تحريم إشاعة الفاحشة

د. ماجد بلال

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: حكم التشريع
عناصر الخطبة
1/خطر تصوير المنكرات ونشرها بحجة الإنكار 2/نقل المنكر يكون لمن بيده الانكار 3/ناقل الفجور مشارك في الاثم والفجور 4/الحث على التعاون في نشر الخير

اقتباس

كما أن التشاؤم يضعف الهمم، فالتفاؤل يبعث الحياة والقوة في النفس حتى مع وجود المرض والقصور، التفاؤل يبعث على العمل والاستمرار، حتى مع وجود كل منغصات الحياة، انشروا الخير والفأل فالخير أكثر والخير أعم والخير أشمل، والخير أوسع، اجعل من حالاتك في التطبيقات ومواقع التواصل إذاعةً إسلاميةً يأنس بها كل من...

الخطبة الأولى:

 

ينشط كثير من الناس في تصوير المنكرات ونشرها بحجة الإنكار واستنهاض الهمم في انكارها وهذه الغيرة والحماس ليسا ذريعة لنشر مقاطع الرذيلة والخنا والفجور، وإلا فما الفرق بين الفاجر الذي ينشر الرذيلة بهدف التخريب والافساد في الأرض والذي يزعم أنه ينشرها لينكرها الناس وتصل إلى صاحب القرار؟!

كلاهما اشترا في نفس الخطأ والجرم وهو إشاعة الفاحشة والمساعدة على نشرها: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)[النساء: 148].

 

وعن أَبي شُريْحٍ الخُزاعيِّ أَنَّ النَّبيَّ -ﷺ- قَال: "مَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ"(رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه).

 

عن أبي ذر الغفاري قال قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ؟ قالَ: "الإيمانُ باللَّهِ والْجِهادُ في سَبيلِهِ" قالَ: قُلتُ: أيُّ الرِّقابِ أفْضَلُ؟ قالَ: "أنْفَسُها عِنْدَ أهْلِها وأَكْثَرُها ثَمَنًا" قالَ: قُلتُ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قالَ: "تُعِينُ صانِعًا، أوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ" قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ أرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عن بَعْضِ العَمَلِ؟ قالَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ"(البخاري ومسلم).

 

نقل المنكر إنما يكون لمن بيده الانكار، وأما نقله لمن ليس بيده الانكار تخذيل وإحزان لقلبه وإدخال الهم والغم عليه، وتغليب لجانب اليأس والقنوط: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)[الأنعام: 33]، (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[المجادلة: 10].

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "إذا قال الرجلُ: هلك الناسُ فهو أهلَكُهم"(مسلم).

 

وإشاعة الفاحشة من صفات المنافقين.

 

نقل المنافقون كلاماً فاحشاً، وابتلي به بعض المؤمنين فأنزل الله آيات في القرآن تحذر من هذا الصنيع، نقلوا كلاً! إذا كان هذا بسبب نقل الكلام فقط، فكيف بمن ينقل الصور والمقاطع المحزنة المؤسفة؟!

 

وكما أن ناقل الكذب أحد الكاذبين فكذلك ناقل الفجور مشارك في الاثم والفجور، ولا ينبغي التساهل فيه ولو بدافع ارتفاع الكلفة أو المزاح أو التندر أو حتى الانكار لمن ليس بيده القرار، وكونها منتشرة وموجودة، إن كان يعفيك من المساءلة القانونية، فلن يعفيك من المساءلة عند الله -سبحانه وتعالى- الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام: 59]، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7-8].

 

يقول صلى الله عليه وسلم: "ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه مِن الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن آثامِهم شيئًا"، ويقول الله -تبارك وتعالى-: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)[النحل: 25].

 

ثم إن هذه المقاطع التي تنتشر وتشوه الصورة لا يفرح بها إلا الأعداء، الذين يبثون من خلالها الإشاعات والأقاويل، ويزرعون الفتن والشرور، ولذلك كان من وسائل عدم إشاعة المنكرات، ازهاق الباطل بكتمه وتركه والتحذير من نشره وتوجيه النصيحة لمن يتبنى نشره في المجموعات ويفرحون بالفضائح ونشرها بين الناس، وتذكيره بالله تعالى وأليم عقابه.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[النور: 11-20].

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

كما أن التشاؤم يضعف الهمم، فالتفاؤل يبعث الحياة والقوة في النفس حتى مع وجود المرض والقصور، التفاؤل يبعث على العمل والاستمرار، حتى مع وجود كل منغصات الحياة، انشروا الخير والفأل فالخير أكثر والخير أعم والخير أشمل، والخير أوسع، اجعل من حالاتك في التطبيقات ومواقع التواصل إذاعةً إسلاميةً يأنس بها كل من شاهدها، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا"(مسلم).

 

انشروا الفضيلة والعفاف والستر والحياء وقصصه الجميلة، انشروا مآثر ومحاسن ولاة أمر وأعمالهم الجليلة في خذمة الإسلام والمسلمين والحرمين الشريفين، وخدمة كتاب الله والسنة.

 

انشروا صورة العلماء المشرقة ومآثرهم وأقوالهم والمحمودة، انشروا صور الأبطال الحقيقيين من الجنود المرابطين، ورجال الأمن الساهرين على راحتنا، انشروا صور المهندسين والأطباء المخلصين لدينهم ووطنهم، انشروا الصور المشرقة لطلاب العلم وحلقاته، وأهل القرآن، ومجالس العلم والعلماء، ذكروا الأجيال بتاريخهم العظيم، بسيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسير الصحابة الكرام، واجعلوهم قدوات لهذا الجيل الصاعد.

 

صلوا وسلموا...

المرفقات
vqyozFarxW8k5iTI1Cy2m4hFwklDStI9j5jUQWmD.doc
w8PtvXOvrt2g2pnnK37zmDDsqIdaSnCMFes4exE5.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life