عناصر الخطبة
1/ استشراء الظلم وانتشاره 2/ تعظيم أمر القتل والاعتداء على الناس 3/ آثار القتل الوخيمة في الدنيا والآخرة 4/ الحث على استغلال الإجازة الصيفية.اهداف الخطبة
اقتباس
إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ لِأَحْوَالِنَا الْيَوْمَ يَجِدُ الظُّلْمَ قَدْ كَثُرَ، وَالْبَغْيَ قَدْ اسْتَشْرَى.. حَيْثُ قَلَّ احْتِرَامُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَصَارَتِ الْعَلَاقَةُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ عُدْوَانِيَّةً، مَبْنِيَّةً عَلَى الشُّحِّ وَالأَنَانِيَّةِ، بَعْيدَةٍ عَنِ الإِيثَارِ وَمُرَاعَاةِ الآخَرِينَ. وَإِنَّ مِنْ أَسْوَأِ مَا انْتَشَرَ بَيْنَ النَّاسِ الْيَوْمَ جَرِيمَةُ الاعْتِدَاءِ عَلَى الْأَنْفُسِ، حَيْثُ صَارَ دَمُ الْمُسْلِمِ رَخِيصَاً، لا أَقُولُ: عِنْدَ الْكُفَّارِ، فَهَذَا شَأْنٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، لَكِنْ عِنْدَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا أَمْرٌ مُفْزِعٌ مُقْلِق! فَكَمْ سَمِعْنَا مِنْ قَضِيَّةِ قَتْلٍ عِنْدَ أَسْبَابٍ تَافِهَةٍ، وَكَمْ تَنَاقَلَتِ الْأَخْبَارُ قَصَّصَ خُصُومَاتٍ دَمَوِيَةٍ لِأَدْنَي مُشَادَّةٍ كَلَامِيَّةٍ، وَكَمْ حُكِمَ بِالْقِصَاصِ عَلَى أَشْخَاصٍ وَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ أَمَامَ النَّاسِ وَتَرَكُوا أُسَرَهُمْ...
الخطبة الأولى:
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ بَيْنَنَا مُحَرَّمَا، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40]، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا" (رَوَاهُ مُسْلِم).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ لِأَحْوَالِنَا الْيَوْمَ يَجِدُ الظُّلْمَ قَدْ كَثُرَ، وَالْبَغْيَ قَدْ اسْتَشْرَى، فَمِنْ ظُلْمٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى تَقْصِيرٍ فِي أَدَاءِ حُقُوقِ الْأَقَارِبِ مِنَ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِ، إِلَى اعْتِدَاءَاتٍ مُتَنِوِّعَةٍ وَبِصُوَرٍ شَتَّى عَلَى حُقُوقِ الآخَرِينَ، حَيْثُ قَلَّ احْتِرَامُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَصَارَتِ الْعَلَاقَةُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ عُدْوَانِيَّةً، مَبْنِيَّةً عَلَى الشُّحِّ وَالأَنَانِيَّةِ، بَعْيدَةٍ عَنِ الإِيثَارِ وَمُرَاعَاةِ الآخَرِينَ.
وَإِنَّ مِنْ أَسْوَأِ مَا انْتَشَرَ بَيْنَ النَّاسِ الْيَوْمَ جَرِيمَةُ الاعْتِدَاءِ عَلَى الْأَنْفُسِ، حَيْثُ صَارَ دَمُ الْمُسْلِمِ رَخِيصَاً، لا أَقُولُ: عِنْدَ الْكُفَّارِ، فَهَذَا شَأْنٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، لَكِنْ عِنْدَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا أَمْرٌ مُفْزِعٌ مُقْلِق!
