزهم عن الحيوانات التي لا لباس لها يسترها، كرمكم يا بني آدم بأن جعلكم تعرفون معنى اللباس ومعنى الستر والثياب.
ثم يأتي بعدها تحذير مهم لا بد أن نقف عنده، يقول -سبحانه- بعدها: (يَا بَنِي آدم لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف:27]، لا يخدعنكم، لا يضلنكم، لا يخرجنكم كما أخرج أبويكم من الجنة، ومن أوجه هذه الفتنة: (يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا) [الأعراف:27]، إذا؛ من فتنة الشيطان للإنسان أن ينزع عنه اللباس، أن ينزع عنه الستر والثياب، وأن يجعله كسائر الحيوانات، هذه من المقاصد الشيطانية التي يريد الشيطان أن يحققها بين الناس، والله -سبحانه وتعالى- يحذرنا من هذه الفتنة، وينبهنا إلى هذا المقصد الشيطاني الخبيث.
وقارنوا -أيها الأحباب- بين هذا وبين قوله -سبحانه وتعالى- في سورة النساء: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء:27]، والله يريد أن يتوب عليكم، يريد أن يحفظكم، يريد أن يمنعكم من الوقوع في الفواحش والمنكرات، يريد منكم أن تكونوا أناسا صالحين أهل عفة وحشمة وفضيلة؛ وفي المقابل، الذين يتبعون الشهوات من الفجرة والكفرة يريدون أن تميلوا ميلا عظيما، يريدون منكم أن تحيدوا عن فطرتكم السوية، يريدون منكم أن تخرجوا عن أخلاقكم القويمة، يريدون منكم أن تنسلخوا عن إنسانيتكم وتتشبهوا بالحيوانات.
(وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:27-28]، (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا). أتدرون ما الضعف هنا؟ إنه ضعف الإنسان أمام شهوته؛ فإن الإنسان أضعف ما يكون عندما يواجه الشهوة ويواجه اللذة، فإنه عند ذلك ينهار سريعا، ويضعف سريعا، إن لم يتمسك بحبل الله، وإن لم يعتصم بالله -عز وجل-.
ولهذا؛ الله -سبحانه وتعالى- حتى يحمي الإنسان من هذا الضعف، حتى يجعله قويا عند شهوته، ثابتا أمامها، صبورا عنها، شرع له ما يقيه من الوقوع في هذه الشهوات المنكرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
وبعد: أيها الأحباب الكرام، لأن الإسلام يريد أن يحافظ على الأعراض، ولأن الإنسان ضعيف، يضعف أمام شهوته، لأجل هذا ما ترك الإسلام وسيلة تقي الإنسان وتحميه من الوقوع في حمأة الشهوات إلا سلكها وأمر بها.
وأهم ذلك ثلاث وسائل: الوسيلة الأولى: أمر الإسلام الإنسان بأن يغض بصره، وأن يحفظ عينه ولا يطلقها في أي مكان، قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:؛0-؛1].
فأمر الرجال والنساء بغض الأبصار، أي: بحفظ الأبصار على أن تقع فيما لا يحل لها أن تقع عليه، حفظ الأبصار إلى أن تنظر إلى ما لا يجوز أن تنظر إليه.
والنظر عندما ينطلق إنما هو سهم، وأول ما يصيب هذا السهم قلب صاحبه، وقد أحسن من قال:
كـل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك الســهام بلا قوس ولا وتر
والعبــد ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مقلته ما ضـر مهجـته *** لا مـرحبا بسرور عاد بالضـرر
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه وأرضاه-: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليس لك الآخرة".
لا تفتح المجال لعينك، لا ترخي العنان لها، لا تجعلها تنطلق على ما تريد وما تهوى؛ بل اضبط هذه العين وأوقفها عند حدها، وما جعل الله -سبحانه وتعالى- للعين أجفانا إلا لأجل أن تغمض عند الحاجة إلى إغماضها.
الوسيلة الثانية -أيها الأحباب-: حتى يمكن غض البصر فإنه لا بد من ستر ما لا ينبغي النظر إليه، وذلك ستر العورات التي لا يجوز النظر إليها؛ ولأجل هذا شرع الإسلام اللباس الذي تحدثنا عنه.
