عناصر الخطبة
1/ إخبار النبي –صلى الله عليه وسلم- باختلاف المسلمين ووصفه لعلاج ذلك 2/ صفات الخوارج كما وردت في الأحاديث النبوية 3/ بعض الأحداث والوقائع وبيان حكمها الشرعي

اقتباس

إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقد أرشدنا إلى التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم، والحذر من أهل البدع؛ أخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحاح كثيرة عن قوم من أهل البدع تحذيرا منهم، ومن مسلكهم؛ فأخبر صلى الله عليه وسلم أن أولئك قوم "حدثاء الأسنان" أي الصغار في أسنانهم لم يتطاول بهم العمر، ولا تقدم بهم السن، وأنهم...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإن تقوى الله -سبحانه وتعالى- وصيته للأولين والآخرين، فمن اتق الله أفلح وسعد في الأولى والآخرة.

 

ثم اعلموا -رحمكم الله-: أن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه سيكون في أمته اختلاف كثير، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون بعدي اختلافا كثير".

 

فمن تمام رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته: أرشدنا إلى السبيل الناجع للنجاة من ذلك الاختلاف، فقال صلى الله عليه وسلم لما ذكر: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

 

فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المخرج من الاختلاف يكون بأمرين:

 

أحدهما: لزوم سنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، والتمسك بها.

 

والآخر: في الحذر من المحدثات والبدع ودعاتها وأهلها لعظم المصاب بها في الضلالة، وما تلقي به الخلق من الهلكة في الدنيا والآخرة.

 

وإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقد أرشدنا إلى التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم، والحذر من أهل البدع؛ أخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحاح كثيرة عن قوم من أهل البدع تحذيرا منهم، ومن مسلكهم؛ فأخبر صلى الله عليه وسلم أن أولئك قوم "حدثاء الأسنان" أي الصغار في أسنانهم لم يتطاول بهم العمر، ولا تقدم بهم السن، وأنهم "سفهاء الأحلام" أي أولي طيش وسفاهة، فلم تنجحهم الحياة، وأنهم "يقولون من خير قول البرية" أي يقولون قولا يعده الناس من خير القول، وأنهم في قولهم ذلك يكونون محسنين، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، فقولهم حسن، ولكن أفعالهم سيئة.

 

وذكر صلى الله عليه وسلم أنهم يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، فيقرؤون القرآن مستندين به على أمور يدعونها يظنون أن القرآن معهم وهو عليهم لمخالفتهم لما جاء في آياته، وأنهم يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، ودعواهم العريضة أنهم يدعون إلى كتاب الله، واتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم ليسوا من ذلك في شيء.

 

وأنهم لا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، فغاية معرفتهم في القرآن هي قراءة حروفه دون فهم معانيه، وأنهم يقرؤون القرآن، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فالإيمان الذي يدعونه هو إيمان تجري به ألسنتهم، وأما قلوبهم فلم تستقر بها حقيقة الإيمان الذي أراده الله -سبحانه وتعالى- منهم، وأنهم يكونون على حال مستعظمة من العبادة حتى قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم"، وقال أيضا: "فليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، وليس صيامكم إلى صيامهم بشيء، وليست قراءتكم إلى قرائتهم بشيء".

 

ولكثرة تلك الأعمال منهم يعجب بهم الناس ويعجبون بأنفسهم، فتكون من خصالهم الاستعلاء على الخلق بأعمالهم، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ، حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ".

 

وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، وهم يقتلون أهل الإسلام بزعمهم أنهم مرتدون عنه، ويدعون أهل الأوثان فلا يقاتلونهم، ولو قدر مقاتلتهم لأهل الأوثان، فإنها تكون مقترنة بمقاتلتهم أهل الإيمان، ومقاتلهم أهل الإيمان عندهم أعظم رتبة، وأعلى درجة؛ لأنهم يرونهم مرتدين عن الإسلام، وأما أولئك فكفار أصليون وذلك من الرحمة بهم من الكفار الأصليين ما يجد على أيديهم لأهل الإيمان الذين يزعمون أنهم مرتدون عن دين الإسلام.