فَكَمْ سَمِعْنَا مِنْ قَضِيَّةِ قَتْلٍ عِنْدَ أَسْبَابٍ تَافِهَةٍ، وَكَمْ تَنَاقَلَتِ الْأَخْبَارُ قَصَّصَ خُصُومَاتٍ دَمَوِيَةٍ لِأَدْنَي مُشَادَّةٍ كَلَامِيَّةٍ، وَكَمْ حُكِمَ بِالْقِصَاصِ عَلَى أَشْخَاصٍ وَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ أَمَامَ النَّاسِ وَتَرَكُوا أُسَرَهُمْ يُعَانُونَ الْحُزْنَ وَيُكَابِدُونَ أَلَمَ الْفِرَاقِ، وَلَوْ بَحَثْتَ عَنِ السَّبَبِ لَوَجَدْتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَسُوغَاً لِقَتْلِ حَيَوَانٍ , فَكَيْفَ بِإِرَاقَةِ دَمِ الإِنْسَان؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ شَرِيعَتَنَا الإِسْلَامِيَّةَ جَاءَتْ بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْقَتْلِ وَالاعْتِدَاءِ عَلَى الأَنْفُسِ، وَجَعَلْتْ عُقَوبَتَهُ قَوِيَّةً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
فَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَهَذِهِ خَمْسُ عُقُوبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا يُقْدِمُ مَن لَهُ أَدْنَى تَفْكِيرٍ عَلَى قَتْلِ؟
وَقَدْ جَاءَتْ الأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ كَثِيرَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَجْعَلُ كُلَّ عَاقِلٍ يَخَافُ أَشَدَّ الْخَوْفِ مِنَ الإِقْدَامِ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الشَّنْعَاء:
فَالدِّمَاءُ أَوَّلُ مَا يَتَقَاضَى النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى إِرَاقَةِ دَمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي دُنْيَاهُ قَبْلَ آخِرَتِهِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه-مَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" (رَوَاهُ البُخَارِيّ).
قاَلَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: الْفُسْحَةُ فِي الدِّينِ سَعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى إَذا جَاءَ الْقَتْلُ ضَاقَتْ؛ لِأَنَّهَا لا تَفِي بِوِزْرِهِ، وَالْفُسْحَةُ فِي الذَّنْبِ قَبُولُهُ الْغُفْرَانَ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ارْتَفَعَ الْقَبُولُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ آثَارِ الْقَتْلِ الْوَخِيمَةِ وَعُقُوبَاتِهِ الأَلِيمَةِ أَنْ الْمَقْتُولَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاتِلِهِ يُحَاجُّهُ عِنْدَ رَبِّهِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ: رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّداً، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذاً قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِيَسَارِهِ، وَآخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قُبُلِ الْعَرْشِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِي؟" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدْ شَاكِر).
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: مَنِ اسْتَحَلَّ دَمَ مُسْلِمٍ فَكَأَنَّمَا اسْتَحَلَّ دِمَاءَ النَّاسِ جَمِيعَاً، وَمَنْ حَرَّمَ دَمَ مُسْلِمٍ فَكَأَنَّمَا حَرَّمَ دِمَاءَ النَّاسِ جَمِيعَاً.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْخَسَارَةِ وَأَشَدَّ الْخُذْلَانِ: أَنْ يُوَرِّطَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي دَمٍ حَرَامٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا-: "إِنْ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ التِي لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ". (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
