تمام الإنعام بفرض الصيام وبركة رمضان وقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)

خالد بن عبدالرحمن الشايع

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/نعمة كمال شريعة الإسلام وتمامها 2/فرضية صيام رمضان على عباده وبعض حِكمه وغاياته 3/عدم الحرج والمشقة في الإسلام ورخص الصيام 4/ماهية الصيام وتفاوت الناس في تحصيل الأجر

اقتباس

جعله في أكمل صوره، وأحسن أحواله، وأعظم أجوره وثوابه، فإن الله -تعالى- قد كتب الصيام علينا كما كتبه على الذين من قبلنا، وقد أوجب الله الصيام لِما فيه من زكاة النفس وطهارتها، ولِما فيه من تنقيتها عن الأخلاق الرديئة والأخلاق الرذيلة، ولذلك فإن...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ: فيا أيها المسلمون: طيبوا نفسًا بأنعُمِ الله -جل وعلا-، وأعظم إنعامه هو هذه الشرائع الكاملة والعبادات التامة التي ارتضاها الله لنا وكمَّل بها الدين؛ كما قال عز من قائل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3].

 

وكان هذا الفرض من أركان الإسلام -وهو الصيام- من إنعام الله -جل وعلا- على هذه الأمة؛ حيث جعله في أكمل صوره، وأحسن أحواله، وأعظم أجوره وثوابه، فإن الله -تعالى- قد كتب الصيام علينا كما كتبه على الذين من قبلنا؛ كما قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]، فهذا خبرٌ من الله -جل وعلا- فيه الخطاب لأهل الإيمان، وأهل الإيمان إذا نُودُوا من الرب -جل وعلا-، فهذا تشريف لهم وتعظيم لما يُؤمَرون به؛ كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا سمعت الله يناديك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) فأرعِ لها سمعك، فإنه خير تُؤمَر به، أو شر تُنهى عنه"، ففي هذه الآية يخاطب الله أهل الإيمان بأنه كتب على أهل الإيمان الصيام كما كُتب على الذين من قبلنا: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 183-184] ففي هاتين الآيتين يخاطب الله المؤمنين من هذه الأمة التي استجابت للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- واتبعته بالإيمان بأنه سبحانه قد أوجب عليهم الصيام وأمرهم به، وهذا حينما قال: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) لأجل أن يتعزَّى أهلُ الإيمان، وألا يظنوا أنهم متفردون بهذا الأمر، فهي شِرعة ربانية ماضية في الأمم كلها، لكنها في هذه الأُمة على أكمل أوجُهِها، وأحسن تشريعاتها.

 

ولذلك أوجب الله هذا الصيام لِما فيه من زكاة النفس وطهارتها، ولِما فيه من تنقيتها عن الأخلاق الرديئة والأخلاق الرذيلة، ولذلك فإن الله -سبحانه- أوجبه أُسوة بالأُمم السالفة، ولتجتهد هذه الأمة بالمنافسة في هذا المضمار بالتقرب من الرحمن -جل وعلا-، فإذا كان ذلك موجبًا على الأمم السالفة؛ كما قال سبحانه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[المائدة: 48]، ولذا قال سبحانه وتعالى هنا في هذه الآية: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) حتى يكون هذا التأسي، وحتى يكون السباق من هذه الأمة لمن سلفهم، لما جعل الله لهم من الكرامة بهذا الكتاب العزيز، وبهذا النبي الأمين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183] فهذه هي حكمة الصيام، وهو تحقيق التقوى، التقوى التي يتقرَّب بها العبد من ربه، ويتباعد عن عصيانه، ويكون مؤهلًا لدخول الجنة والمباعدة عن النار، فهذه هي حكمة الصيام، ولك أن تطوف بفكرك كيفما طفت، ولك أن تتصور كل تصور في تحقيق التقوى، ولذلك يتفاوت أهل الإيمان في مدى تحقيقهم لهذه الخصلة العظيمة، ولهذه الحكمة الجليلة، فمُستقل ومُستكثر، ولذلك من الناس مَن إذا غربت شمس يومه في نهاية الصوم، كان قد حصَّل الأجور العظيمة، وقد وضع رحاله في الجنة، وأُعتِق من النار، وإنما يكون هذا بكمال صومه، وبُعده عما يُسخط الله -جل وعلا-، وبُعده عما يجرح هذا الصيام، وقد لفت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- النظر إلى هذا الأمر فيما رواه البخاري وغيره؛ حيث قال: "مَن لم يَدَع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه".