وليس اللباس -كما يقول بعض الناس- مجرد قطعة من القماش، بل اللباس -أيها الأحباب- مظهر من مظاهر العفة والحشمة والفضيلة، اللباس -أيها الأحباب- تعبير عن الكرامة الإنسانية التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان؛ فالحيوان جعل الله ستره من نفسه بشعر أو وبر أو ريش، وأما الإنسان فجعل الله -سبحانه وتعالى- ستره من غيره، بلباس يزينه به؛ ولهذا قال -سبحانه-: (يَا بَنِي آدم خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31]، أي: البسوا ثيابكم، فسمى الثياب زينة؛ لأن جمال الإنسان إنما يكمل بثيابه، وما دامت العورات مستورة، والأجساد محجوبة عن الأعين بالثياب؛ فإن الفتنة تقل، ولكن، متى ما كشفت العورات، وظهرت الأجساد؛ انطلقت العين والأبصار، كما تنطلق الكلاب المسعورة والذئاب الجائعة لتنهش في هذه الأجساد نهشا.
الوسيلة الثالثة -أيها الأحباب- التي اتخذها الشرع لأجل أن يضبط الشهوات ولأجل أن يحافظ على الأعراض: تنظيم العلاقة بين الرجال والنساء، بين الذكور والإناث، فليس في الإسلام علاقة مفتوحة بين الرجال والنساء، ليس كما هو موجود عند بعض الأمم، خاصة في هذا الزمان، فتحوا العلاقة بين الرجال والنساء على مصراعيها، حتى فسدت أمورهم، واختلطت أنسابهم، فصار الرجل منهم لا يدري من هو ولده، ولا يثق أن هذا الذي بين يديه من صلبه، صار الرجل لا يثق في زوجته، والزوجة لا تثق في زوجها. ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
لكن الإسلام ضبط العلاقة بين الرجال والنساء، وجعل لها حدودا؛ حتى تستقيم أحوال الناس، فنهى عن خلوة الرجل بالمرأة، فقال -صلى الله عليه وسلم- كما روى ذلك عمر -رضي الله عنه وأرضاه- عن الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَخْلُوَنّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما". فما ظنك باثنين الشيطان ثالثهما؟.
نهى الإسلام عن الدخول على النساء والاختلاط بهن بغير حاجة، ففي صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والدخول على النساء! إياكم والدخول على النساء!"، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ أي: أقارب الزوج، وهذا ما يتساهل فيه كثير من الناس، أقارب الزوج من إخوانه وأبناء عمومته وأبناء أخواله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الحمو الموت". أي: التساهل في هذا الأمر يؤدي إلى خطر عظيم.
نهى كذلك عن مس النساء، وعن مصافحة النساء؛ فعند الطبراني من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد"، أي: بإبرة من حديد، "خير له من أن يمس امرأة لا تحل له".
كذلك أيضا، أمر باحتجاب النساء عن الرجال وعدم الاختلاط بهم لغير حاجة، فقال -سبحانه وتعالى- لصحابة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وهم خير الناس وأطهرهم قلوبا وأفئدة، قال لهم: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ)، أي: سألتم أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)، لماذا؟ (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]، وما هي هذه القلوب؟ قلوب خير الناس، قلوب أفضل البشر بعد الأنبياء. وإذا كانت هذه القلوب مع طهارتها وسلامتها ونقائها وصفائها تؤمر بالحجاب؛ فغيرها من القلوب من باب أولى!.
وهذه الأوامر وغيرها -أيها الأحباب- كلها من أجل أن تبقى العلاقة بين الرجال والنساء في الحدود الآمنة التي لا يخشى معها من الوقوع في المحذور، ولا تجر إلى الشر والفساد، وهذه حكمة بالغة لم يفقهها كثير من الناس فتساهلوا فيها، فمن تجاوز هذه الحدود وتعدى هذه الستور ووقع في المحذور الأكبر وباشر الرذيلة فإنه يعاقب بعقاب يردع أمثاله، أقله الجلد، وأعلاه القتل بالرجم، قتلة شنيعة حتى يرتعد الآخرون عن مثل فعله وصنيعه.
والخير -أيها الأحباب- كل الخير فيما جاء من عند الله -سبحانه وتعالى-، فهو أرحم بعباده من أنفسهم، وأحرص على الخير لهم منهم، والله -سبحانه- قد قال عن نفسه: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:27-28].
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيء الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت...
التعليقات