الدكتور جمعة محمد براج
إذا مات الإنسان وترك مالا جهز منه ثم سددت ديونه ثم إن كان أوصى بوصايا فأخرجت من ثلث التركة أو من جميع المال بعد إجازة الورثة فالأمر هين، ولا تزاحم بين الوصايا، أما إن زادت الوصايا عن الثلث ولم يجز الورثة أو أجاز بعضهم ولم يجز الأخر، أو أجازوا وزادت الوصايا عن جميع المال ففي هذه الحالة يصبح هناك تزاحم بين الوصايا.
فإذا كانت الوصايا كلها للعباد، كأن يوصى بربع التركة لخليل، وبخمسها لعادل، وبسدسها لمحمد، ولم تجز الورثة، فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم بنسبة الربع والخمس والسدس إلى الثلث، ويعطي كل منهم حصته من الثلث أي يقسم الثلث بين الجميع بالمحاصة.
أما إذا كانت الوصايا كلها حقوقا لله تعالى، فإما أن تكون كلها فرائض أو كلها نوافل، أو بعضها نوافل فإن كان بعضها فرائض وبعضها نوافل بدئ بالفرائض وأجلت النوافل، أما إذا كانت كلها فرائض أو كلها نوافل، فلا خلاف ولا إشكال في أنها تنفذ كلها، ما دامت في حدود الثلث، أو بالمحاصة إن ضاقت التركة أو لم يجز الورثة ما زاد عن الثلث.
أما إذا كانت الوصايا بعضها لله تعالى، وبعضها للعباد، قسمنا الثلث بين حقوق الله وحقوق العباد نصفين، ثم نقسم نصف حقوق العباد بينهم بالمحاصة، وكذلك حقوق الله تعالى تقسم بالمحاصة إن كانت من جنس واحد، وإلا قدمت الفرائض على النوافل.
وبعد هذا الاستعراض السريع للوصية من جميع جوانبها، فإنه من المفيد أن نبين شروطها على مذهب الأحناف، حتى يكون القارئ الكريم على علم تام بها وهذه الشروط يرجع بعضها إلى الركن، ويرجع بعضها إلى الموصي، وبعضها إلى الموصى به، وبعضها يرجع الموصى له، وهذه الشروط:
( 1) أن يكون القبول موافقا للإيجاب، فإن خالف الإيجاب لم يصح القبول.
( 2) أن تكون الوصية عن رضى واختيار، فلا تصح وصية الهازل والمكره والخاطئ لأن هذه العوارض تفوت الرضى.
( 3 ) أن تكون الوصية في حدود الثلث، فإن زادت عن الثلث توقفت على إجازة الورثة.
( 4 ) أن لا يكون على الموصي دين مستغرق لتركه، فإن كان عليه دين مستغرق للتركة لا تنفذ وصيته، لأن الله قدم الدين على الوصية.
( 5 ) أن يكون الموصى له موجودا فإن لم يكون موجودا لا تصح الوصية، كمن أوصى لجنين في بطن أمه، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر جازت الوصية، وإلا فلا.
( 6 ) أن لا يكون الموصى له وارثا للموصي وقت موته، فإن كان وارثا توقفت على إجازة الورثة.
( 7 ) أن لا يكون الموصى له قاتلا للموصي على سبيل المباشرة، لأن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، ولقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " ليس لقاتل وصية " ولا تجوز الوصية كذلك لعبد القاتل، لأن العبد وما ملكت يداه لسيده.
( 8) أن لا يكون الموصى له حربيا عند مستأمن، لأن التبرع بتمليك المال له يكون إعانة له على حرابته.
( 9 ) أن لا يكون الموصى له جهة معصية، كأن يوصي لبيعة أو كنيسة. أو ناد للقمار.
( 10 ) أن لا يكون الموصى له مجهولا جهالة لا يمكن إزالتها، كأن يوصي بثلث ماله لرجل من الناس دون تعيين.
( 11 ) أن يكون الموصى به مالا أو متقوما بمال ، فلا تصح الوصية بالميتة والدم والخمر. لأن هذه الأشياء وإن كانت أموالا في حق البعض إلا أنها غير متقومة بمال في حق المسلم.
التعليقات