 

وهذا أسلوب بليغ من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في تحذير المؤمن من اجتراح صومه بالآثام ومساخط الرحمن، فالله -جل وعلا- ليس بحاجة أحد، وليس بحاجة طاعة أحد، لا تزيده طاعة أحد من الناس شيئًا، كما لا تنقصه معصية أحد، والله هو الغني ونحن الفقراء، ولكن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يؤكد في هذا المقام أن مَن لم يفقه حقيقة الصيام وحكمته، وهو ألا يجترحه بالآثام، وألا يخالف ما شرع لأجله من الترقي في طاعة الرحمن، ثم أتى ما يُسخط الله فهو لم يفقه حقيقة الصيام، فليس المقصود به فقط هو الإمساك عن الطعام والشراب، ولكن الحكمة أكبر وأعظم، وهي: تحقيق التقوى لله -جل وعلا-: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

 

ومن رحمة الله -سبحانه-: أنه جعل في فرضية هذا الصيام الرخصة والتيسير، فهو حتم واجب، بعد أن كان في أول الإسلام نفلًا لم يكن ثمة إيجاب للصيام إلا بعد أن أوجب الله -تعالى- في أول الإسلام صوم يوم عاشوراء، وكذلك صوم ثلاثة أيام كما جاء في بعض الروايات، ونسخ ذلك بفرضية صوم شهر رمضان المعظم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، وهذا من ألفاظ الإيجاب والفرض كما قرَّر العلماء، والله -سبحانه- يلفت نظر العباد إلى أن هذه الأيام -بما يجعل الله فيها من البركة والتيسير- ما هي إلا أيام معدودات، سَرعان ما تنقضي وتنتهي؛ قال: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) حتى يستشعر المؤمن أن الميدان إلى السباق إلى الرحمن وإلى جنته إنما هو وقت محدود.

 

وتأمَّلوا كيف كنا نترقب الشهر، وها هو ينصرم، يومان وتتوالى الأيام، ومن تأمل فيما مضى من سنوات عمره، وما صام من رمضانات ماضية مرت مرورًا عابرًا، ذهبت بما كان فيها من عطش أو غير ذلك، لكن يبقى الأجر عند الله -جل وعلا-، وهذا الموسم العظيم مَن لم يحقق فيه هذا المقصد -وهو دخول الجنة ومحو كل السيئات- فهو مغبون ولا شك؛ لأن هذا الشهر الكريم مسببات المغفرة فيه ومجالاتها والقرب من الرحمن عديدة كثيرة متوالية؛ سواءً ما كان منها فيما شرَع الله -تعالى- في الصيام والصلاة، وغير ذلك من الطاعات، أو في غير ما هذا مما يضاعفه الله من الثواب، فما من ليلة تمضي إلا ولله فيها عُتقاء من النار، فتأمَّل -يا عبدالله- وقد مضت ليلتان هل أنت في ديوان هؤلاء الذين أعتقوا من النار؟ أم أن الحال بغير ذلك؟

 

وهذا يعرفه المؤمن بما يكون منه من عمل الطاعات، فالمؤمن يدرك هل هو قائمٌ بما أوجب الله، أم أنه متقاصرٌ عن ذلك؟ (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[القيامة: 14-15]، (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 184].

 

وهذا من صور التيسير والسماحة في دين الإسلام: بأن من كان مريضًا أو كان مسافرًا، فهو معذور في ألا يصوم، وإنما عليه بعد الفطر إن كان له عارض مرض يَمنعه من الصوم، أو سفر يشق به الصوم، أو مرض يشق عليه معه الصوم، فإنه يفطر ويقضي مكانها، وهذا من التيسير والسماحة في دين الإسلام؛ كما قال سبحانه في الآية بعدها: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185]، وفي قوله جل وعلا: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 184].

 

ذكر العلماء أن هذا كان في أول الإسلام، هنالك التخيير بين الصيام وبين الفطر، وأن يكون مكانه الإطعام، هذا كان في أول الإسلام على قول طائفة من العلماء، ومن أهل العلم من يقول: إن قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) يعني: يتكلفونه، وهو كالشيخ الكبير، والرجل الهرم، فإنه إذا لم يستطع الصيام، فله الفطر والإطعام مكانه، وهذا ما رجَّحه بعض أهل العلم كالشيخ السعدي -رحمه الله- وغيره، والمقصود أن هذا الشهر استقرت فرضيته والأمر بصيامه، ولا يُعذَر في ذلك إلا أهل الأعذار؛ من مثل: المسافر، والمريض، وقد أوجب الله على مَن أفطر أن يقضي مكانه أيامًا أُخَر؛ سواءً كانت متوالية، أو متفرقة، وسواءً كانت في وقت طول النهار، أو قِصَره، كل ذلك يُجزئه، وقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 184] يُبيِّن الله -جل وعلا- ما في امتثال أمره بصيام هذا الشهر الكريم من الثمرات العظيمة، وحصول الأجور الجزيلة منه جل وعلا، فينبغي أن يُقبل المؤمن على صوم هذا الشهر طيبةً به نفسه، وقد حرص على أن ينال فيه من الثواب، وأن يسابق إلى جنة الله -جل وعلا-، فأبواب الخير فيه كثيرة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ: أيها الإخوة الكرام: إن عامة الناس يشتركون جميعًا في هذا الصوم الظاهر، وهو الإمساك عن المفطرات؛ من الطعام والشراب والوقاع، من أول النهار إلى غروب الشمس، وهذه هي الصورة الظاهرة للصيام، ولكن يكون بينهم من التفاوت في الأجور، وفي رضا الرب الغفور كما بين السماء والأرض، وإنما يكون هذا التفاوت بما يتحقق في قلب العبد وما يقوم فيه من تعظيم الله -جل وعلا-، وانعكاس آثار هذه الفريضة العظيمة على العبد، فإن الله -جل وعلا- لم يشرع هذا الصوم لأجل أن يعذب الناس أنفسهم، أو يؤذوها بالإمساك عن الطعام والشراب، فليس هذا مقصودًا في أن يتأذى أحد بعبادةٍ شرَعها الله -جل وعلا-؛ فإن الله -سبحانه- قال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج: 78].

