حاجة الجميع إلى الموعظة

سلطان بن حمد العويد

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/طبيعة النفس البشرية القسوة والغفلة 2/كيفية اختبار غفلة قلبك وقسوته 3/اهتمام الأنبياء بالوعظ 4/غفلة الناس عن أعظم موعظة

اقتباس

أعتذر -أيها الإخوة- وبصفة خاصة للذين لا يملكون هذه الأجهزة وربما لم يسمعوا بهذا الاسم ولا بهذه المسلسلات؛ لأنهم قوم طهر الله قلوبهم فطهروا بيوتهم طهروا بيوتهم...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- فإنه يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].

 

عباد الله: إن من طبيعة النفوس البشرية أنها تصاب بالقسوة وتصاب بالغفلة فهي تتعلق بالدنيا وما فيها، ومن طبيعة البشر أنهم ليسوا معصومين يخطئون ويذنبون ويتسلط عليهم الشيطان؛ ولذا قال الله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ)[يس:60] عبادة الشيطان يعني طاعته، وقال الله تعالى قاصا علينا حكي الشيطان: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف:17].

 

النفوس تقبل على الدنيا وهى تعلم بزوالها وأنها رخيصة عند الله، النفوس تقبل على الدنيا وتعلم في كثير من الحالات أن فيها ضررا على النفس (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[آلِ عِمْرَانَ: 14-15].

 

أيها الإخوة الكرام: لو تفكر كل واحد منا في حياته اليومية كيف تقضي وقتك؟ ما المادة التي تحتويها أكثر المجالس التي تقضيها في يومك وليلتك ستجد في كثير من الأحيان أنها في أمور دنيوية؛ بيع وشراء، أكل وشرب، سياحة ونزهة، رياضة وسياسة، لهو وفن وقليل من الوقت لله، وبعض الناس حتى هذا القليل يبخل به؛ فيا ترى متى تستيقظ القلوب إذا كان هذا هو شأنها؟! كيف تزول الغفلة وتزول القسوة؟!

 

كثير من المسلمين يشتكي من قسوة القلب يشتكي من أنه لا يجد طعما؛ لا لصلاته، ولا لتلاوة القرآن، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الإيمان لَيَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب"؛ فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ليس مجرد دعاء فقط بل لا بد من عمل.

 

أخي المؤمن: يا من أيقنت أن الله لم يخلقك إلا لعبادته، وأيقنت أنك في يوم من الأيام سترحل عن هذه الدنيا، ويا من أيقنت أنه لا رصيد لك إذا رحلت إلا بعملك الصالح إذا أردت أن تعرف مدى غفلتك فراجع حياتك اليومية والأسبوعية، راجع مجالسك كلامك اهتمامك، متى تغضب؟ ولماذا؟ ومتى ترضى؟ ولماذا؟ متى تفرح؟ ولماذا؟ كم تقرأ من القرآن في كل يوم؟ ما مدى محافظتك على الصلوات المفروضة في وقتها؟ كيف تؤديها؟ أين حرصك على التبكير إليها والمحافظة على النوافل؟ أين مقام ذكر الله في حياتك؟ هل أنت تدعو لنفسك تدعو لوالديك تدعو للمسلمين؟ قل لي متى أفي سجودك لا تكذب على نفسك أكثر الأئمة لا يمكنك أن تسبح ثلاث تسبيحات في السجود؛ فمتى ستدعو؟ هذه العبادة العظيمة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة وتلا قوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر:60]".

 

أين بكاؤك من خشية الله؟ أين الصدقة في حياتك وأين البر وأين الإحسان؟ أين صلة الرحم؟ كل هذه الأشياء في كثير من الأيام تضيع مع الدنيا وشهواتها مع الأسف إلا من رحم الله وقليل ما هم نعم هم قليلون في هذا الزمان، ولكنهم موجودون ولله الحمد؛ فلماذا -يا أخي- لا تكن واحدا منهم.

 

عباد الله: كان يعنى بالموعظة الوعاظ وعلى رأسهم الأنبياء؛ ولذا قال لأحدِ الأنبياء قومُه: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ)[الشعراء:136]. القرآن هو الموعظة يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:57-58].

 

من يتأمل سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى أنه كان يعنى عناية كبيرة بالموعظة، كان كثيرا ما يذكر أصحابه ويرقق قلوبهم، لم تكن الموعظة خاصة بحديثي الإسلام ولا بحديثي التوبة، لم تكن موجهة للمقصرين فقط لا كانت هديا راتبا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخول بها أصحابه.

 

فاعلم -يا أخي المسلم- أنك بحاجة إلى هذه الموعظة؛ فابحث عنها، واصبر عليها ومع أصحابها، وإذا لم يكن هذا الشعور عندك فاعلم أنك ميت ولو كنت تمشي على وجه الأرض عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة موعظة زرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا.

