عناصر الخطبة
1/شهر شعبان واقتراب رمضان 2/استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة 3/العمل الصالح في شهر شعبان 4/فتح التسجيل في حج هذا العام.اقتباس
ففي حينِ يَنشغلُ أكثرُ النّاسِ في هذا الشّهرِ بجمعِ المطاعمِ والمكاسب، يَنشغلُ الموفّقونَ بكثرةِ الصّيامِ والصّدقةِ وتلاوةِ القرآن، والتّوبةِ والاستغفار، لتهيئةِ نفوسِهم لاستغلالِ شهرِ رمضان....
الخُطْبَة الأُولَى:
إنّ الحمدَ للهِ؛ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: عباد الله: بينَ شهرٍ حرامٍ وشهرِ الصّيام، يَجيءُ شهرُ شعبان، وفيه تَفوحُ نسائمُ الإيمان، مُبشِّرةً بقربِ شهرِ رمضانَ، ولقد كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- يُعظِّمُ شهرَ شعبانَ بكثرةِ الصّيام، فعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضيَ اللهُ عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
قالَ العلماءُ -رحمهم الله-: في هذا الحديثِ دليلٌ على استحبابِ عمارةِ أوقاتِ غفلةِ النَّاسِ بالطّاعة، وأنَّ ذلك محبوبٌ للهِ -عزّ وجلّ-. ففي حينِ يَنشغلُ أكثرُ النّاسِ في هذا الشّهرِ بجمعِ المطاعمِ والمكاسب، يَنشغلُ الموفّقونَ بكثرةِ الصّيامِ والصّدقةِ وتلاوةِ القرآن، والتّوبةِ والاستغفار، لتهيئةِ نفوسِهم لاستغلالِ شهرِ رمضان.
قالَ ابنُ رجبٍ -رحمَه الله-: "ولمّا كانَ شعبانُ كالمقدّمةِ لرمضان، شُرعَ فيه ما يُشرَعُ في رمضان، مِن الصّيامِ وقراءةِ القرآن، ليَحصلَ التّأهّبُ لتلقّي رمضانَ، وتَرْويضِ النّفوسِ بذلك على طاعةِ الرّحمن".
قالَ أنسٌ -رضيَ اللهُ عنه-: "كانَ المسلمونَ إذا دخلَ شعبانُ أكبّوا على المصاحفِ فقرؤُوها، وأخرجوا زكاةَ أموالِهم؛ تقويةً لضعيفِهم على الصّوم". وكانَ يُقالُ: "شهرُ شعبانَ شهرُ القرآنِ وشهرُ القُرَّاء".
ولذا قالَ بعضُ السّلف: "شهرُ رجبٍ شهرُ الزّرع، وشهرُ شعبانَ شهرُ سَقْيِ الزّرع، وشهرُ رمضانَ شهرُ حصادِ الزّرع"، ولا يَحْصِدُ الإنسانُ إلا ما سقى وزَرَع.
فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واستقيموا على طاعةِ ربِّكم مُتّبعينَ غيرَ مُبتدعين، واعمروا شهرَكم بالصّيامِ والقرآنِ والتّوبةِ مِن الذّنوب، والتّسامحِ وطهارةِ القلوب، ونُذكّرُ مَنْ بَقِيَ عليه قضاءٌ مِن رمضان، بأنْ يُبادرَ للصّيامِ فَدَيْنُ اللهِ أحقُّ بالقضاء.
ونُذكّرُ بأنّه قد فُتِحَ التّسجيلُ في حجِّ هذا العام، مِن خلالِ موقعِ وزارةِ الحجِّ والعمرة، أو عبرَ مَنصّةِ نُسُك، فليَعزمْ مَن لم يَحُجَّ على أداءِ فريضةِ الحجِّ، وليَتوّكلْ على اللهِ، ثمّ يُبادرْ لإتمامِ أركانِ دينِه.
فعلى المسلمِ أن لا تَشغلَه الدّنيا عن أداءِ حقِّ اللهِ مِن صلاةٍ أو زكاةٍ أو حجٍّ أو صيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون: 9].
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين.
أمّا بعدُ عبادَ الله: اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى.
واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ.
إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ؛ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ بلّغْنا رمضانَ ونحن بأحسنِ حالٍ مِن الدّنيا والدّين، واجعلْنا فيه مِن السّابقينَ المتّقين، وبلّغْ حجَّ بيتِك مَن لم يَحُجَّ مِن المسلمين، واجعلْنا وإيّاهم مِن المقبولينَ، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
اللهمّ وَفّقْ أبناءَنا الطّلابَ والطّالباتِ في اختباراتِهم، اللهمّ علّمْهم وفَهّمْهم وافتحْ عليهم وأنت الفتّاحُ العليم، اللهمّ أَعِذْهم مِن شرِّ المخدّراتِ والمروّجينَ والمُفسدين، ووفّقْهم للصّلاحِ والفلاحِ والتّفوّقِ والنّجاحِ يا ربَّ العالمين.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشّركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأَنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في غزّةَ وفلسطينَ، وفي كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين.
اللهمّ عليك باليهودِ الغاصبين، والصّهاينة المعتدين، وسائرِ أعداءِ الملّةِ والدّين، اللهم عليك بهم فإنّهم لا يُعجزونَك، اللهمّ أَنزلْ بهم بأسَك الذي لا يُرَدُّ عن القومِ المجرمين.
اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصّالحةَ النّاصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رَشَدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدّعاء.
اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، ويقولُ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: "مَن صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا".
اللهمّ صلِّ وسلِّم وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التعليقات