عناصر الخطبة
1/ تكريم الله للإنسان عن سائر المخلوقات 2/ العقل بين النعمة والنقمة 3/ ازدياد جريمة اللواط في المجتمعات 4/ التحذير من إطلاق النظر في الحرام وبعض صور ومظاهر ذلك 5/ التحذير من استصغار المعصية 6/ عقوبة اللواط في الدنيا والآخرة 7/ بعض أقوال السلف في التحذير من جريمة اللواطاهداف الخطبة
اقتباس
لا أشك أن هذه الفاحشة المتوارية خلف الأنظار كانت موجودة بالفعل من قبل، ولكنها اليوم ازدادت، وتكاثرت تكاثر النمل الأبيض تحت أسس البنيان، يوشك أن ينهار بسببه، فإن بقينا نجامل مجتمعنا، ونسكت عن مشكلاته بحجة عدم نشر المنكر، فإن الأساس يكاد أن...
الخطبة الأولى:
اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا، ورزقتنا، وهديتنا، وأنقذتنا، وفرجت عنا، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبت عدونا، وبسطت رزقنا، وأظهرت أمننا، وجمعت فرقتنا، وأحسنت معافاتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمدًا كثيرًا، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو خاصة أو عامة، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ نادانا في كتابه العزيز، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، علق المسؤولية العظمى في أعناقنا نحن الأولياء؛ فقال فيما رواه البخاري بسنده عنه -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلمَ قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ثم قال: "والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
أما بعد:
فقد أكرم الله الإنسان وميزه عن سائر الحيوانات، وسائر المخلوقات، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]، وكانت أعظمَ ميزة وزينة للإنسان هذا العقلُ، فمن سخّره في طاعة الله واجتناب نواهيه فقد أفلح في الدارين، ومن غيّبه وراء شهواته ونزواته، وأعمله في سخط الله فقد خاب وخسر، وإن ظن أنه فاز واستمتع.
بل ربما أصبح عقله وبالاً ونقمة عليه، حين يهبط الإنسان بنفسه من سمو الإنسانية الكريمة، إلى درجة من درجات البهيمية؛ فيتعامل مع غرائزه بما تمليه هي عليه من نزوة لا تستند إلى كرامة ولا إلى عقل ولا إلى مروءة ولا إلى عرف ولا إلى رجولة، فإذا به يصرف لذته الجنسية عن مسارها الطبيعي، في ظل زواج بين ذكر وأنثى، إلى ارتكاب فاحشة قوم لوط؛ الفاحشة العظمى، والجريمة النكراء، والكبيرة الكبرى "اللواط" -نعوذ بالله من شرها وأهلها وعاقبة أمرها، فإن عاقبة أمرها كان خسارًا، في الدنيا والأخرى-.
ولا أشك أن هذه الفاحشة المتوارية خلف الأنظار، وغيرها من فواحش الزنا وشرب الخمرة وتعاطي المخدرات، والتي توارت حتى في وعظ الواعظين، وتوجيه المعلمين، وتنبيه الوالدين، كانت موجودة بالفعل، ولكنها اليوم ازدادت وتكاثرت تكاثر النمل الأبيض تحت أسس البنيان، يوشك أن ينهار بسببه، فإن بقينا نجامل مجتمعنا، ونسكت عن مشكلاته بحجة عدم نشر المنكر، فإن الأساس يكاد أن يتآكل، وربما لا نستطيع أن ندرك الأمر بعد ذلك.
وكلنا نعلم أن أساس الجرائم الجنسية بكل أنواعها هو النظر المحموم إلى الجنس الآخر، أو النظر المريض إلى الجنس نفسه إذا حدث الشذوذ، أو لم توجد الفرص لممارسة الفاحشة مع الجنس الآخر.
ولذلك جاء التحذير الرباني من إحداق النظر، والمنع من إطلاقه، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30].
فالنظر المحرم مفتاح الجريمة والباعث لها والحاثّ إليها؛ جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلم- يتشلشل دمًا، فقال له: ما لك؟ قال: يا رسول الله، مرت بي امرأة، فنظرت إليها، فلم أزل أتبعها بصري، فاستقبلني جدار فضربني، فصنع بي ما ترى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- إذا أراد بعبد خيرًا عجل له عقوبته في الدنيا" [والحديث حسن بشواهده، انظر: فتح الباري لابن حجر: 7/730].
