عناصر الخطبة
1/تهاون الناس بأحكام الدين وواجباته 2/تهاون المصلين في تسوية الصفوف 3/بعض الأدلة الشرعية الموجبة لتسوية الصفوف والمحذرة من اعوجاجها 4/حكم الصلاة بين السواري 5/التذكير بصيام يوم عاشوراء وفضل ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
إن الذي أمركم بالصلاة والزكاة والصيام، والذي أمركم ببر الوالدين والإحسان إلى الفقراء، والذي أمركم بكثير من أوامر الدين التي لا تخفى عليكم، أمركم أيضاً بتسوية الصفوف، فعدم تسويتها مخالفة لله العظيم القدير العزيز الجبار المتكبر. إن رب العرش العظيم، يأمرنا على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتسوية الصفوف، أفلا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
عباد الله: هناك الكثير من أحكام الدين، وأوامر الشرع، لا يبالي الناس بها، ليس لعدم اهتمامهم وحبهم للدين، لكن لعدم علمهم بأن هذا من الواجبات في دين الإسلام، فتجدهم لا يبالون أو يعدونه من الفروع لا من الأصول، فمن ذلك -أيها الإخوة- مسألة: "تسوية الصفوف في الصلاة".
إن استقامة صفوف المصلين وتسويتها، ليست من المستحبات -يا عباد الله-، بل هو واجب من الواجبات على أصح قول العلماء.
ولقد وردت نصوص كثيرة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تحث وتأمر بتسوية الصفوف.
ووردت نصوص أخرى فيها النهي الشديد والوعيد لمن لا يلتزم بهذا الأمر، أو يخالف استقامة صفوف المصلين باعوجاجه، وهو من قبل قد خالف أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بعدم تسوية الصف.
أيها المسلمون: اتركوا مسألة الأمر بوجوب تسوية الصفوف، وانظروا في واقعنا الذي نعيش فيه.
أليس افتخار الجيوش، بجندها وقوتها في عروضهم العسكرية، يكون من خلال حسن الاصطفاف والترتيب، فلا ترى عوجاً ولا خللاً، المسافات منتظمة منسقة، والمناظر باهرة، وترى الناظرين وقد أخذت ألبابهم، وأخذتهم الدهشة وأذهلتهم.
وأما المدارس، فلا تسأل عن الاهتمام البالغ في تسوية صفوف الطابور فيها، وإقامتها وتنظيمها .
إذا كان الأمر كذلك -يا عباد الله- أليس أصحاب المساجد أولى الناس أن يتباهوا بحسن إقامة الصفوف، وجودة تراصها، روى مسلم في صحيحه حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "مالي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شُمس، اسكنوا في الصلاة" قال: ثم خرج علينا، فرآنا حلقاً، فقال: "مالي أراكم عزين؟" قال: ثم خرج علينا، فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف".
أقول: فحري بنا أن نتباهى بصفوف تقام كما تصف الملائكة عند ربها -سبحانه وتعالى-.
أيها الإخوة المؤمنون: هل تعلمون أن تسوية الصفوف في الصلاة من الأسباب القوية في دخول الجنة؟
وماذا يريد المسلم في هذه الحياة، إلا رضا الله -عز وجل-، ودخول الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم".
لقد أقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: إننا لن نؤمن، ولن ندخل الجنة، حتى نتحاب في الله -تعالى-.
وأخبر عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث: أن عدم تسوية الصفوف في الصلاة، يؤدي إلى الاختلاف في القلوب، وإذا حصل الاختلاف في القلوب، لم تحصل المحبة، وإذا ذهبت محبة المسلمين بعضهم البعض، كانت سبباً في حرمانهم من دخول الجنة، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم"[رواه مسلم].
وفي صحيح البخاري ومسلم حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لتسوَّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم".
وفي رواية: "أو ليخالفن الله بين وجوهكم".
قال النووي في شرح مسلم: معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب، كما تقول: "تغير وجه فلان عليّ" أي ظهر لي من وجهه كراهية؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن.
