عناصر الخطبة
1/معنى حسن الخاتمة 2/علامات حسن الخاتمة 3/أسباب حسن الخاتمة 4/من قصص حسن الخاتمة.

اقتباس

ولا سبيل لحسن الخاتمة إلا بالعمل بالأسباب الموصلة إلى ذلك، ومنها؛ لزوم الاستقامة على طاعة الله -تعالى-، فمن شبّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء، وأما العلامة...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

عباد الله: إن ساعة الختام هي الملخص لحياة الإنسان، والخواتيمُ ميراثُ السّوابق، وحسن الخاتمة أن يوفّق العبد قبل موته للتوبة من الذنوب والسيئات، والإقبال على الطاعات والقربات، ثم يكون موته على هذه الحال الحسنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته"، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه"(أحمد والترمذي)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ"(رواه أحمد وصححه الألباني).

 

أيها المؤمنون: لقد جعل الشارع الحكيم علامات بينات، ومبشرات مفرحات، يستدل بها على حسن الخاتمة، أولها: النطق بشهادة التوحيد عند الموت، لحديث معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(رواه أحمد وأبو داود).

 

ولذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلقين الميت هذه الشهادة؛ رجاء أن تكون خاتمة عمله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله"(رواه مسلم)، والمراد بالموتى: المحتضرون المقبلون على الموت، والمراد بالتلقين أن يقول أحد الحضور للمحتضِر برفق: قل لا إله إلا الله، أو يقولها عند رأسه يذكره بها، فإذا قالها سكت عنه، فإذا تكلم المحتضِر بغيرها أعاد أمره بها، حتى تكون هي آخر ما يتكلم به.

 

يحدث أحد المشايخ بحادثة وقعت في هذا الزمان، يقول: كنت أسير مع صاحبي على الطريق، وعند أحد الدوارات رأينا حادث سيارة، وفيه شاب ممدد على الأرض، قال لي صاحبي: لنبتعد عن هذا المكان، فقلت له: لا؛ لعل الله أن ينفع بنا، نزلت من السيارة، وإذا بشاب عمره قرابة السابعة عشرة كان يركب دراجة فدهسته إحدى السيارات، نظرت إلى الشاب، وإذا به يحتضر، اقتربت منه بهدوء، وحاولت تطمينه وتثبيته: "السلام عليكم، أنا أخوك، إن شاء الله إنك طيب"، يقول ووضعت يدي على رأسه، فأزاحها بيده وتبسم في وجهي، فقلت له: ما رأيك أن نقول: "لا إله إلا الله"، فقال: "لا إله إلا الله"، وما هي إلا لحظات حتى خرجت روح هذا الشاب في نفس المكان.

 

ثانياً: أن يختم له بعمل صالح؛ كصيام أو صدقة أو ذكر، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: "من مات على شيء بعثه الله عليه"(رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني). وعند أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، خُتِمَ لَهُ بِه دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"(صححه الألباني).

 

ثالثاً: الشهادة في ساحات الجهاد، لقوله -تعالى-: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[آل عمران:169-170]، ومن رحمة الله وفضله على هذه الأمة ما ثبت عند مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه".

 

رابعاً: أن يموت غازيًا، أو مرابطًا في سبيل الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد"(رواه مسلم)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأُمن الفتان"(رواه مسلم).

 

خامساً: المقتول دفاعًا عن دينه أو نفسه أو عرضه أو ماله، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"(رواه الترمذي)، وروى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".

 

سادساً: أن يموت بإحدى الميتات التي ورد فيها أجر الشهيد،  كالموت بالطاعون لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الطاعون شهادة كل مسلم"(رواه البخاري)، وكذلك المطعون والمبطون والغريق والحريق وصاحبِ الهدم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

والمرأةِ تموت وهي حامل أو بسبب الوضع، روى الإمام أحمد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن الشهداء، فذكر منهم: "والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسُرَرِه إلى الجنة"(صححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والمرأة تموت بجُمع شهيد"(رواه أبو داود)، قال الخطابي: "معناه أن تموت وفي بطنها ولد".

 

سابعاً: الموت بعرق الجبين، لما صحّ عند أحمد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين"، أي : أن يكون على جبينه عرق عند الموت.

 

ثامناً: الموت ليلة الجمعة أو نهارها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر"(أحمد والترمذي وحسنه الألباني).

 

وهذه العلامات هي من البشائر الحسنة التي تدل على حسن الخاتمة، ولكننا مع ذلك لا نجزم لشخص ما بعينه أنه من أهل الجنة إلا من شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة.

