عناصر الخطبة
1/قدم عداوة الشيطان لبني آدم 2/استغلال الشيطان لضعف الأطفال وإلحاق صنوف الأذى بهم 3/الأسباب الشرعية لتحصين الأطفال من الشيطان 4/عناية أولياء الأمور بالأخذ بوسائل التحصين الشرعيةاقتباس
إن عداوة الشيطان الشانئة تحمله على استغلال ضعف الأطفال وسذاجتهم في إلحاق صنوف الأذى بهم، كما تحمله تلك العداوة على إزاحة تنشئة الطفل على أساس من حرز الدين المتين؛ ليسهل عليه إغواؤه عند كبره؛ فالمبدأ عنوان الختام، ومن هنا أضحى من ضرورة الأمر فقه ولي الطفل في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ)[النساء: 1].
أيها المؤمنون: إن عداوة الشيطان للإنسان أقدم عداوة شهدتها الدنيا، وأشرسها حرباً، وأخبثها أسلوباً، وأبلغها ضحايا؛ تبدأ من حين الولادة، وتوعب العمرَ كلَّه.
ومن أشد مواطن نكاية الشيطان بالآدمي: موطن الضعف، وللأطفال العُزُّل في ذلك نصيب بالغ، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه"، ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[آل عمران: 36](رواه مسلم).
إن عداوة الشيطان الشانئة تحمله على استغلال ضعف الأطفال وسذاجتهم في إلحاق صنوف الأذى بهم، كما تحمله تلك العداوة على إزاحة تنشئة الطفل على أساس من حرز الدين المتين؛ ليسهل عليه إغواؤه عند كبره؛ فالمبدأ عنوان الختام.
ومن هنا أضحى من ضرورة الأمر فقه ولي الطفل في التحصين الوقائي لطفله من تسلط الشيطان عليه، وذلك من خلال الأسباب المحصِّنة التي شرعها الحفيظ العليم -سبحانه-، سيما ووسائل الإغواء وشياطينه في هذا العصر قد تفاقموا كثرة وخبثاً، ولا عاصم من شرهم إلا الله.
أيها المسلمون: إن المتأمل في الأسباب الشرعية لتحصين الطفل من الشيطان يرى أنها تسبق ولادته وتستمر معه حال طفولته، ومن أبرز تلك الأسباب: الإتيان بالذكر المشروع عند جماع الزوجة؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما إن أحدكم إذا أتى أهله، وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدا لم يضره الشيطان"(رواه البخاري ومسلم)، قال أهل العلم: والمراد بنفي الضرر حفظ الطفل من الضلال والغواية، وتوفيقه حال الزلل للتوبة.
والتأذين في أذن المولود حين الولادة من وسائل الحرز، قال أبو رافع -رضي الله عنه-: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذّن في أُذُن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة"، يقول ابن القيم: "غير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وان لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به".
والعقيقة عن المولود من وسائل تحريزه من كيد الشيطان، يقول ابن القيم: "وغير مستبعد في حكمة الله في شرعه وقدره أن يكون (العقيقة) سببا لحسن إنبات الولد ودوام سلامته وطول حياته في حفظه من ضرر الشيطان حتى يكون كل عضو منها فداء كل عضو منه".
عباد الله: وتعويذ الأطفال من الشيطان من أبلغ وسائل تحصينهم؛ فقد كان ذا منهج الأنبياء مع صبيانهم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوذ الحسن والحسين، ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"(رواه البخاري)، وفي رواية الترمذي كيفية تعويذه لهما: "أعيذكما بكلمات الله..."، بل إن بُعد نظر الولي الصالح واستشرافه مستقبل الصلاح لنسله ورجاءه يحدوه إلى تعويذ ذرية المولود من حين وضعه على تعاقب بطونهم، كما دعت امرأة عمران مولد ابنتها مريم: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[آل عمران: 36]، ولا ينفث حال التعويذ أو يمسح؛ لعدم وروده، ويقال هذا التعويذ بحضورهم وغيبتهم، وليس له وقت محدد، وإنما يتأكد حال الحاجة كالخروج من المنزل، وإقبال المساء، ونزول منزل البرية.
واستيداع الله -سبحانه- هؤلاء الصبية من أبلغ ما يُعصمون به من تسلط الشيطان، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا استودع الله شيئاً حفظه"(رواه النسائي وجوده العراقي).
ومنع الأطفال من الخروج من المنزل وقت دخول المساء من وسائل حفظهم؛ لكثرة انتشار الشياطين ذلك الوقت، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا"(رواه البخاري ومسلم).
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله...
وبعد: فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله...
أيها المؤمنون: وتعليم الطفل الأذكار عند تمييزه من وسائل حفظه من كيد الشيطان؛ خاصة آية الكرسي والمعوذتين؛ فقد ثبت تحصينهما من الشيطان عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهكذا قراءة سورة البقرة في البيت؛ فإنها طاردة للشياطين، ولو أن تُقرأ بتسجيل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"(رواه مسلم).
وتطهير البيت من الصور المحرمة والكلاب منقاة من حضور الشياطين -فضلاً عن تسلطهم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة"، يريد التماثيل التي فيها الأرواح(رواه البخاري ومسلم)، وإذا خلت الملائكة حضرت الشياطين.
أيها المسلمون: إن هذه الوسائل من أعظم ما ينبغي لولي الطفل أن يوليه عنايته إن رام فلاح طفله وسلامته من تسلط الشيطان؛ إذ حبلها الناظم تبرؤ من الحول، وافتقار للمولى القدير، واستجداء لعونه، واستمناح لفضله، وتعلق بحبله، ومن ذا الذي أمّ فضل ربه فخاب؟! لكن ليُعلم أنما هذه الأسباب إنما تنفع بإذن الله من باشرها موقناً بها، ممتنعاً مما قد يمنع أثرها؛ مِن شكِّ نفعها، أو تلطّخٍ بمال حرام مانع من إجابة الدعاء.
التعليقات