عناصر الخطبة
1/أهمية الرؤى الصالحة 2/مكانة الرؤى في الشريعة الإسلامية 3/الرؤى في حياة الأنبياء والصالحين 4/أقسام الرؤى وأحوالها 5/خطورة الكذب في الرؤى 6/آداب تأويل الرؤى والمنامات 7/التحذير من الأدعياء والمفسدين.اقتباس
انْتَشَرَ مُؤَخَّرًا بِشَكْلٍ مُخِيفٍ تَعْبِيرُ الرُّؤَى فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، وَدَخَلَ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ.. فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ الْحَذَرُ الشَّدِيدُ، مِنْ هَؤُلاءِ الذِينَ صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَجْعَلُونَ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا وَسِيلَةً لِكَسْبِ الْمَالِ، وَلا يَهُمُّهُمْ مَا قَدْ يَقَعُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ مَصَائِبَ بِسَبَبِ تَعْبِيرِهِمْ، أَوْ مِنْ تَعْلِيقِهِمْ بِالْأَوْهَامِ وَالْخَيَالاتِ...
الخطبةُ الأولَى:
الْحَمْدُ للهِ الْمُبْدِئِ الْمُعِيدِ، الفَّعَالِ لِمَا يُرِيدُ، ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، وَالْبَطْشِ الشَّدِيد، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْوَعِيدِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ نِعمِ اللَّهِ الْبَاطِنَةِ وَعَجَائِبِ صُنْعِهِ الْباهِرَةِ؛ أَنْ أَبْقَى جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ لِمَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنَ الْغَيْبِ يُطْلِعُ عَلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فِي مَنَامِهِمْ، قَالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ"، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيّ).
فَفِيهَا مِنْ بَدِيعِ عِلْمِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ مَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ فِي إِيمَانِهِ، فَتُنَبِّؤُهُ عَنِ الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ مَا يُغنِيهِ عَنِ كَذِبِ الْكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ، وَفِيهَا حَثٌّ عَلَى الْخَيْرِ، وَتَحْذِيرٌ مِنَ الشَّرِّ، وَبِشَارَةٌ وَنِذَارَةٌ.
وَلِلرُّؤْيَا فِي الشَّرْعِ مَقَامٌ عَظِيمٌ؛ فَهِيَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ِ-عَلَيِهِمُ السَّلَامُ- تَثْبِيتٌ لَهُمْ فِي أَشَدِّ الْمِحَنِ وَالْأَحدَاثِ، وَهِيَ وَحْيٌ لَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِإِسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)[الصافات: 102]؛ فَرَفَعَ اللَّهُ مَقَامَهُ بِتَصْدِيقِهِ الرُّؤيَا وَامْتِثَالِهِ أَمْرَ رَبِّهِ، فَأَبْقَى لَهُ ثَنَاءً صَادِقًا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.
وَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بدأت حياتُه برؤيا؛ (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف: 4]؛ وَتَحَقَّقَتْ رُؤْيَاهُ بِعِزٍّ لَهُ وَرِفْعَة. وَأَوَّلُ الْخَيْرِ وَالنُّورِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ بِالرُّؤيَا؛ قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"(مُتَّفَق عَلَيْهِ).
وَكَانَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا يَقُصُّهَا عَلَى أَصْحَابِهِ؛ بَلْ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ وَيَسْأَلُهُمْ؛ "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ البَارِحَةَ رُؤْيَا؟"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ الرُّؤى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَقٌّ لا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا، وَالاثْنَتَانِ إِمَّا مِنَ الشَّيْطَانَ، وَإِمَّا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ؛ قَالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ المَرْءُ نَفْسَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِم).
فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ تَسُرُّ الْمُؤْمِنَ وَلا تَغُرُّه، وَهِيَ جُزْءٌ مِنَ النُّبوَّةِ؛ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَهِيَ مِنَ الْمُبَشِّراتِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ؛ سُئِلَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)[يونس: 64]؛ فَقَالَ: "هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا المُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).
وَالْكَاذِبُ فِي نَوْمِهِ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ أَرَاهُ مَا لَمْ يَرَهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَيُؤْمَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا لا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ مُبَالَغَةً فِي التَّعْذِيبِ؛ قَالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ؛ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمَنْ رَأَى رُؤْيَا يُحِبُّها اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَسْتَبْشِرَ بِهَا، وَأَنْ يُحَدِّثَ بِهَا مَنْ يُحِبُّ، أمَّا الْحَاسِدُ وَالْكَائِدُ فَلا يُحدِّثْهُمَا بِمَا رَأَى، قَالَ يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا)[يوسف: 5].
ومَنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ يُسَنُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّها، وَمِنْ شَرِّ الشَّيطَانِ، وَيَبْصُقَ عَنْ يَسَارهِ ثَلَاثًا، وَيَتَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ الذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَلا يُحدِّثْ بِهَا أَحَدًا، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا؛ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ التَأْوِيلَ مِنْ عُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلِ الإِيمَانِ، وَهُوَ عِلْمٌ عَزِيزٌ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَوْهِبَةِ وَالاكْتِسَابِ، وَنِعْمَةٌ يَمُنُّ اللَّهُ بِهَا عَلَى مَنْ يَشْاءُ، قَالَ -تَعَالَى- إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)[يوسف: 21].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمَنْ رَغِبَ فِي تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُ فَلا يُعِبِّرْهَا إِلَّا عِنْدَ عَالِمٍ بِالتَّأْوِيلِ؛ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَصَدَّرَ يُحْسِنُ أَنْ يُعَبِّرَ، وَلا مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى كُتُبِ الرُّؤْيَا مُعَبِّرٌ؛ فَلهَا حَالٌ مَعَ الْأَشْخَاصِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ؛ قِيلَ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: "أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟!"
وَمَنْ وَهَبَهُ اللَّهُ حُسْنَ التَّأْوِيلِ فَلْيَلْزَمْ تَقْوَى اللَّهِ، وَلْيَبْتَعِدْ عَنِ الرِّياءِ وحُبِّ الشُّهْرَةِ، وَلْيَسْأَلْ رَبَّهُ الْعَوْنَ وَالسَّدَادَ، وَلْيَحْذَرِ العُجْبَ فَإِنَّه سَالِبٌ لِلنِّعَمِ، وَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، قَالَ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)[يوسف: 101].
وَالْمُفْتِي، وَالْمُعَبِّرُ، وَالطَّبِيبُ يَطَّلِعُونَ مِنْ أَسْرَارِ النَّاسِ وَعَوْرَاتِهِمْ مَا لا يَطَّلِع عَلَيْهِ غَيْرُهمْ، فَعَلَيْهِمْ اسْتِعْمَالُ السَّتْرِ فِيمَا لا يَحْسُنُ إِظْهَارُهُ.
ثُمَّ إِنَّ الْمُعَبِّرَ إِنَّمَا يَكْشِفُ حَقِيقَةَ مَا دلَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، وَقَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئُ، قَالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَعْدَ تَعْبِيرِهِ لِرُؤْيَا: "أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَأَمَّا زَمَنُ وُقُوعِهَا فَقَدْ تَقَعُ حَالًا، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وُقُوعُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، قَالَ عَبْدُ اللَّه بنُ شَدَّادٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَقَعَتْ رُؤْيَا يُوسُفَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي أَقْصَى الرُّؤْيَا".
وَأَصْدَقُ النَّاسِ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا فِي الْيَقَظَةِ؛ قَالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا"(رَوَاهُ مُسْلِم)، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَنْ كَانَ غَالِبُ حَالِهِ الصِّدْقَ فِي يَقَظَتِهِ اسْتَصْحَبَ ذَلِكَ فِي نَوْمِهِ، فَلَا يَرَى إِلَّا صِدْقًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الكَاذِبِ وَالمُخَلِّطِ؛ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ قَلْبُهُ وَيُظْلِمُ فَلَا يَرَى إِلَّا تَخْلِيطًا وَأَضْغَاثًا".
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَاِلِمينَ، أحَمْدُهُ وَأَشْكَرُهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْقَوِيُّ الْمَتِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْهُدَى وَالْيَقِينِ، صَلَّى اللهُ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدِ انْتَشَرَ مُؤَخَّرًا بِشَكْلٍ مُخِيفٍ تَعْبِيرُ الرُّؤَى فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، وَدَخَلَ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَكُلُّ مُحِقٍّ وَمُبْطِلٍ، وَاخْتَلَطَ الْحَابِلُ بِالنَّابِلِ، فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ الْحَذَرُ الشَّدِيدُ، مِنْ هَؤُلاءِ الذِينَ صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَجْعَلُونَ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا وَسِيلَةً لِكَسْبِ الْمَالِ، وَلا يَهُمُّهُمْ مَا قَدْ يَقَعُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ مَصَائِبَ بِسَبَبِ تَعْبِيرِهِمْ، أَوْ مِنْ تَعْلِيقِهِمْ بِالْأَوْهَامِ وَالْخَيَالاتِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لا يَلْزَمُ الْمُسْلِمُ إِذَا رَأَى رُؤْيَا أَنْ يَسْأَلَ عَنْ تَعْبِيرِهَا حَتَّى لَوْ تَكَرَّرَتْ، لَكِنَّهُ أَمْرٌ جَائِزٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ إِلّا مَنْ يَثِقُ بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، لِأَنَّ التَّعْبِيرَ عِلْمٌ وَفَتْوَى، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِي سُورَةِ يُوسُفَ عَنِ الْعَزِيزِ الذِي رَأَى رُؤْيَا (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)[يوسف: 43]، وَعَلَى مَنْ يَتَصَدَّرُ لِلتَّعْبِيرِ أَنْ يَخَافَ اللهَ وَيَحْذَرَ أَشَدَّ الْحَذَرِ أَنْ يَقُولَ مَا لا يَعْلَمُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء: 36].
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَن.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
التعليقات