 

أيها الإخوة: الذي يعلم مقدار ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من الانشغال بالدنيا، ومع ذلك ينتظرون الموعظة، ويصبرون عليها، ويتشوقون لها، والذي يعظهم هو المعلم الأول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وهذا حنظلة -رضي الله عنه- كان من كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كثير الجلوس معه يصف مجالسه -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة. تصوروا -أيها الإخوة- هذا من الكتّاب يعني كثير الجلوس مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومعلوم أن مجالس الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم تكن كلاما في الدنيا ومع ذلك يقول: لأبي بكر نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟! قال: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأي عين -أي كأننا نراها بأعيننا- فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عافسنا الأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر -رضي الله عنه-: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. هؤلاء الجبال في تقواهم وإيمانهم وعباداتهم يقولون مثل هذا الكلام، وانظروا كيف يشعرون بالحاجة إلى الموعظة! هذا فيه دليل على أن مجالس الرسول -عليه الصلاة والسلام- تذكر بالجنة والنار والآخرة؛ فهو القدوة حين دفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد أصحابه -رضي الله عنهم- جلس على القبر وهو لم يلحّد بعد فوعظ أصحابه -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة ذكر لهم ما يلقاه العبد بعد موته من أحوال البرزخ وأحواله إلى آخر الحديث المعروف في خطبة الجمعة.

 

ومن عناية النبي -عليه الصلاة والسلام- بالموعظة: ما جاء عن أم هشام بنت حارثة -رضي الله عنها- قالت: ما حفظت سورة ق إلا من فيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بها كل جمعة والحديث في مسلم ق والقرآن المجيد. اقرأ هذه السورة ماذا ستجد فيها؟ هل ستجد فيها أحكام البيع والشراء؟ لن تجد فيها إلا ذكر الجنة والنار، وما يرقق القلوب.

 

أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه تلك النفس العظيمة تلك النفس الشفافة تلك النفس المتعلقة بالله المترفعة عن حطام الدنيا يقول: "إنه ليغان على قلبي وإني أستغفر الله في اليوم مائة مرة"(رواه مسلم).

 

اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: إذا كان هذا هو حال المتقين وعلى رأسهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد بلغوا الرتب العالية والمنازل الرفيعة؛ فكيف بنا اليوم ونحن نعيش عالما مليئا بالفتن والشبهات والشهوات والمغريات نلابس في واقعنا كثيرا منها صباحا ومساء كيف لا نحرص على الموعظة؟ كيف لا نحرص على الآية؟ كيف لا نحرص على مجلس الذكر؟

 

أيها الإخوة: إذا كان القرآن هو أعظم موعظة، وأكثر المسلمين لا يقرءون القرآن أين مكان الموعظة في حياتك؟! كيف نتصور أننا في غنى عن هذه الأشياء، ونحن في أمس الحاجة إليها؟ نحن بحاجة إلى علاج أمراض كثيرة الغفلة الضياع الاكتئاب طول الأمل نسيان الآخرة هل يحق لأحد منا بعد ذلك وبعد أن عرفنا حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحال أصحابه -رضي الله عنهم- هل يحق لنا أن نظن أن المواعظ وأن الكلام عن ترقيق القلوب إنما ذلك خاص بحديثي العهد بالإسلام أو بالتائبين أو بالذين عندهم انحرافات ومدمني مخدرات كما يظن بعض الناس؟! أحوج من يكون إلى الموعظة هو هذا المصلي، أحوج من يكون إلى الموعظة هو الذي يعرف قدرها، أما أولئك الضائعون فهم بحاجة إلى أن يقربوا إلى مكان الموعظة وإلى مجالسها.

 

أيها الإخوة الكرام: نحن بحاجة إلى أن نغرس في نفوسنا وقلوبنا أننا مقصرون تقصيرا عظيما في هذا الباب، إذا لم يوجد هذا الشعور لن تتغير الأحوال؛ لأن الشيطان أحرص ما يكون أن يزرع في النفس البشرية أنها ليست بحاجة إلى الموعظة حتى يتمكن منها، أما إذا حُقِن الإيمان حقنا بالنفس والله لا سبيل للشيطان على تلك النفس؟

 

اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

 

اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.

 

اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا أذنب استغفر وإذا ابتلي صبر.

 

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تزيدنا إيمانا وعملا صالحا وأن تهدينا لما تحب وترضى إنك على كل شيء قدير.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن له حق علينا.

 

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تلطف بإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم احقن دماءهم واشف مرضاهم وتقبل شهداءهم وارفع الضر عنهم إنك على كل شيء قدير.

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات
Kz1qnTmcBWA9ooTsfoB1ucaFiGq1uxBhH7ElIMix.pdf
cEKysZKY8eV1LLthh7YfmS95k2wJ0bKD668Vx7YB.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life