إِنَّ الدَّمَ الْمَعْصُومَ لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ –تَعَالَى-؛ فَلَا يَجُوزُ سَفْكَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ التَّهَاوُنُ فِي أَمْرِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَإِنَّ مِمَّا شَاعَ هَذِهِ الأَيَّامَ حَمْلَ السِّلَاحَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَتَرْوِيعَهُمْ بِهِ، وَهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ بِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ قَاتَلَ بِهِ؟ وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ جِدّاً أَنَّهُ صَارَ حَتَّى مَعَ صِغَارِ السِّنِّ , الذِينَ لَا يَحْسِبُونَ عَوَاقِبَ الأُمُورِ , وَلَا يُقَدِّرُونَ خُطُورَةَ مَا بِأَيْدِيهِمْ , عَنْ اِبْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ، فَلَيْسَ مِنَّا" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَهَذِهِ اللَّعْنَةُ يَسْتَحِقُّهَا وَلَوْ كَانَ مَازِحَاً لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَنْزَغُ فِي يَدِهِ فَتُصِيبَ الْحَدِيدَةُ أَخَاهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَعَمَّدُ إِصَابَةَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا تُثْبِتُ خُطُورَةَ أَمْرِ الدِّمَاءِ، وَتَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَتَسُدُّ كُلَّ ذَرِيعَةٍ مِنْ ذَرَائِعِ إِخَافَتِهِ وَتَرْوِيعِهِ، فَضْلاً عَنْ إيذِائِهِ وَالاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، وَأَعْظَمُ الاعْتِدَاءِ: سَفْكُ دَمِهِ، نَسْأَلُ اللهَ الْعَفْوُ وَالْعَافِيَةَ، كَمَا نَسْأَلُهُ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَ أَيْدِيَنَا مِنْ دِمَائِهِمْ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ , وَيُجِنِّبَنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قولي هذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ من كل ذنب فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَعْمَارَنَا مَحْدُودَةٌ وَأَيَّامَنَا مَعْدُودَةٌ، وَأَنَّنَا مُحَاسَبُونَ عَلَى أَوْقَاتِنَا وَمَسْؤُولُونَ عَنْ أَعْمَالِنَا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إنَّ الإِجَازَاتِ لَيْسَتَ مَحَلَّاً للْكَسَلِ أَوْ التَّفَلُّتِ مِن الطَّاعَةِ، أَوْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَّاتِ، بِحُجَّةِ أَنَّنَا فِي إِجَازَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ فَتْرَةُ اسْتَرَاحَةٍ وَاسْتِجْمَامٍ مِن أَعْبَاءِ العَمَلِ أَوْ الدِّرَاسَةِ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالبُعْدِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ! بَلْ إِنَّ الْمُوَفَّقِينَ يَسْتَغِلُّونَ إِجَازَاتِهِم فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ مِن الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ , وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الصِّيَامِ , وَسُبُلِ اسْتِغْلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ , الذِي هُوَ عَلَى الأَبْوَاب.
فَكَمْ مِنْ دَوْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ أُقِيمَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الإِجَازَاتِ! وَكَمْ مِن النَّاسِ مَنْ اسْتِفَادَ مِنْ إِجَازَتِهِ فِي حِفْظِ بَعْضِ أَجْزَاءِ القُرْآنِ وَمُرَاجَعَةِ مَحْفُوظَاتِهِ السَّابِقَة!
وَفِي الإِجاَزَةِ يَتَيَسَّرُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ التِي هِيَ عَمْلٌ صَالِحٌ وَقُرْبَةٌ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ" (مُتَّفُقٌ عَلَيْه).
كَمَا أَنَّ الإِجَازَةَ فُرْصَةٌ لِقَضَاءِ الأَعْمَالِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَإِعْطَاءِ الأَهْلِ حَقَّهُمْ، مِن الفُرْجَةِ وَغَيْرِهَا، فإِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ!
فَالإِجَازَةُ أَيُّهَا الإَخْوَةُ مِنْ أَعْمَارِنَا، وَنَحْنُ مُطَالَبُونَ بِالانْتِفَاعِ بِهَا، فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا!
اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن!
اللَّهُمَّ مَنْ قَصَدَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَتْلِ وَالتَّرْوِيعِ، وَرَامَ الْإِفْسَادَ فِي بِلَادِهِمْ، وَالتَّخْرِيبِ فِي أَوْسَاطِهِمْ فَاهْتِكْ سِتْرَهُ، وَاكْشِفْ أَمْرَهُ، وَاكْفِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ؛ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ فِي نَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَى نَحْرِهِ، وَاجْعَلُهُ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.
التعليقات