فاتقوا الله -أيها المسلمون- اتقوا الله -عز وجل- في صلاتكم، اتقوا الله في تسوية صفوفكم، لا توقعوا بين بعضكم البعض العداوة والبغضاء، لا يختلف قلوب بعضكم على بعض، بسبب عدم تسوية الصفوف، فإن الذي قال هذا هو الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك لا يكن هذا الاختلاف في قلوبكم سبب لحرمانكم الجنة.
فكل هذا حاصل -أيها الإخوة- لعدم تسوية الصفوف، فهل أدركتم الآن شيئاً من أهمية هذا المسألة؟ ما بالنا نؤمن بأهمية تسوية الصفوف، لكن في غير المسجد، نؤمن بأهمية تسوية الصفوف في الجيش وفي المدرسة؟ بل لإنجاز معاملاتنا في الدوائر الحكومية والمؤسسات، ولتجنب المشاكل والاختلافات، نقول: لا بد من النظام والاصطفاف، أما أن نحقق هذا في المسجد، ليدرأ عنا الفرقة والاختلاف، فلا نسأل، ناسين أو متجاهلين وعيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا.
أيها المسلمون: يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة".
ويقول عليه الصلاة والسلام: "لينوا بأيدي اخوانكم".
وغير ذلك من الأوامر النبوية الكريمة، والتي تحث المسلم أن يكون ليناً بأيدي إخوانه في الصلاة.
والمعنى أنه لو سحبك إنسان لكي تقيم الصف لأنك متقدم أو متأخر عنه، أو لأن بينك وبينه فرجه، فكن ليناً هيناً معه.
لكن بعض الناس -هداهم الله- يتضايق لو سحبه أحد لكي يقيمه في الصف، فيكون سبباً لعدم تسوية الصف، وأغلب الذين لا يرضون لو سحبهم أحد، يكون عن كبر -والعياذ بالله - والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
فاتقوا الله -أيها المسلمون - لينوا بأيدي إخوانكم، كما أوصى بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أقول: كم يلين الواحد منا لرئيسه أو مديره في العمل، من أجل الدنيا؟ ومن الناس من يطيع مسئوله في العمل ولو في معصية الله، يطيعه ويلين له القول، أفلا نلين بأيدي إخواننا في الصلاة، لننال رضوان الله –تعالى-، نلين بأيدي مسؤولينا في شركاتنا وأعمالنا، للعيش العاجل، أفلا نلين بأيدي إخواننا المصلين من أجل العيش الآجل؟
فاتقوا الله -أيها الإخوة- صلوا الصفوف، ألا تحبون أن يصلكم الله، ولا تقطعوها فيقطعكم الله؟ روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله -عز وجل-".
واعلموا أن الله -سبحانه وتعالى- جعل مصلحة الأمة بأيديكم، ائتلافها وقوتها، اختلافها وضعفها، فتواصوا على الائتلاف والقوة وحذار من التفرق والضعف، وبادروا إلى تسوية الصفوف ورصها، ففيها الائتلاف والقوة والاتحاد.
عظموا -يا عباد الله- أوامر الله، وانظروا من تخالفون.
إن الذي أمركم بالصلاة والزكاة والصيام، والذي أمركم ببر الوالدين والإحسان إلى الفقراء، والذي أمركم بكثير من أوامر الدين التي لا تخفى عليكم، أمركم أيضاً بتسوية الصفوف، فعدم تسويتها مخالفة لله العظيم القدير العزيز الجبار المتكبر.
إن رب العرش العظيم، يأمرنا على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتسوية الصفوف، أفلا نأتمر ؟
حذاري -أيها الإخوة- من الكبر، فإن الكثير من الناس ما منعهم من تسوية صفوفهم إلا الكبر.
واحذر -يا عبد الله- أن تُسكن الشياطين في المساجد، وقد يسأل أحدكم، ويقول: وكيف أُسكن الشياطين في المساجد؟
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر المتقدم: "ولا تذروا فرجات للشيطان".
وعن البراء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقيموا صفوفكم، لا تخللكم الشياطين، كأنها أولاد الحذف" قيل: يا رسول الله وما أولاد الحذف؟ قال: "سود جرد بأرض اليمن".
والمراد ب"أولاد الحذف" أولاد الضأن الصغار.