 

وأما العلامة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته؛ فهي ما يبشر به عند موته من رضا الله -تعالى- واستحقاق كرامته تفضلا منه -سبحانه-، كما قال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)[فصلت: 30 - 32]، وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم.

 

إخوة الإيمان: ولا سبيل لحسن الخاتمة إلا بالعمل بالأسباب الموصلة إلى ذلك، ومنها:

لزوم الاستقامة على طاعة الله -تعالى-، فمن شبّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.

 

ومن أعظم أسباب حسن الخاتمة: تحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله، والمتابعة لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومنها: المحافَظَةُ على الصَّلواتِ الخمس جمَاعَةً مَعَ المسلِمِينَ، واجتِنابُ الكبائِرِ وعَظائمِ الذّنوبِ، والكف عن ظُلمِ الناسِ، وأداء الحقوق والإحسانُ إلى الخلقِ، كما صحّ عند الحاكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَنَائِعُ المعروفِ تقِي مصارعَ السّوء"(رواه الطبراني وصححه الألباني).

 

ومنها: كثرة الدعاء بحسن الخاتمة، وهو دعاء الأنبياء، كما قال يوسف -عليه السلام-: (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[يوسف:1011].

 

ومن ذلك:  كثرة ذكر الله -تعالى-، فمن أكثر ذكر الله كان جديرًا بأن يكون ذكر الله حاضرًا  عند موته، وهذا من معاني حديث "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"(رواه أحمد).

 

أقول ما تسمعون، وأسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، إنه جواد كريم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً يليق بعظمته وكبريائه، والصلاة والسلام على نبيه محمد خير أنبيائه، وعلى آله وأصحابه وأوليائه، وبعد:

 

عباد الله: فكم نحن بحاجة أن نتأمل في أخبار سلفنا الصالح، وما نالوه من حسن الخاتمة؛ لأنهم عاشوا على طاعة الله، وماتوا على ذكر الله، وسنقف مع قصص بعضهم:

تحضر الوفاة بلال بن رباح -رضي الله عنه- فيردد: "غدًا نلقى الأحبة محمدًا وصحبه"، فتبكي امرأته قائلة: وابلالاه واحزناه، فيقول: "وافرحاه". وعندما نزل الموت بمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "مرحبًا بالموت زائرٌ بعد غياب، وحبيبٌ جاء على فاقة"، ولما احتضر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- قال لمن حوله: "اخرجوا عني فلا يبقى أحد"، فخرجوا فقعدوا على الباب، فسمعوه يقول: "مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[القصص:83]"، ثم قُبض.

 

ولما حضرت الوفاة أبا الوفاء بن عقيل الحنبلي بكى أهله، فقال لهم: "لي خمسون سنة أعبده، فدعوني أتهنّى لمقابلته"، وعامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن يجود بنفسه في سكرات الموت، وأهله حوله يبكون، وبينما هو يصارع الموت، إذ سمع المؤذّن ينادي لصلاة المغرب، فقال لمن حوله: "خذوا بيدي"، فقالوا: إنك عليل، قال: "أسمع داعي الله فلا أجيبه"، فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فصلى ركعة ثم مات في الركعة الثانية.

 

ومن قصص هذا الزمان: يقول أحد المؤذنين دخلت المسجد لأؤذن الفجر، فلما أذنت قام شاب ليصلي سنة الفجر، فلما سجد، أطال السجود، فقلت لعله استغرق في الدعاء، فلما أطال وأطال حَرَّكتُهُ، فإذا بروحه قد خرجت وهو ساجد بين يدي الله، وسيبعث هذا الشاب ساجدًا بين يدي الله، يغبطه أهل المحشر بهذه الخاتمة الحسنة.

 

وقد رأينا وسمعنا عن من مات وهو يصلي يسقط من بين المصلين، قد ختم له الله بهذه الخاتمة الحسنة، ومنهم من مات وهو يقرأ القرآن، أو وهو جالس في المسجد ينتظر الصلاة، ومنهم من مات وهو معتمر أو حاج يلبي ويكبر ويذكر الله -تعالى-، فما أعظمه من ختام.

 

ألا ليت شعري -أيها الأحبة- حين يحين الأجل، وينزل بنا الموت، هل سنلقى المولى وهو راضٍ عنا، أم أن ذنوبنا وجرائمنا ستحول دوننا ودون رحمته، ووالله ثم والله كم نحن مضطرون إلى عفوه ومغفرته.

 

ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

المرفقات
حسن-الخاتمة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life