وقد قيل: إن النظر بريد الزنا، فجاء النهي عن النظر إلى المردان خاصة، أو مجالستهم ومؤانستهم، أو التحدث إليهم، لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة ونهايات سيئة لا تحمد عقباها، قال الحسن بن ذكوان: "لا تجالسوا أولاد الأغنياء، فإن لهم صورًا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى"، وقال النجيب بن السري: "لا يبيت الرجل في بيت مع أمرد"، وقال سعيد بن المسيب: "إذا رأيتم الرجل يلح بالنظر إلى غلام فاتهموه"، وقال عطاء: "كان سفيان الثوري: "لا يدع أمردًا يجالسه"، وقال النجيب: "وكانوا يكرهون أن يحدّ -أي يحدق- الرجل النظر إلى الغلام الجميل الوجه".
لقد فتح للناس اليوم من النظر المحرم ما يفتن الحجر والشجر، وأصبح للوطية برامج وقنوات ومواقع وصور تهبط بالإنسان من عليائه إلى حضيض الحيوانية والبهيمية، وصار للشهوة مواقد لا يقل أثرها عن أثر مواقد النيران على اللحم الطري، وغاب عن كثير من شبابنا وبناتنا وهج الطاعة، وسلطان التقوى، وإلا فإن الصبر عن معصية الله عبادة تلذذ بها الأنبياء والأصفياء ورفعهم بها الله درجات عنده، فقد عرضت الفتنة على يوسف -عليه السلام- فقال: (مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23].
لقد علم هؤلاء أن ألم الصبر عن الشهوة أسهل من ألم عقوبتها، وعقوبتها في الدنيا والآخرة أشد وأحر من الصبر عنها. فالشهوة تورث الحسرة والندامة، واللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها، محركة للألم بعد انقضائها، قال عبد الله بن الجلاء: "كنت واقفًا أنظر إلى غلام نصراني حسن الوجه، فمر بي أبو عبد الله البلخي، فقال: ما أوقفك؟ فقلت: يا عم! ترى هذه الصورة تعذب بالنار؟ فضرب بيده بين كتفيّ وقال: لتجدن غِبّها -أي عقوبتها- ولو بعد حين، قال ابن الجلاء: فوجدت غِبَّها بعد أربعين سنة! أُنسيت القرآن".
لقد علم هؤلاء أن ألم الصبر عن الشهوة أسهل من ألم عقوبتها، وعقوبتها في الدنيا والآخرة أشد وأحر من الصبر عنها. فالشهوة تورث الحسرة والندامة، واللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها، محركة للألم بعد انقضائها، قال عبد الله بن الجلاء: "كنت واقفًا أنظر إلى غلام نصراني حسن الوجه، فمر بي أبو عبد الله البلخي، فقال: ما أوقفك؟ فقلت: يا عم! ترى هذه الصورة تعذب بالنار؟ فضرب بيده بين كتفيّ وقال: لتجدن غِبّها -أي عقوبتها- ولو بعد حين، قال ابن الجلاء: فوجدت غِبَّها بعد أربعين سنة! أُنسيت القرآن".
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاصي
قال أبو العباس بن مسروق: "من راقب الله في خطرات قلبه، عصمه الله في حركات جوارحه"، وليس صحيحًا أن تبلغ درجة الثقة في النفس -مهما كان المرء تقيًّا وصالحًا- أن يلقي بها أتون الفتنة، بل ليحذر الموفّق من النظر الحرام فهو سبب الوقوع في الجريمة والولوج في بابها، وليتفكر وليقلب نظره في ملكوت السموات والأرض، والنجوم ومن جعلها زينة للسماء، والجبال ومن جعلها رواسي للأرض، ليشبع ناظريه في عظيم مخلوقات جبّار السموات والأرض وزينتها الرائعة، وجمالها الخلاب، وليدع خلفه كل زينة محرمة عليه مهما كانت حسنة جميلة، فهي قاصمة الظهر والمودية إلى نار أشد حرًّا -نعوذ بالله منها-.
وتلك هي الشجاعة الحقة؛ قال الشاعر:
ليس الشجاع الذي يحمي مطيته *** يوم النزال ونار الحرب تشتعل
لكن فتىً غض طرفًا أو ثنى بصرًا *** عن الحرام فذاك الفارس البطل
اللهم اعصمنا من الزلل، واحم حياتنا من السوء والفتن، واحفظ أعراضنا وأهلينا وذوينا وأعراض المسلمين.
نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
الخطبة الثانية:
الحمد لله (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر: 3]، والصلاة والسلام الأكملان على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-.
ولنتذكر جميعًا حقيقة كبرى تتمثل في قول الله -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6]، ولذلك جاءت الدعوة الربانية تهتف بنا: (يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا) [الأعراف: 27].
