عناصر الخطبة
1/الأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم 2/النهي عن الابتداع في الدين 3/من البدع المنتشرة في هذا العصر 4/تحذير السلف من البدع وهجرهم لأصحابها 5/البدع طرق لضعف المسلميناقتباس
إنَّ المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى التمسك بالسنة، وإحيائها في الناس، والنهي عن البدع وإنكارها وإماتتها، وقد حذر السلف الصالح منها أيَّما تحذير، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر"، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:"كلُّ بدعةٍ ضلالة، وإنْ رآها الناس حسنة"...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمرنا باتباع السنة ونهاها عن البدع والمحدثات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق خلقه ليعبدوه لا يشركوا به شيئاً، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا معاشر المسلمين: اتقوا الله واتبعوا شرعه وتمسكوا بدينه، قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف:158]، وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[النساء:59]، وقال سبحانه: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)[النساء:80].
قال الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله-: "هذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله -تعالى- ذكره لهم: من يطع منكم -أيها الناس- محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه؛ فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه؛ فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي".
معاشر المؤمنين: إنَّ الإسلام أمر باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهى عن الابتداع قال صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة"(أخرجه مسلم).
قال النووي -رحمه الله-: "كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ غَالِبُ الْبِدَعِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ كُلُّ شَيْءٍ عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ".
عباد الله: إنَّ البدع إحداث في الدين وخطرها وضررها سيء على الفرد وعلى عموم المجتمع قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"(أخرجه مسلم).
قال النووي -رحمه الله-: "فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ الرَّدُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُودِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِدُ بَعْضُ الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَةٍ سُبَقَ إِلَيْهَا فَإِذَا احْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُولُ: أَنَا مَا أَحْدَثْتُ شَيْئًا فَيُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِرَدِّ كُلِّ الْمُحْدَثَاتِ سَوَاءٌ أَحْدَثَهَا الْفَاعِلُ أَوْ سُبِقَ بِإِحْدَاثِهَا".
معاشر المسلمين: إنَّ البدع والمحدثات في هذا الزمان انتشرت وعمَّت ووقع فيها كثير من المسلمين؛ إمَّا من قبيل استحسانها وتزيين الشيطان لها، وإما من قبيل التقليد لها جهلاً واغتراراً؛ مثل بدعة الخوارج والقدرية، وبدعة الغلو في الأولياء والصالحين واتخاذ قبورهم وأضرحتهم مشاهد؛ يطاف حولها ويدعى عندها ويهدى إليها، وقد لُعن اليهود والنصارى؛ لأنَّهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قال صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"(متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا" (أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني).
قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "هذا الذي يفعل عند هذه القبور هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا تتخذوا قبري عيدًا"؛ فإن اعتياد قصد المكان المعين وفي وقت معين عائد بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع هو بعينه معنى العيد. ثم ينهى عن دِقِّ ذلك وجله، وهذا هو الذي تقدم عن الإمام أحمد إنكاره، لما قال: "قد أفرط الناس في هذا جدا وأكثروا" وذكر ما يفعل عند قبر الحسين" انتهى كلام شيخ الإسلام.
عباد الله: الواجب على جميع المسلمين ممن وقع في هذه البدعة أن يراجعوا أنفسهم ويرجعوا إلى ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- وتابعيهم من سلف هذه الأمة.
معاشر المسلمين: ومن البدع كذلك الأعياد المبتدعة؛ كأعياد الميلاد وعيد الأم وعيد الحب وعيد الزواج والأعياد الوطنية وعيد الجلوس وغيرها من الأعياد؛ فإنَّها ضلالة يأثم فاعلها والداعي لها والمهوِّن من شأنها؛ فإنَّ أهل الإسلام لا عيد لهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى وقد شرع الله فيهما صلاة العيد وكثرة الذكر والتكبير والتهليل والتحميد مما يدل على أنَّ الأعياد تعبدية وليست كما يدعيه البعض أنَّها من قبيل العادات.
عباد الله: ومن البدع بدع حولية؛ مثل بدعة إحياء ليلة عاشوراء وما يحدث يوم عاشوراء عند بعض الطوائف الضالة، وكذلك من البدع بدعة عيد المولد النبوي في ربيع الأول، وبدع رجب؛ مثل بدعة صلاة الرغائب وإحياء ليلة الإسراء والمعراج.
قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "تخصيص رجب بصلاة الرغائب أو الاحتفال بليلة سبع وعشرين منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج كل ذلك بدعة لا يجوز، وليس له أصل في الشرع، وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم، وقد كتبنا في ذلك غير مرة وأوضحنا للناس أنَّ صلاة الرغائب بدعة؛ وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب، وهكذا الاحتفال بليلة سبع وعشرين؛ اعتقادا أنها ليلة الإسراء والمعراج، كل ذلك بدعة لا أصل له في الشرع، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحتفل بها، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه -رضي الله عنهم-، ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليها".
معاشر المسلمين: إنَّ المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى التمسك بالسنة، وإحيائها في الناس، والنهي عن البدع وإنكارها وإماتتها، وقد حذر السلف الصالح منها أيَّما تحذير، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر"، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كلُّ بدعةٍ ضلالة، وإنْ رآها الناس حسنة"، وقال مجاهد -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (ولا تتبعوا السبل) قال: "البدع والشبهات"، وقال حسان بن عطية -رحمه الله-: "ما ابتدع قومٌ بدعةً في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة"، وقال الإمام مالك -رحمه الله-: "بئس القوم هؤلاء أهل الأهواء لا يسلَّم عليهم"، وقال الإمام أحمد: "إذا سلم الرجل عَلَى المبتدع فهو يحبه"، وقال البيهقي: "كان الشافعي -رحمه الله- شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع، مجاهراً ببغضهم وهجرهم"، وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ -رحمه الله- عن أهل البدع: "من السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أحمد بن حنبل التشديدُ في هجرهم وإهمالُهم وتركُ جدالهم واطراح ُكلامهم، والتباعدُ عنهم حسب الإمكان، والتقربُ إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم".
معاشر المسلمين: من أعظم الآثار السيئة للبدع وانتشارِها ضعفُ المسلمين؛ فالبدع عامل قوي من عوامل الضعف والهزيمة التي يتجرعون ويلاتها في هذا الزمن، وكذلك من الآثار السيئة حصولُ الغربة في الدين، وهجرُ سنن سيد المرسلين، والتحزبُ وكثرة الفرق والمذاهب وحصول التنازع والتناحر.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، وجنبهم الفتن والبدع والمحدثات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات