عناصر الخطبة
1/حرمة الدماء وعظم التعرض لها 2/ما ورد في الشرع من التغليظ في قتل النفس المحرمة 3/الآثار المترتبة على قتل النفس 4/من السبل المعينة على حفظ الأنفس 5/وجوب إنقاذ أصحاب الحوادث 6/ الحث على تعلم مهارات الإسعافات الأوليةاقتباس
الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ التِي نُنَبِّهُ عَلَيْهَا وَنُحَذِّرَ مِنْهَا: فَهِيَ الْمُبَالَغَاتُ الْعَظِيمَةُ فِي الدِّيَات، التِي صَارَتَ تِجَارَةً وَدَخَلَ فِيهَا السَّمَاسِرَةُ الذِينَ جَعَلُوها طَرِيقَةً لِكَسْبِ الْمَالِ، حَتَّى سَمِعْنَا مِنَ الدِّيَاتِ مَا بَلَغَ عَشَرَاتِ الْمَلايِينِ، ثُمَّ يُحَمَّلُ النَّاسُ مِنَ الْقَبِيلَةِ التِي مِنْهَا الْقَاتِلُ مَا لا يُطِيقُون...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْعَظَمَةِ وَالْبَقَاءِ وَالدَّوَام، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ، وَيُصَرِّفُ الشُّهُورَ وَالأَعْوَام، لا إِلَهَ إِلَّا هُو الْخَلْقُ خَلْقُه، وَالأَمْرُ أَمْرُهُ، فَتَبَارَكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَأَشْكُرُه، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُه، وَالَى عَلَيْنَا نِعَمَه، وَتَابَعَ عَلَيْنَا آلاءَه، وَبِالشُّكْرِ يَزِيدُ الإِنْعَام، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ قَدَّرَ الأُمُورَ بِأَحْكَام، وَأَجْرَاهَا عَلَى أَحْسَنِ نِظَام، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه، أَفْضَلَ الرُّسُلِ وَسَيِّدَ الأَنَامَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَام وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا عَلَى الدَّوَام.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَهْيَه، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِشَرِيعَةٍ كَامِلَةٍ شَامِلَةٍ، لَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ بِحُكْمٍ وَتَوْجِيه، عَرَفَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَغَفَلَ عَنْهُ مَنْ قَصُرَ عِلْمُه, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 47].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ وَمِلَّتُنَا السَّمْحَاءُ حُرَمَةَ الدِّمَاءِ, وَحِمَايَةَ الأَنْفُسِ الْبَرِيئَة، وَالتَّغْلِيظَ الْعَظِيمَ فِيمَنْ تَعَرَّضَ لَهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيمًا)[النساء: 93], فَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ لِمَنْ تَعَاطَى هَذَا الذَّنْبَ الْعَظِيم، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الشعراء: 68- 70].
فَانْظُرُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- كَيْفَ قَرَنَ اللهُ قَتْلَ الأَنْفُسِ بِغَيْرِ حَقٍ بِالشِّرْكِ بِاللهِ الذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ؟! وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ مِنَ الذُّنُوبِ الْمُهْلِكَةِ الْمُوبِقَةِ, وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[الأنعام: 151].
فَإِيَّاكَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- ثُمَّ إِيَّاكَ وَالْوُقُوعَ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ, فَإِنَّ مِمَّا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حُرْمَةَ دَمِ الْمُسْلِمِ, فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مَعْصُومُ الدَّمِ وَالْمَالِ، لا تُرْفَعُ عَنْهُ هَذَهِ الْعِصْمَةُ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاث، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ َعَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
وَمَا عَدَا ذَلِكَ، فَحُرْمَةُ الْمَسِلْمِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ، بَلْ مِنَ الدُّنْيَا أَجْمَع, وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ َعَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ), بَلْ إِنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَبْدَأُ بِالْحِسَابِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّمَاء، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ َعَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
بَلْ إِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِحِمَايَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ, سَوَاءً كَانُوا فِي بِلَادِنَا أَوْ بِلادِهِمْ إِذَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِمْ؛ فَدَمُهُمْ مَعْصُومٌ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ َعَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لِيُوجَدَ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًّا"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِنْ مَغَبَّةِ الْقَتْلِ وَخُطُورَتِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ تَنْقَلِبُ حَيَاتُهُ، وَيَعِيشُ فِي أَسْوَأِ حَالٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، مَعَ مَا يَصْحَبُهُ مِنَ الْخَوْفِ مِنَ الْقِصَاصِ أَوِ انْتِقَامِ أَهْلِ الْمَقْتُولِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ َعَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، قَالَ الْعُلَمَاءُ في مَعْنَى الْحَدِيثِ: "إِنَّ أَيَّ ذَنْبٍ وَقَعَ فِيهِ الإِنْسَانُ كَانَ لَهُ فِي الدِّينِ وَالشَّرْعِ مَخْرَجٌ إِلَّا الْقَتْلُ؛ فَإِنَّ أَمْرَهُ صَعْبٌ"، وَيُوضِحُ هَذَا مَا فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمُورِ الَّتِي لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ".
