عناصر الخطبة
1/الغاية من الخلق 2/الحث على صلاح الدين أكثر من الدنيا 3/حقيقة الإنسان في الدنيا 4/كل إنسان سيسأل عن عمله 5/حال الطائعين والعصاة في القبر 6/الاستعداد للموت وما بعده 7/حرص الناس على عمارة الدنيا وغفلتهم عن الآخرة 8/النجاة في الطاعات والهلاك في المعاصياهداف الخطبة
اقتباس
ينبغي للعبد أن يعيد النظر في واقعه، ومراجعة حساباته، وأن يتدارك نفسه قبل فوات الأوان. فالعبد في هذه الأوقات عرضة للفتن، ومحاط بسياج من الشهوات، ولن ينجو من طوفان الشهوات والفتن، إلا من عرف أسبابها، ووفقه الله وعصمه منها. يجب على العبد: أن يكون...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة الكرام: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أيها الأحبة الكرام: يجب أن نعلم جميعا: أننا خلقنا لهدف عظيم، ولغاية سامية.
هذا الهدف، وهذه الغاية، هي: تحقيق العبودية لله رب العالمين: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
ينبغي للعبد أن يعيد النظر في واقعه، ومراجعة حساباته، وأن يتدارك نفسه قبل فوات الأوان.
فالعبد في هذه الأوقات عرضة للفتن، ومحاط بسياج من الشهوات، ولن ينجو من طوفان الشهوات والفتن، إلا من عرف أسبابها، ووفقه الله وعصمه منها.
يجب على العبد: أن يكون حريصا على أمر دينه، أكثر من حرصه على دنياه، وحريصا على أمر آخرته أكثر من حرصه على الدنيا، يقول علي -كرم الله وجهه-: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكون من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل".
ولأن العبد في حقيقة الأمر ما هو إلا غريب أو مسافر، فعن ابن عمر -رضي الله عنه-: أنه قال: أخذ رسول الله بمنكبي، وقال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، وعد نفسك من أصحاب القبور، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
فمستقرنا الحقيقي، هو: الدار الآخرة؛ لأن الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء.
الدنيا مزرعة للآخرة، الدنيا قنطرة موصلة للآخرة، وصلاح الدنيا والآخرة يكون بالاستقامة، والمحافظة على الدين، وما شرعه الله لعباده من الواجبات والمنهيات.
يجب على المؤمن أن يرسم لنفسه طريقا يسير عليه في هذه الحياة، وأن يعرف كذلك إلى أين هو سائر، وما هي الطرق الموصلة إلى مرضاة الله -عز وجل-.
أيها الإخوة الكرام: إن العبد مسؤول عن تصرفاته وتحركاته، وكل ما يصدر منه، فهو مجازى عليه خيرا كان أو شرا، وكل خطواته محسوبة عليه، علم ذلك أم لم يعلم، شاء ذلك أم أبى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].
أيها المؤمنون: يجب أن نعلم جيدا: أن العبد مهما طال به العمر، ومهما ذاق من متع الدنيا وملذاتها، حلالا كانت أم حراما، ومهما تقلد من مسؤوليات ومناصب عليا، ومهما ملك من الشقق والمساكن والفيلات، ومهما جمع من الأموال والأرصدة في البنوك، ومهما سافر وتجول بين البلدان والدول، ومهما ظلم وطغى وتجبر، فإنه لا بد أن يلقى الله -عز وجل- لا بد من الرّحيل المحتوم: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
فإن العبد إذا رحل من الدنيا، وأدخل القبر الذي هو مصير كل نفس مخلوقة على هذه الأرض، احتاج إلى مؤنس يؤنسه في قبره، ويواسه عندما يتفرق عنه الأهل والأحباب، وسائر الأصحاب، يجد العبد نفسه في حفرة مظلمة مخيفة، ليس معه إلا الدود والديدان والهوام، هنا يكون العبد في حاجة ماسة إلى مؤنس يؤنسه، فلا شك أن العبد المؤمن الذي أيقن في حياته بلقاء الله، قد أعد العدة لتلك اللحظة الحاسمة، وقد أتى بمن يؤنسه في قبره، وهي أعماله الصالحة، التى عملها طوال حياته.
وأما العاصي، وغير المؤمن، فلا شك أن الذي سيؤنسه في قبره رجل قبيح المنظر، نتن الرائحة، سيء اللون، ويقول له: "ابشر بالذي يسؤوك، أنا عملك السيء" بهذا وردت الأحاديث والأخبار عن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-.
فيا عبد الله: تدارك نفسك، وفكر جيدا فيما ينتظرك، وأعد العُدة لملاقاة ربّك.
يا عبد الله: كثير من النّاس اليوم عمروا دنياهم، وخربوا آخرتهم، كثير من الناس اليوم أثاروا الشهوات على فعل الصالحات، كثير من الناس اليوم أصبح همهم الأول والأخير هو تحقيق متع كبيرة في الدنيا من شهرة ومال وسكن ومناصب، وحظوظ كبيرة في الدنيا، فلا تكن من هؤلاء المحرومين من الخير، لا تهدم آخرتك بدنيا غيرك.
لا تستوحش قلة السالكين، ولا تغتر بكثرة الهالكين.
لا تسل عن هالك كيف هلك، ولكن سل عن ناج كيف نجا.
تأكد أن أي عمل يصدر منك هو إمّا لك أو عليك، ولن تنفع أو تضر إلا نفسك.
حصادك يوم ما زرعت وإنما *** يُدَان المرء كما هو دائن
كالمريض إذا جاءه الألم الشديد، لا يشعر به إلا وحده، أما عموم الناس غير شاعرين، ولا حاسين، بألمه وبمرضه، وغير مبالين به، ربما تجدهم يتسلون ويضحكون ويمرحون.
فيا عبد الله: إذا كنت تريد النجاة بنفسك، فانظر في حالك، وحاول أن تبني إنسانا من صالحي عملك، كي يؤنسك في قبرك.
وإذا رأيت إنسانا متجرئا على الله بالمعاصي، آكلا للربا، ولأموال الناس بالباطل، شاربا للخمور، معتديا على أعراض الناس، واقعا في الفاحشة والزنا، يتعامل مع الناس بالكذب، مضيعا للعبادات، فلا تعتقد أن هذه التصرفات من الرجولة، بل هي من الحماقة والغباوة والخساسة والنذالة، والتخلف والرجعية، والجهالة وقلة الدّين.
نسأل الله العافية والستر والسلامة.
وستتحول هذه المعاصي إلى رجل نتن، قبيح اللون، سيء المنظر، يؤنس صاحبه في قبره، عندما يلقى الله يقول الله -جلا وعلا-: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة: 7 - 14].
وصدق من قال: "من خالفت أقواله أفعاله، تحولت أفعاله أفعى له".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الناس: اتقوا االله حق التقوى، واستمسكوا بالإسلام، فهو العروة الوثقى، وإياكم والمعاصي فإن أقدامكم على النار لا تقوى.
واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
واعلموا أنّ شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
هذا، وصلوا سلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، عملا بقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الأكرمين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، ونسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار.
(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ) [البقرة: 286].
ولا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسألك علما نافعا، ورزقا طيبا، وعملا متقبلا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
التعليقات