اقتباس
وقال الصابوني: في مثل هذا الزمان الذي كثر فيه أعوان الشيطان، وانتشر فيه الفسق والفجور، فلا يقول أحد بجواز كشفه، لا من العلماء، ولا من العقلاء؛ إذ من يرى هذا الداء والوباء الذي فشى في الأمة وخاصة بين النساء بتقليدهن لنساء الأجانب، فإنه يقطع بحرمة كشف الوجه؛ لأن الفتنة مؤكدة والفساد محقق ودعاء السوء منتشرون [روائع البيان تفسير آيات الأحكام: 2/157].
خرج بعض المفتونين يدعون أن تغطية الوجه عادة وليست عبادة، وأنه يجوز شرعا للمرأة أن تكشف وجهها، وأن تغطية الوجه لم يقل به إلا علماؤنا، ولن أنقل هنا عن علمائنا بل عن مفسرين متقدمين ومتأخرين من شتى المذاهب الفقهية.
فأكثر المفسرين فيما وقفت عليه من كلامهم يرون أن حجاب المسلمة يتضمن تغطية الوجه، وذلك في تفسيرهم لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59].
قال الطبري: لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن. ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن؛ لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول، ثم أسند الطبري إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة. [تفسير الطبري 20/324]
وقال السمرقندي: ويقال: يعني: يرخين الجلابيب على وجوههن.[بحر العلوم: 3/73].
وقال ابن أبي زمنين: والجلباب الرداء؛ يعني: يتقنعن به. [تفسير القرآن العزيز: 3/412].
وقال الثعلبي -رحمه الله تعالى-: أي: يرخين أرديتهن وملاحفهن فيتقنعن بها، ويغطين وجوههن ورؤوسهن [الكشف والبيان: 8 /64].
وقال الكيا الهراسي -رحمه الله تعالى-: الجلباب: الرداء، فأمرهن بتغطية وجوههن ورؤوسهن [أحكام القرآن: 4/350].
وقال الزمخشري -رحمه الله تعالى-: ومعنى يدنين عليهن من جلابيبهن يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن [الكشاف: 3/560].
وقال العز بن عبد السلام: الجلباب: الرداء، أو القناع، أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها، أو تغطي به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى [تفسير العز: 2/590.].
وقال البيضاوي: يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة [أنوار التنزيل: 4/238]
وقال النسفي -رحمه الله تعالى-: يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة ادن ثوبك على وجهك [مدارك التنزيل: 3/45].
وقال ابن جزي -رحمه الله تعالى-: فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن [التسهيل: 2/159].
وقال السيوطي -رحمه الله تعالى-: أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة [تفسير الجلالين:560].
وقال البقاعي: أي: على وجوهن وجميع أبدانهن فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً [نظم الدرر:15/411].
وقال أبو السعود: أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن إذا برزن لداعية من الدواعي [إرشاد العقل السليم:7/115].
وقال أبو الفداء الخلواتي: والمعنى يغطين بها وجوههن وأبدانهن وقت خروجهن من بيوتهن لحاجة، ولا يخرجن مكشوفات الوجوه والأبدان [روح البيان: 7/240].
وقال المراغي -رحمه الله تعالى-: أي يرخين ويسدلن، يقال للمرأة إذا زل الثوب عن وجهها أدني ثوبك على وجهك [تفسير المراغي: 22/36].
وتناقل فقهاء الشافعية في كتب المذهب اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه [ينظر: أسنى المطالب: 3/109، والإقناع للشربيني: 2/403، ومغني المحتاج: 3/129، وغاية البيان: 247، وحاشية قيلوبي وعميرة: 3/209، وحاشية الجمل: 4/123، وإعانة الطالبين: 3/258].
وقال أبو حامد الغزالي -رحمه الله تعالى-: لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات [إحياء علوم الدين: 2/47].
ونقل الشوكاني -رحمه الله تعالى- اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق [نيل الأوطار: 6/137.
وقال الصابوني: في مثل هذا الزمان الذي كثر فيه أعوان الشيطان، وانتشر فيه الفسق والفجور، فلا يقول أحد بجواز كشفه، لا من العلماء، ولا من العقلاء؛ إذ من يرى هذا الداء والوباء الذي فشى في الأمة وخاصة بين النساء بتقليدهن لنساء الأجانب، فإنه يقطع بحرمة كشف الوجه؛ لأن الفتنة مؤكدة والفساد محقق ودعاء السوء منتشرون [روائع البيان تفسير آيات الأحكام: 2/157].
وقال أيضًا: ظهرت في هذه الأيام الحديثة، دعوة تطورية جديدة، تدعو المرأة إلى أن تسفر عن وجهها، وتترك النقاب الذي اعتادت أن تضعه عند الخروج من المنزل، بحجة أن النقاب ليس من الحجاب الشرعي، وأن الوجه ليس بعورة. دعوة تجددية من أناس يريدون أن يظهروا بمظهر الأئمة المصلحين الذين يبعثهم الله على رأس كل مائة سنة ليجددوا للأمة أمر دينها، ويبعثوا فيها روح التضحية، والإيمان، والكفاح...لقد لاقت هذه الدعوة -بدعة كشف الوجه- رواجاً بين صفوف كثير من الشباب وخاصة منهم العصريين، لا لأنها دعوة حق ولكن لأنها تلبي داعي الهوى... ولو أن هؤلاء المجدِّدين اقتصرت دعوتهم على النساء العاريات، المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى، اللواتي خالفن تعاليم الإسلام بخلعهن للحجاب فدعوهن إلى التستر والاحتشام وارتداء الجلباب الذي أمرهن به الله -عَزَّ وَجَلَّ -وقالوا لهن: إن أمر الوجه والكفين فيهما سعة وإن بإمكانهن أن يسترن أجسادهن ويكشفن وجوههن لهان الخطب، وسهل الأمر، وكانت دعوتهم مقبولة؛ لأنها تدرج بالتشريع بطريق الحكمة، ولكنهم يدعون المرأة المؤمنة المحتشمة الساترة لما أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ -ستره، فيزينون لها أن تكشف عن وجهها وتخرج عن حيائها ووقارها فتطرح النقاب تطبيقاً للكتاب والسنة بحجة أن الوجه ليس من العورة؟
لقد شرط الفقهاء - الذين قالوا بأن الوجه ليس بعورة - أمن الفتنة فقالوا: الوجه ليس بعورة، ولكن يحرم كشفه خشية الفتنة، فهل الفتنة مأمونة في مثل هذا الزمان؟
والإسلام قد حرم على المرأة أن تكشف شيئاً من عورتها أمام الأجانب خشية الفتنة، فهل يعقل أن يأمرها الإسلام أن تستر شعرها وقدميها وأن يسمح لها أن تكشف وجهها ويديها؟ وأيهما تكون فيه الفتنة أكبر الوجه أم القدم؟
ولمّا كان الوجه أصل الزينة، ومصدر الجمال والفتنة؛ لذلك كان ستره ضرورياً عن الأجانب، والذين قالوا إن الوجه ليس بعورة اشترطوا ألاّ يكون عليه شيء من الزينة كالأصباغ والمساحيق التي توضع عادة للتجمّل، وبشرط أمن الفتنة، فإذا لم تؤمن الفتنة فيحرم كشفه. وممّا لا شك فيه أن الفتنة في هذا الزمان غير مأمونة، لذا نرى وجوب ستر الوجه حفاظاً على كرامة المسلمة [روائع البيان تفسير آيات الأحكام: 2/171-182].
التعليقات