 

ولَمَّا رأى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بعض الذين قاموا بعبادات ابتدعوها، من مثل من يقف في الشمس وقت الظهيرة، ومثل من يمشي حافيًا يريد الحج معه، وغير ذلك من مثل هذه التصرفات التي كانت من بعض الناس في زمانه، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم ولبعضهم: "إن الله غني عن تعذيب هذا لنفسه"، فليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود هو تحقيق التقوى، وهو أن يتدرَّب المؤمن على أن يكون قائمًا بما أوجب الله -جل وعلا-، متقاصرًا عما نهى؛ أما أن يكون التخيير لدى الإنسان فيما يأتي من الطاعات، وفيما يذَر من السيئات، فما اشتهته نفسه عمله، وما لم يوافق هواه اقتحمه من الآثام والسيئات وغير ذلك، فهذا مما يخالف مقتضى التقوى التي توجب على المؤمن أن ينظر في كل ما أمر الله فيأتيه، وما نهى عنه فينتهي عنه، فالصيام مقصوده تحقيق التقوى؛ كما في هذه الآية الكريمة.

وبهذا يعلم أنه حينما يأتي الإنسان في حال صيامه أو في حال ليل الصيام بما يسخط الرحمن: أن هذه علامة على أن هذا العبد لم يَفقه حقيقة الصيام، وأنه لم يوفَّق للقبول؛ لأن من قُبِل عند الله -جل وعلا-، وفِّق للمزيد من الطاعات، والانكفاف عن السيئات، ولذلك من أعظم العلامات التي يَعلمُ بها الإنسان هل قُبِل عملُه أو رُدَّ: أن ينظر إن كان ثمة إقبال على الطاعات وحب لها، وتقاصر عن السيئات، وبُغض لها، فهذه علامة الرضا، وعلامة حب الله -جل وعلا- للعبد؛ كما يدل على ذلك قوله سبحانه: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحجرات: 7-8].

 

فأعظم الفضل الذي يؤتاه العبد أن يوفَّق للطاعات، وأعظم عقوبة يعاقب بها الإنسان أن يُمكَّن من السيئات، وألا يُحال بينه وبينها؛ لأن المؤمن إذا أحبه الله زاده طاعةً له وقربًا منه، وانكفافًا عن السيئات، أما الذين ارتكست قلوبهم بحب السيئات والتعلق بها، فلا يزالون متوالين فيها، حتى تكون أمرًا مُشتهًى في أنفسهم، تألفه قلوبهم إلى آخر لحظات أعمارهم، كما يُبيِّنه قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن العبد إذا عمل الخطيئة، نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو تاب ورجع صقل قلبه، وإن هو زاد زِيدَ في تلك النكتة السوداء، حتى يغشى قلبَه الران" ثم تلا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قول الله -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[المطففين: 14].

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا في ذلك، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وارض عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء والأموات. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

 

اللهم وفِّقنا للخيرات، وأعذنا من الشرور والمنكرات. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا. (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].

 

اللهم بمنِّك وفضلك لا تدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّسته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مُبتلًى إلا عافيته، ولا سائلًا إلا أعطيته برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعنا على كل خير، وأعذنا من كل إثم يا رب العالمين. اللهم أدم علينا الخير والطمأنينة والأمن في بلادنا. اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم وفِّق ولاة أمورنا لما تحب وترضاه. اللهم أيِّد إمامنا بالتوفيق والخير والبر والتقوى. اللهم اجعله رحمة على رعاياه. اللهم اجعله رحمة على رعيته يا رب العالمين.

 

اللهم أعذنا من الفتن، اللهم أعذنا من الفتن، اللهم أعذنا من الفتن؛ ما ظهر منها، وما بطن.

 

اللهم ثبِّت أقدام جنودنا المرابطين في الثغور، اللهم احفظهم، اللهم سدِّد رميهم. اللهم انصرنا على القوم المعتدين من الحوثيين وغيرهم وأعوانهم يا رب العالمين. اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان. اللهم ارحم ضَعْف إخواننا في الشام وفي فلسطين وليبيا، وفي غيرها من البلاد. اللهم احقن دماءهم، اللهم انصرهم على من ظلمهم يا رب العالمين.

 

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات
QkQw8NqMf1Zj1e9ceKGwlt4ZrBWQ1193vE2jLjq3.doc
XUl0HUS2KZt5cAQshRl4YjpW1KNex5EkpzOaAJNL.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life