إِنَّ الْمَسْأَلَةَ خَطِيرَةٌ جِدُّ خَطَيرَة، وَمَعَ الأَسَفِ فَقَدْ تَهَاوَنَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاس، وَتَهَاوَنُوا فِي أَسْبَابِ وُقُوعِهَا، وَمَعَ كَثْرَةِ الْحَوَادِثِ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يَرْتَدِعُ وَلا يَرْعَوِي وَهَذَا أَمْرٌ لا يَجُوزُ وَلا يَحِلُّ، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهَ- وَخُذُوا الْعِبْرَةَ مِمَّا يَحْصُلُ حَوْلَكُمْ, فَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالْغَافِلُ مَنْ صَارَ عِبْرَةً لِغَيْرِهِ!.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وُنُنَبِّهُ هُنَا عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ:
الأُولى: أَنَّ مِنَ الْجُهَّالِ مَنْ إِذَا قُتِلَ قَرِيبُهُ فَإِنَّهُ يُبَادِرُ بِالانْتِقَامِ مِنْ أَقَارِبِ الْقَاتِلِ فَيَقْتُلُ مَنْ يَجِدُ مِنْهُمْ, بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِثَأْرِ قَرِيبِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ شَرْعًا وَعَقْلا، فَكَيْفَ تَقْتُلُ هَذَا الشَّخْصَ الذِي لا ذَنْبَ لَه، وَرُبَّمَا لا يَدْرِي بِالْجَرِيمَةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُشَارِكَ فِيهَا؟! ثُمَّ جَاءَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ مُخِيفٌ فِي هَذَا الْبَاب, فَعَنِ ابْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ َعَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمَ اللَّهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ لِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ"(أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ إِسْنَادَه).
ثُمَّ إِنَّنَا -بِحَمْدِ اللهِ- فِي دَوْلَةٍ تَحْكُمُ بِالْحَقِّ وَتُقِيمُ الْعَدْل، فَعَلَيْكَ بِتَبْلِيغِ الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ وَهِيَ -بِإِذْنِ اللهِ- تَقْبِضُ عَلَى الْجَانِي إِنْ عَاجِلًا أَمْ آجِلا، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ وَمُجَرَّبٌ وَللهِ الْحَمْد.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَ رِجَالَ الْأَمْنِ وَيُسَدِّدَ خُطَاهُمْ وَيُبَارِكَ فِي جُهُودِهِم, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ, وَخَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ, نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبْهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ التِي نُنَبِّهُ عَلَيْهَا وَنُحَذِّرَ مِنْهَا: فَهِيَ الْمُبَالَغَاتُ الْعَظِيمَةُ فِي الدِّيَات، التِي صَارَتَ تِجَارَةً وَدَخَلَ فِيهَا السَّمَاسِرَةُ الذِينَ جَعَلُوها طَرِيقَةً لِكَسْبِ الْمَالِ، حَتَّى سَمِعْنَا مِنَ الدِّيَاتِ مَا بَلَغَ عَشَرَاتِ الْمَلايِينِ، ثُمَّ يُحَمَّلُ النَّاسُ مِنَ الْقَبِيلَةِ التِي مِنْهَا الْقَاتِلُ مَا لا يُطِيقُون, وَهَذَا أَمْرٌ خَطِير، وَنَقُولُ لِأَوْلِيَاءِ الدَّم: "إِمَّا أَنْ تَعْفُوا إِنْ كَانَ الْعَفْوُ خَيْرا، وَأَجْرُكُمْ عَلَى الله، أَوْ أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ الدِّيَةَ التِي جَعَلَتْهَا الشَّرِيعَةُ, أَوْ تُطَالِبُوا بِقَتْلِ الْجَانِي، وَتَنْتَهِي الْمُشْكِلَةُ"، وَرُبَّمَا يَكُونُ الْقَتْلُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُمِيتُ الْقَضِيَّةَ وَتَنْتَهِي، وَأَمَّا هَذِهِ الْمَبَالِغُ التَّعْجِيزِيَّةُ فَإِنَّهَا تَحْمِيلٌ لِأَهْلِ الْجَانِي مَا لا يُطِيقُون.