 

ومن صفاتهم: أنهم لا يزالون يخرجون بهذه الأمة، فإن انقطع منهم قرن خرج منهم قرن آخر، حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال، وخروجهم مع المسيح الدجال افتتانهم به، واتباعهم له، حتى ينقلبوا على أعقابهم ويخذلوا، ويكونوا من أنصار الباطل وهم يزعمون أنهم من أنصار الحق.

 

والمتصفون بتلك الصفات أفرادا وجماعات هم من أهل البدع الذين حذركم النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم، وإن اختلفت أسماءهم، وافترقت بلدانهم، وتعددت ألوانهم، واختلفت ألسنتهم، فإن الأوصاف التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي المبينة حالهم الجامعة لأمرهم، فكونوا منهم على حذر، وادعوا ربكم أن يحييكم على الإسلام والسنة، وأن يميتكم على الإسلام والسنة غير مبدلين ولا مفتونين.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أظهر الحق وأرشد إليه، فجعل للحق أنوارا مبينات، وجعل على الباطل ظلمات فوق ظلمات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله حجته القائمة على العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أيها المؤمنون: في الأيام القليلة الماضية شهدت هذه البلاد وقائع يحتاج الناس لبيان أحكامها، فمن تلك الوقائع: المسارعة إلى نقل الأخبار المكذوبة والشائعة الموهنة لجماعات المسلمين، المحزنة لقلوبهم، فيتناقل الناس بينهم الغيبة التي تطلق في الآفاق، وتقع الشقاق، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ) أي أشاعوه (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].

 

فالواجب على الناس في هذه الحال وأشابهها: أن يردوا الأمر إلى أهله، وأن يتقوا الله –عز وجل- فيما يروج من الأخبار، ولا ينقلوا شيئا إلا شيئا يثبت وقوعه، ويتحقق منفعته، وما عدا ذلك فإن الواجب على العبد الإعراض عنه لسوء عاقبته وأثره في الدنيا والآخرة.

 

ومن تلك الوقائع: ترك صلاة الغائب من أقوام على جنازة غائب متعللين، بقول: من قال من الفقهاء بأن صلاة الغائب تختص بغائب لم يصل عليه في بلده، غافلين عن حكم هذه المسألة من الشأن العام الذي ينفذ فيه قول ولي الأمر، فيفصل في الخلاف، فيجب على كل إمام تحت ولايته أن يصلي في جماعة مسجده.

 

ومن تلك الوقائع: الوقوع في نعي الجاهلية المحرم في تعداد محاسن الميت المجددة للحزن عليه بعد موته، وهذا فعل محرم، فإن من أفعال الجاهلية يكون بتعداد محاسن الميت وشمائله عند موته مما يجدد الحزن به، فإن كان من إعداد الشمائل بعد نزول مصيبة الموت به لم يكن نعيا للجاهلية، وإن كان تعدادا لها حال موته عند قوم لم يصابوا به، فإن ذلك ليس من نعي الجاهلية.

 

ومن تلك الوقائع: الاستهانة من شأن البيعة والاستخفاف بها، والتقليل من شأنها، مع عظم توجيهات الإسلام، وكونها من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فهي عبادة لها.

 

ومن جملة تلك الوقائع: إيقاع تلك العبادة عبادة البيعة على صور متنوعة، لم تأت بها الشريعة، فإن العبادات في الإسلام توقيفية.

 

وحقيقة البيعة الشرعية: أن يبسط ولي الأمر يده فيضع المبايع يده عليها، ومن جنسها المصافحة الشائعة بين الناس اليوم يتلقها ولي الأمر أو  من ينوبه نيابة عنه، وفي حكمها الكتابة له بالبيعة.

 

فالواجب على العبد أن يحرص على أن عباداته التي يوقعها وفق هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- لئلا يقع في الضلالات والبدع التي حذر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم التحذير.

 

اللهم اغفر لنا وارحمنا...

 

 

المرفقات
تحذير ونكير.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life