وما أقبح الشيطان وما أخبثه، إنه بمجرد وسوسته، وإيقاع ابن آدم في حبائله، يبتعد عنه بعد أن يتفرج عليه وهو ينغمس بخطيئته في وحول الإثم والنار والعار، فيصرخ: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 48].
وكم كئيب وراء القضبان ظل يلعن الشيطان دون جدوى بعد أن أرضى شهوته وتبع شيطانه في غيه ووسوسته!
نسأل الله أن يعصمنا من فتنته.
وكم حزين على ماضيه الذي لطخه بالمعاصي فترك أثرًا سيئًا على حياته وعلاقاته كلها!
يا عبد الله: أناديك وأنادي نفسي بنداء إبراهيم الخليل لأبيه: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) [مريم: 44]، ومن عبادة الشيطان: طاعته في الشهوات المحرمة.
ولا سيما بعد أصبحت مقارفة آثام النظر المحرم متاحة في كل شاشة تلفاز وحاسوب وجوال، لنتذكر قول الله -تعالى-: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7]، قال الحسن البصري: "ما عصى اللهَ عبدٌ إلا أذله الله -تبارك وتعالى-"، وقال أبو الحسن المزيني: "الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة".
فيا أخي المبارك: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، فقد عصيت جبّار السموات والأرض، شديد العقاب، واحذر أن يأخذك هادم اللذات وأنت على معصيتك فيُختم عليك بخاتمة السوء -والعياذ بالله-، وتفكر -رعاك الله- في أن الذنوب تنقضي لذتها وتبقى تبعتها، فمتى رأيت الكدر والتعب وضيق القلب والحال فتذكر ذنبًا وقعت فيه، وبادر بالتوبة النصوح، والزم التقوى فهي لباس المؤمنين، ونعم بها من لباس.
وتفكر في قول الشاعر:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة بعدهـا النار
إن اللواط مذلة للفاعل والمفعول به، وتاريخ أسود في الدنيا، وعذاب وسخط في الآخرة، وملعون على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلم-؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلم-: "ملعون من عمل بعمل قوم لوط" [والحديث صحيح برقم: 5891 في صحيح الجامع للألباني]، بل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلم-: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به" [والحديث صححه الألباني في الإرواء برقم: 2350، وعند الترمذي: "أحصنا أو لم يحصنا"].
كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- أنه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب يُنكح كما تُنكح المرأة، فجمع لذلك أبو بكر أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلم-، وفيهم علي بن أبي طالب -رضي الَله عنه-، فقال: إن هذا الذنب لم تعمل به أمة إلا أمة واحدة ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن نحرقه بالنار، فأجمع رأي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلَم- الله عليه وسلم- أن يحرق بالنار، فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار، فحرقه خالد بن الوليد -رَضي الله عنه-، قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف: 80 - 84].
التوبة باب كبير يدخل منه العقلاء الأوابون، وهي بفضل الله -تعالى- تَجُبّ ما قبلها، وتقطعه، فلا يبقى له أثر في الصحف يوم القيامة.
وهنيئًا لمن عاش حتى لقي الله كما لقيه الأطهار أمثال أبي يوسف، الذي كان يقول في مرضه: "اللهم إنك تعلم أني لم أطأ فرجًا حرامًا قط وأنا أعلم، ولم آكل دراهمًا حراما قط وأنا أعلم"، وقال إبراهيم بن أبي بكر بن عياش: "شهدت أبي عند الموت فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فما أتى أبوك فاحشة قط"، وقال عمر بن حفص بن غياث: "لما حضرت أبي الوفاة أغمي عليه، فبكيت عند رأسه فقال لي حين أفاق: ما يبكيك؟ قلت: أبكي لفراقك، ولما دخلت فيه من هذا الأمر -يعني القضاء- قال: لا تبك فإني ما حللت سراويلي على حرام قط، ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من توجه الحكم عليه منهما".
الموضوع أخطر وأكبر من أن تلم به خطبة، وإني لأرجئ الحديث فيه إلى خطبة أخرى إن شاء الله؛ لعلنا نسهم في تتبع أسبابها ومظاهرها وكيف نكشفها ونعالجها بعون الله -تعالى-.
أسأل الله -تعالى- أن يستر علينا وعلى المسلمين، وأن يعافينا من كل ما يخالف أمره، ويسخطه، وأن يحفظ لنا أولادنا من كل سوء وبلاء وفتنة، وأن يوفقهم لكل ما يحب ويرضى.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
التعليقات
ابراهيم الحسني
07-02-2020بارك فيك ياشيخ