عناصر الخطبة
1/ قصة نبوية مؤثرة 2/تعظيم قدر الصلاة 3/خطورة الاستخفاف بالصلاة 4/وجوب تعلم أحكام الصلاة 5/ثلاثة أخطاء خطيرة تبطل الصلاة 6/مسائل حول الصلاة على الكراسياقتباس
كلُّ مستخفٍّ بالصّلاةِ مستهينٍ بها هوَ مستخفٌ بالإسلامِ مستهينٌ بهِ.. فاعرفْ نفسَك يا عبدَ اللهِ، واحذرْ أن تلقَى اللهَ -عزَّ وجلَ- ولا قدْرَ للإسلامِ عندَك، فإنّ قدرَ الإسلامِ في قلبِك كقَدْرِ الصّلاةِ في قلبِكَ.. فهلْ عظّمَ قدْرَ الصلاةِ مَن صلاها في البيتِ...
الخطبةُ الأولَى:
الحمدُ للهِ، أحمدُه وأسبِّحُه، لَم يزَلْ بِنعُوتِ الجلاَلِ والكَمالِ متصفاً، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، مُقراً بوحدَانيَّتِه ومُعْترِفاً، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُه المصطفَى، صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ عليهِ ومَن علَى نهِجِهِ اقتفَى.
أما بعدُ: قصةٌ مؤثرةٌ وقعتْ لنبيِكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبلَ أن يغادرَ الدنيا بأيامٍ، إنها قصتُه مع الصلاةِ بالمسجدِ.
كانَ التابعونَ يترددونَ على أمِ المؤمنينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- لسؤالِها عن هديِ النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولُ: فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، فقَالَتْ: "لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.. فَوَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ"(متفقٌ عليهِ).
فبرغمِ المرضِ، والإغماءِ، وصعوبةِ الوقوفِ والمشي، إلا أنه لم يَدَعْها.
ولأجلِ هذا اقتدَى الصحابةُ والتابعونَ بهِ مِن بعدِه. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مسعودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ، يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ.. وإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ، حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةِ"(رواهُ مسلمٌ).
أيُها الإخوةُ: الصلاةُ أولُ فروضِ الإسلامِ وهيَ آخرُ ما يُفقَدُ من الدينِ. قالَ الإمامُ أحمدُ: "كلُّ مستخفٍّ بالصّلاةِ مستهينٍ بها هوَ مستخفٌ بالإسلامِ مستهينٌ بهِ.. فاعرفْ نفسَك يا عبدَ اللهِ، واحذرْ أن تلقَى اللهَ -عزَّ وجلَ- ولا قدْرَ للإسلامِ عندَك، فإنّ قدرَ الإسلامِ في قلبِك كقَدْرِ الصّلاةِ في قلبِكَ"(كتاب الصلاة للإمام احمد ص 54).
فهلْ عظّمَ قدْرَ الصلاةِ مَن صلاها في البيتِ ولم يُصلِها مع جماعةِ المسلمينِ؟ وهلْ عظّمَ اللهَ من نامَ عن صلاتَي الفجرِ والعصرِ خصوصًا؟!
وقد رأى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رؤيا مفزعةٍ بصحبةِ ملَكينِ فقَالَ: "أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا هَذَانِ؟ قَالاَ لِي: فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ"(رواهُ البخاريُّ).
فإذا كانت هذهِ عقوبتُه في قبرهِ، فكيفَ بعذابِ القيامةِ؟! (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ)[الطور47].
فلا بدَّ أن نحافظَ على صلاتِنا في المساجدِ، ونتناصَح في ذلكَ، ولا بدَّ أيضًا أن نتفقَه فيها أكثرَ من غيرِها، وأن نحذرَ من الخللِ والخطأِ فيها. والأخطاءُ في الصلاةِ دركاتٌ: فإن كانت الأخطاءُ في تركِ مسنوناتٍ أو فعلِ مكروهاتٍ، فهذا أهونُ من تركِ واجباتٍ تُنقصُها ولا تُبطلُها. ولكنّ المصيبةَ ارتكابُ خطأٍ يُبطلُها، بحيثُ كأنه لم يُصلِها أصلاً.