فهل علمت -يا أخي المسلم- كيف تُسكن الشياطين في بيوت الله، بعدم تسويتك للصف، وترك فرجات بينك وبين جارك في الصلاة؟
وجاء في حديث آخر، في سنن أبي داود بسند صحيح، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فو الذي نفسي بيده، إني لأرى الشياطين بين صفوفكم، كأنها غنم عُفر".
فتأملوا -رحمكم الله- هذا الحديث العظيم، بدأه عليه الصلاة والسلام بالقسم: "فو الذي نفسي بيده".
(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة: 76].
فيه إثبات اليد لله -سبحانه-.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إني لأرى الشياطين بين صفوفكم" وليس الخبر كالمعاينة، فهو عليه الصلاة والسلام، يرى ما لا نرى.
قال: "إني لأرى الشياطين بين صفوفكم كأنها غنم عفر".
كل هذا -يا عباد الله- تحذير من ترك الفرجات، وعدم تسوية الصفوف، فكيف بنا ارتضينا الشياطين في بيوت الله، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "من سد فرجة، رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة".
وقال عليه الصلاة والسلام: "وما من خطوة أحب إلى الله، من خطوة يمشيها العبد يصل بها صفا".
فاحذر -يا أخي المسلم- أن تسكن الشياطين في المساجد، بعدم تسويتك للصفوف، فأنت بهذا تعصي إخوانك، وتدني أعداءك، والفرجات مكانها، فإياك وإياك، واحرص على سدها، ليرفع الله درجتك، ويبني لك بيتاً في الجنة، وسارع إلى أعظم الخطوات، وأحبها إلى الله.
كن من أفاضل الناس وخيارهم، فخيارهم ألينهم مناكب في الصلاة.
اللهم علمنا ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
عباد الله: عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "سوّوا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة"[رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة".
وفي رواية عند مسلم: "فإن إقامة الصف من حسن الصلاة".
ولقد ورد النهي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس بن مالك الصحيح عند أبي داود وغيره، من الصلاة بين السواري، قال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟.
قال البيهقي: وهذا -والله أعلم-؛ لأن الاسطوانة، تحول بينهم وبين وصل الصف.
كل هذا -يا عباد الله- لأهمية تسوية الصفوف، وكل ما يمنع من إقامتها، فينهى عنه، إلا لحاجة أو ضرورة، فلو كان هناك زحام في المسجد، بحيث أنه لا يكفي للمصلين، فلا بأس والحالة هذه أن يصلي بين السواري.
أيها المسلمون: علمنا من خلال النصوص والآثار السابقة أهمية تسوية الصفوف في الصلاة، وأن هذا أمر واجب.
وقد كنا نعاني من عدم تسوية الصف كثيراً في هذا المسجد، وذلك بسبب الفرش السابق كما تعلمون، حتى قيض الله -عز وجل- من الحريصين على هذا الأمر في هذا المسجد، بعد أن علموا أهمية هذه المسألة، بجمع التبرعات من الخيريين الأفاضل من رواد هذا المسجد، فساهم الكثير من أهل الخير في هذا.
فأسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجزي كل من تبرع لفرش هذا المسجد، وأن يجعل ذلك في ميزان أعمالهم يوم القيام، فإن هذا من الصدقات الجارية -أيها الإخوة- التي تبقى للإنسان، ويأتيه حسناتها حتى بعد موته.
أسأل الله -عز وجل- أن يضاعف حسناتهم، وأن يثقل موازينهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أيها المسلمون: نذكركم بصيام يوم عاشوراء، فقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، كما في حديث ابن عباس المتفق عليه، ففي صيامه تكفير لسيئات السنة الماضية، عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "يكفر السنة الماضية"[رواه مسلم].
فكم نحن بحاجة -أيها الإخوة- إلى تكفير سيئاتنا الكثيرة، فإنها فرصة -والله يا عباد الله- لا تحرموا أنفسكم هذا الخير العظيم.
والسنة أن لا يفرد الإنسان صيام يوم عاشوراء وحده، بل يصوم يوم قبله أو يوماً بعده، والأفضل أن يصوم اليوم الذي قبله؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند مسلم: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
اللهم إنا نسألك رحمة ...
التعليقات