وَالْوَاقِعُ أَنَّ أَهْلَ الْقَاتِلِ تَأْخُذُهُمُ الْعَاطِفَةُ وَرُبَّمَا الْحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةُ حَتَّى يَرْضَخُوا لِهَذَه الْمَطَالبِ الْخَيَالِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَقْتُولِ، وَرُبَّمَا يَخْرُجُ هَذَا الْقَاتِلُ ثُمَّ لا تَدُورُ سَنَتَهُ إِلَّا وَقَدْ أَتَى بِمُصِيبَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى أَهْلِه، وَهَذَا أَمْرٌ وَاقِع، وَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عُقَلاءَ وَلا تَأَخْذُنَا الْعَوَاطِفُ غَيْرَ الْمُنْضَبِطَة، فَكَمْ مِنْ هَؤُلاءِ الْقَتَلَةِ لا يَزَالُ عَلَى غَيِّهِ وَمُسْتَمِرًّا فِي مَعَاصِيهِ وَإِيذَاءِ النَّاس!، فَمِثْلُ هَذَا الْقَتْلُ خَيْرٌ لَهُ وَلِلنَّاس، وَيَكُونُ قَتْلُه كَفَّارَةً لِذَنْبِه، وَقَطْعًا لِدَابِرِ الْمُشْكِلَةِ التِي سَبَّبَهَا عَلَى أَقَارِبِه، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقِصَاصُ رَادِعًا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ تُسَوُّلِ لَهُ نَفْسُهُ ارْتِكَابُ هَذِهِ الْجَرِيمَة، وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 179]
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَوْجَبَ الْإِسْلَامُ إِنْقَاذَ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِمَوْتٍ أَوْ خَطَرٍ إِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُنْقِذَهُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32], وَمِنْ ذَلِكَ: مَعْرِفَةُ مَهَارَاتِ الْإِسْعَافَاتِ الْأَوَّلِيَّةِ مِنْ مَصَادِرِهَا الْمَوْثُوقَةِ، وَالْاِسْتِفَادَةُ مِنْ أَهْلِ الْاِخْتِصَاصِ فِي هَذَا الشَّأْنِ.
فَكَمْ سَمِعْنَا عَنْ شَخْصٍ مَاتَ بِسَبَبِ غَصَّةٍ بِلُقْمَةٍ, أَوْ بِقَطْعَةِ بِلَاسْتِيكٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، أَوْ مَاتَ بِسَبَبِ انْخِفَاضِ السُّكَّرِ أَوِ الضَّغْطِ, أَوْ مَاتَ بِسَبَبِ الْغَرَقِ أَوْ بِسَبَبِ التَّمَاسٍ كَهْرَبَائِيٍّ! وَكَمْ شَاهَدْنَا مَنْ يَقُومُ بِتَقْديمِ الْإِسْعَافَاتِ بِشَكْلٍ خَاطِئٍ، مِمَّا قَدْ يُضَاعِفُ الْإِصَابَةَ! وَلَوْ تَعَلَّمَ النَّاسُ الْإِسْعَافَاتِ الْأَوَّلِيَّةَ لِأَنْقَذُوا أَرْوَاحًا كَثِيرَةً -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى-.
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ تَعَلُّمَ مَهَارَاتِ الْإِسْعَافَاتِ خَاصٌ بِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ الْجَمِيعَ يُمْكِنُهُ تَعَلُّمُهَا، حَتَّى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ التَّمْيِيزِ، لَا سِيَّمَا وَأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْحَالَاتِ لَا تَسْتَدْعِي زِيَارَةَ الْمُسْتَشْفَى، فَلِهَذَا السَّبَبِ أَيْضًا يَكُونُ الْإِلْمَامُ بِمُفْرَدَاتِ الْإِسْعَافَاتِ أَمْرًا ضَرُورِيًّا لِكُلِّ شَخْصٍ مِنَّا.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا وَأَنْ يَهْدِيَ شَبَابَنَا، وَأَنْ يَحْفَظَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَأَعْرَاضَنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحًا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَناَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَا رَبَّ العَالَـمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الـمُسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ قٌلُوبٍ لَا تَخْشَعُ وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللهم احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ, اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهَمْ عَلَى الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ, والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات