تكريم المرأة في الإسلام

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا المرأة
عناصر الخطبة
1/تكريم الإسلام للمرأة. 2/المرأة في قانون الغرب. 3/واجب المرأة في الإسلام. 4/ما يراد بالمرأة. 5/نماذج من قدوات النساء.

اقتباس

وَعَلَى النَّقِيضِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامًا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- تَجِدُونَ حَالَ الْمَرْأَةِ فِي الْغَرْبِ؛ فَهِيَ تَحْيَا تَحْتَ ظِلِّ الْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ وَالتَّنَقُّصِ وَالظُّلْمِ، فَهِيَ سِلْعَةٌ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى! وَتَسْلِيَةٌ يَتَسَلَّى بِهَا الرِّجَالُ ثُمَّ يُلْقُونَهَا! وَهِيَ عِنْدَ بَعْضِ الْحَضَارَاتِ عَارٌ عَلَى مَنِ ابْتُلِيَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

يَا عِبَادَ اللَّهِ: "إِنَّ الْمَرْأَةَ نِصْفُ الْمُجْتَمَعِ، وَهِيَ تُرَبِّي لَنَا النِّصْفَ الْآخَرَ، فَهِيَ الْمُجْتَمَعُ كُلُّهُ" هَكَذَا قَالُوا عَنِ الْمَرْأَةِ، وَصَدَقُوا؛ فَإِنَّهَا هِيَ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ وَالْبِنْتُ وَالْأُخْتُ وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ... فَإِذَا صَلَحَتِ الْمَرْأَةُ صَلُحَ الْمُجْتَمَعُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ بِفَسَادِهَا كُلُّ شَيْءٍ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ كَرَّمَ الْإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ تَكْرِيمًا لَمْ تَنَلْهُ فِي أَيِّ مِلَّةٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ حَضَارَةٍ، فَقَدْ وَصَّى بِهَا الرِّجَالَ لِيَجْعَلُوهَا تَاجَ رُؤُوسِهِمْ وَقُرَّةَ عُيُونِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ الْإِسْلَامِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَقَدْ جَعَلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "النِّسَاءَ شَقَائِقَ الرِّجَالِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

فَهُنَّ كَالرِّجَالِ فِي التَّكْلِيفَاتِ وَأُجُورِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النَّحْلِ: 97]، وَيُقَرِّرُ الْجَلِيلُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَائِلًا: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 195]، قَالَ الْخَازِنُ: "أَيْ: بَعْضُكُمْ كَبَعْضٍ فِي الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ".

 

وَقَدْ كَرَّمَ الْإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ أُمًّا وَقَدَّمَ حَقَّهَا عَلَى حَقِّ الْأَبِ، فَحِينَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ " فَأَجَابَهُ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

بَلْ قَدَّمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَّهَا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا؛ فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ "قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

 

وَكَرَّمَهَا بِنْتًا وَأُخْتًا فَجَعَلَ إِعَالَتَهَا وَحُسْنَ تَرْبِيَتِهَا مُوجِبًا لِلْجَنَّةِ وَنَجَاةً مِنَ النَّارِ، يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ، وَسَقَاهُنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ: "لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ".

 

وَكَرَّمَهَا الْإِسْلَامُ زَوْجَةً؛ فَجَعَلَ حُسْنَ مُعَامَلَتِهَا وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهَا مِقْيَاسًا لِخَيْرِيَّةِ زَوْجِهَا؛ فَمَنْ أَكْرَمَهَا فَهُوَ الْكَرِيمُ، وَمَنْ أَهَانَهَا فَهُوَ اللَّئِيمُ، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَكَرَّمَهَا خَالَةً؛ فَجَعَلَ بِرَّهَا مُكَفِّرًا لِلسَّيِّئَاتِ؛ فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ فَأَجَابَهُ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَبِرَّهَا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَعَلَى النَّقِيضِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامًا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- تَجِدُونَ حَالَ الْمَرْأَةِ فِي الْغَرْبِ؛ فَهِيَ تَحْيَا تَحْتَ ظِلِّ الْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ وَالتَّنَقُّصِ وَالظُّلْمِ، فَهِيَ سِلْعَةٌ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى! وَتَسْلِيَةٌ يَتَسَلَّى بِهَا الرِّجَالُ ثُمَّ يُلْقُونَهَا! وَهِيَ عِنْدَ بَعْضِ الْحَضَارَاتِ عَارٌ عَلَى مَنِ ابْتُلِيَ بِهَا، وَنَجَاسَةٌ يَجِبُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا، كَمَا كَانَ الْحَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ)[النَّحْلِ: 58-59].

 

فَهِيَ عِنْدَ الْإِغْرِيقِ سَبَبُ الْأَزْمَةِ وَالِانْهِيَارِ، حَتَّى شَبَّهُوهَا بِشَجَرَةٍ مَسْمُومَةٍ، وَهِيَ عِنْدَ الرُّومَانِ كَائِنٌ بِغَيْرِ شُعُورٍ وَبِلَا رُوحٍ؛ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَسْكُبُونَ عَلَيْهَا الزَّيْتَ الْمَغْلِيَّ، وَهِيَ عِنْدَ الْفُرْسِ كَائِنٌ وَضِيعٌ يَعْتَزِلُونَهَا إِذَا حَاضَتْ، وَتُنْصَبُ لَهَا خَيْمَةٌ؛ لِأَنَّ مُخَالَطَتَهَا تَجْلِبُ الشَّرَّ وَالنَّحْسَ، أَمَّا الْهُنُودُ فَيَقُولُونَ: لَيْسَ الْمَوْتُ وَالْجَحِيمُ وَالسُّمُّ وَالْأَفَاعِي وَالنَّارُ أَسْوَأَ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ عِنْدَ الْيَهُودِ تُمْلَكُ وَتُبَاعُ وَتُشْتَرَى وَتُورَثُ، وَعِنْدَ النَّصَارَى هِيَ سَبَبُ خُرُوجِ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَصْلُ الشَّرِّ، وَرَأْسُ الْخَطِيئَةِ، وَسَبَبُ كُلِّ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ...

 

وَهِيَ عِنْدَ الْعَلْمَانِيِّينَ وَالشَّهْوَانِيِّينَ لَيْسَ سِوَى جَارِيَةٍ فِي سُوقِ الرَّقِيقِ، أَوْ غَانِيَةٍ فِي طُرُقَاتِ اللَّيْلِ، أَوْ خَادِمَةٍ فِي بُيُوتِ الْأَثْرِيَاءِ، أَوْ رَاقِصَةٍ عَلَى شَاشَاتِ الْفَضَائِيَّاتِ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ سِوَى أَنْ تَكُونَ مُصَانَةً أَوْ مُعَزَّزَةً أَوْ مُكَرَّمَةً!

 

أَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ رَاعَى فِطْرَةَ الْمَرْأَةِ وَطَبِيعَتَهَا وَمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الرِّقَّةِ وَحُبِّ الزِّينَةِ، فَجَعَلَهَا مَلِكَةً مَصُونَةً سَيِّدَةً فِي بَيْتِهَا؛ وَمِنْ تَكْرِيمِهِ لَهَا وَمُرَاعَاتِهِ أَسْقَطَ عَنْهَا بَعْضَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي كَلَّفَ بِهَا الرَّجُلَ؛ كَصَلَاةِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَأَحَالَ قِوَامَةَ الْبَيْتِ عَلَى الرَّجُلِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ تَوْفِيرَ مُقَوِّمَاتِ الْعَيْشِ الضَّرُورِيَّةِ عَلَيْهَا وَعَلَى أَوْلَادِهَا.

 

وَكَانَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِهَا وَتَقْدِيرِهِ لِطَبِيعَتِهَا وَمَكَانَتِهَا أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِنَّ الْجِهَادَ، بَلْ عَلَى الرَّجُلِ وَاجِبُ الدِّفَاعِ عَنْهُنَّ، وَالْمَوْتُ شَهَادَةٌ فِي سَبِيلِ حِمَايَتِهَا، كَمَا أَعْفَاهَا الْإِسْلَامُ مِنْ تَوَلِّي الْوِلَايَةِ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ أَضْخَمُ الْمَسْؤُولِيَّاتِ، وَالَّتِي تَتَطَلَّبُ بُرُوزًا وَعَنَاءً وَنَصَبًا.

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ كَرَّمَ الْإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ، وَأَوْكَلَ إِلَيْهَا أُمُورًا تُحَافِظُ بِهَا عَلَى مَا مَنَحَهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ وَمَكَانَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِتَصِلَ إِلَى مَصَافِّ الْكِرَامِ الْأَصْفِيَاءِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ:

طَاعَةُ رَبِّهَا، ثُمَّ طَاعَةُ زَوْجِهَا: وَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَقَّيْنِ حِينَ قَالَ: "الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ"(رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ). وَقَوْلُهُ: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النِّسَاءِ: 34]، فَمَعْنَى: "قَانِتَاتٌ" كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، وَمَعْنَى: "حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ" كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ: "أَيْ: تَحْفَظُ زَوْجَهَا فِي غَيْبَتِهِ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ".

 

وَمِنْهَا: التَّزَوُّدُ مِنَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ: فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ كَمَا يَشْمَلُ الرَّجُلَ.

 

وَمِنْهَا: رِعَايَةُ بَيْتِهَا وَحُسْنُ تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا: وَلَعَلَّهَا وَظِيفَتُهَا الدُّنْيَوِيَّةُ الْأَهَمُّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَأَهَمُّ مَا فِي رِعَايَةِ الْبَيْتِ هُوَ تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ تَرْبِيَةً إِسْلَامِيَّةً قَوِيمَةً؛ إِذْ هِيَ بِذَلِكَ تُخَرِّجُ لِلْأُمَّةِ جِيلًا سَوِيًّا يَحْمِلُ لَهَا مِشْعَلَ عِزَّتِهَا.

 

الْأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعَهَّدَهُ الْحَيَا *** بِالرَّيِّ أَوْرَقَ أَيَّمَا إِيرَاقِ

الْأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا *** أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الْأَعْرَاقِ

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لَا يَنْفَكُّونَ يُدَبِّرُونَ وَيُخَطِّطُونَ لِإِفْسَادِ الْمَرْأَةِ وَإِبْعَادِهَا عَنْ رَبِّهَا وَعَنْ دِينِهَا، فَهُمْ يَخْدَعُونَهَا بِالْمُسَاوَاةِ التَّامَّةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، مَعَ أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَالَ: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)[آلِ عِمْرَانَ: 36].

 

وَهُمْ يَسْتَخْدِمُونَهَا أَدَاةً لِإِفْسَادِ الرِّجَالِ كَذَلِكَ، فَيُغْرُونَهَا بِمُوضَاتِ الْعُرْيِ وَالْخَلَاعَةِ، وَبِالتَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمِشْيَةِ وَالتَّكَلُّمِ... وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَعَدَّ مِنْهُمْ: "وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ)، وَيَرْوِي الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ".

 

وَهُمْ يُمَنُّونَهَا بِلَوْثَةِ الْحُبِّ وَالْغَرَامِ وَالْهُيَامِ، لِتُغْرِقَ الْمُجْتَمَعَ كُلَّهُ فِي النَّزَوَاتِ وَالشَّبَقَ، خَاصَّةً مَعَ مَا قَرَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَرُبَّمَا زَجُّوا بِهَا فِي مَجَالَاتٍ لَا تَلِيقُ بِأُنُوثَتِهَا، أَوْ تَتَعَارَضُ مَعَ رِقَّتِهَا وَضَعْفِهَا؛ كَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الْخَاصَّةِ بِالرِّجَالِ.

 

قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَلِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَعَلَى النَّقِيضِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ حَالِ الْمَرْأَةِ فِي الْغَرْبِ، وَعَلَى عَكْسِ هَؤُلَاءِ الْمَخْدُوعَاتِ وَالْمُغَرَّرِ بِهِنَّ، تَجِدُ الْإِسْلَامَ قَدْ أَخْرَجَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ آلَافِ الرِّجَالِ.

 

فَفِي مَجَالِ النُّصْرَةِ وَالْمُؤَازَرَةِ تَبْرُزُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ الَّتِي سَانَدَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآزَرَتْهُ وَمُقْسِمَةً لَهُ: "أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَيَتَنَزَّلُ جِبْرِيلُ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ الرَّبَّانِيَّةِ: "فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَفِي الثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ وَطَلَبِ الْجَنَّةِ تَبْرُزُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ الَّتِي رَفَضَتْ طُغْيَانَ زَوْجِهَا وَقَالَتْ: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)[التَّحْرِيمِ: 11].

 

وَإِذَا ذُكِرَتِ الْعِفَّةُ وَالطِّهَارَةُ ذُكِرَتْ مَرْيَمُ الصِّدِّيقَةُ (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا)[التَّحْرِيمِ: 12]، وَذُكِرَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ الَّتِي تَنَزَّلَ الْقُرْآنُ بِبَرَاءَتِهَا... وَقَدْ ذَكَرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَنَا قَائِلًا: "... وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَفِي الشَّجَاعَةِ وَالْإِقْدَامِ انْظُرْ إِلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَاتِلَةِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي طَافَ بِالْحِصْنِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ...

 

وَفِي رَجَاحَةِ الرَّأْيِ فَهَذِهِ أُمُّ سَلَمَةَ صَاحِبَةُ الْمَشُورَةِ الذَّكِيَّةِ يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ...

 

وَبَيْنَ الْكُبَرَاءِ وَالسَّادَاتِ تُذْكَرُ فَاطِمَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَهِيَ: "سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ كَمِثْلِ هَذِي *** لَفُضِّلَتِ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ

وَمَا التَّأْنِيثُ لِاسْمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ *** وَلَا التَّذْكِيرُ فَخْرٌ لِلْهِلَالِ

 

فَاللَّهُمَّ جَمِّلْ نِسَاءَنَا وَفَتَيَاتِنَا بِالْعِفَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحِجَابِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

المرفقات
tIdXdLHejdSaqzrYq2EQ1PuY7UCcuRXWr0BUb0M4.doc
9DbJn5fyjw612oBiFRHXjd2HDiZBMBch8dp6WLEo.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life