وإليكمُ الآنَ ثلاثةَ أخطاءٍ خطيرةٍ تُبطلُ الصلاةَ، ويقعُ فيها بعضُ إخوانِنا، فلا بدَّ أن نُعَلّمَهم ونوجّهَهُم:
الخطأُ الأولُ: بعضُ المصلينَ حين يقومُ من السجودِ إلى الركعةِ التاليةِ يتباطأُ، وربما قرأَ آيةً أو آيتينِ من الفاتحةِ، قبلَ أن يعتدلَ قائماً. فتبطلُ تلكَ الركعةُ؛ لأنه لا يجوزُ للقادرِ على القيامِ أن يشرعَ في قراءةِ الفاتحةِ، إلا إذا استتمَ قائماً (ولقاءات الباب المفتوح 127/ 20).
الخطأُ الثاني: بعضُ الذين تفوتُهم ركعةٌ فأكثرُ، يقومُ قبلَ تسليمةِ الإمامِ التسليمةَ الثانيةِ. فإن صلاتَه تنقلبُ نفلاً، ولا تُجزؤُهُ عن الفرضِ، فالواجبُ ألا يقومَ إلا بعدَ التسليمتينِ كلتيهِما (فتاوى نور على الدرب 18/ 317).
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، وصلى اللهُ وسلمَ على رسولِ اللهِ، أما بعدُ:
فيا عبادَ اللهِ: ومن الأخطاءِ الفادحةِ في الصلاةِ: تساهُلُ بعضِ المصلينَ في الآونةِ الأخيرةِ بأداءِ الصلاةِ المكتوبةِ على الكراسي، بمجردِ أدنَى تعبٍ أو مرضٍ، والمصيبةُ أن بعضَهم تجدُه يقفُ في المناسباتِ، ويقومُ للضيوفِ كثيرًا، وإذا دخلَ المسجدَ لزمَ الكرسي! معَ أنهُ لو اتكأَ على العصا أو على الجدارِ لكفاهُ عن الكرسي.
وإليكَ حولَ الصلاةِ على الكراسيِ ثلاثَ مسائلَ:
الأولى: مَن يصلى الفريضةَ على الكرسي وهو يستطيعُ القيامَ، ولا يستطيعُ السجودَ على الأرضِ، وصلى جميعَ صلاتِه جالساً على الكرسيِ، فصلاتُه غيرُ صحيحةٍ؛ لأنَّه تَركَ ركنَ القيامِ وهو يستطيعُه. بل مَن لا يستطيعُ طولَ القيامِ، فيجبُ عليه أن يكبرَ تكبيرةَ الإحرامِ قائمًا، ثم يجلسُ.(المغني لابن قدامة 1/444).
الثانيةُ: إذا كانَ يستطيعُ السجودَ إذا جلسَ على الأرضِ، ولكنه إذا جلسَ على الكرسيِ يستطيعُ القيامَ، ويشقُ عليه السجودُ، فأيُهما أَولَى؟ فيُقالُ: الأَولَى: أن يصليَ جالسًا، فإن السجودَ ومثلَه الركوعَ لا يَسقطانِ إلا للضرورةِ.
المسألةُ الثالثةُ: موضعُ الكرسيِ في الصفِ، يساوي بهِ الصفَّ بمقعدتِه. فإن كان سيصلي قائماً، وسيجلسُ عندَ الركوعِ والسجودِ، فليُحاذِ الصفَّ عند قيامهِ.
فاللهم اجعلْنا وذرياتِنا مقيمينَ للصلاةِ، محافظينَ عليها، حافظينَ لها، قارّينَ بها عينًا. اللهم ارزقْنا عِيشةً هنيةً، وميتةً سويةً، ومردًّا غيرَ مخزٍ ولا فاضحٍ. اللهم احفظِ المسلمينَ في كلِ مكانٍ، وارفعِ الضائقةَ عنهم.
اللهم احفظْ بلادَنا وأمنَنا ودينَنا وأعراضَنا وأولادَنا. اللهم يا مجيبَ الدعواتِ احفظْ لنا ملكَنا ووليَ عهدِه، اللهم وفقهُم إلى الخيرةِ والصوابِ في قراراتِهم.
اللهم صلِ وسلِم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
التعليقات