عناصر الخطبة
1/المال من أعظم فتن هذا العصر 2/خطر التحايل على المال العام 3/من صور التحايلات المحرمة في المعاملات المالية 4/وجوب المحافظة على المال العاماقتباس
ومنَ المحافظةِ على المالِ العامِ: تحريْ الدقةِ والصدقِ عند التسجيلِ في نظامِ الضمانِ الاجتماعيِ، حيث إن جُلَّ مواردِ الضمانِ هيَ من أموالِ الزكاةِ التي يجبُ أن تُصرفَ لمستحقِيها, فاحذرْ أن تأخذَ من أوساخِ الناسِ وقد أغناكَ اللهُ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي أحيانَا على الإسلامِ بفضلهِ ونحنُ ما سألْناهُ، وسيُدخِلُنا الجنةَ برحمتهِ وقدْ سألناه, أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمينَ، صلى اللهُ وسلمَ عليه تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فإن الإيمانَ خيرُ العطَايا والتُّقى خيرُ الوصايا؛ "ولا بأسَ بالغِنى لمن اتَّقى، والصّحةُ لمن اتّقى خيرٌ من الغِنى، وما قلَّ وكفَى خيرٌ مما كثُر وألهى".
وإنَ من أعظمِ فِتَنِ هذا العصرِ فتنةَ المالِ، حتى لقد قالَ عنها نبيُنا -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ"(رواه الترمذي وصححه), فتنةٌ في تحصيلِه، وفتنةٌ في تمويلِه، وفتنةٌ في إنفاقِه.
ومِن أساليبِ مَن لا يخافُ اللهَ التحايلُ في أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ، وهذا أشدُ إثمًا، وأقسَى قلبًا؛ (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[المطففين: 14], ولهذا تجدُهُم يفعلونَ هذه الحيلَ، ويرَوْنَ أنها حلالٌ!.
ويتضاعَف إثمُ التحايلِ إذا كان استحلالاً لمالِ الدولةِ, قال الشيخُ ابنُ عثيمينَ -رحمهُ اللهُ-: "لا تَستهينوا بنظامِ الدولةِ؛ فإنه إذا لم يخالِفِ الشرعَ فهو من الشرعِ؛ لقولهِ -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ)[النساء: 59], ومَن ظنَ أنَ ولاةَ الأمورِ لا يُطاعونَ إلا فيما شَرَعه اللهُ فقد أخطأَ"(لقاءات الباب المفتوح), و"بيتَ مالِ المسلمينَ أعظمُ من مُلكِ واحدٍ معيّنٍ؛ وذلك لأن سرقتَه خيانةٌ لكلِ مسلمٍ"(الشرح الممتع على زاد المستقنع).
أيها المسلمونَ: حتى نأكلَ مالاً حلالاً فلنتفقهْ في بيوعِنا، ولنسأل أهلَ العلمِ عن معاملاتِنا الماليةِ. وإليكم خمسَ مسائلَ للتحايلاتِ والتعاملاتِ الماليةِ المحرمةِ:
المسألةُ الأولى: فتحُ سِجلٍ تجاريٍ باسمِ غيرِك, فـ "هذا حرامٌ؛ لأنه خيانةٌ وكذبٌ، وتحايلٌ على الأنظمةِ التي لا تخالفُ الشريعةَ"(فتاوى اللجنة الدائمة), قال ابنُ عثيمينَ -رحمهُ اللهُ-: "وقد يقولُ بعضُ الناسِ: الحكومةُ ليس لها حقٌ أن تمنعَ مِن ابتغاءِ رزقِ اللهِ, فنقولُ له: الحكومةُ لم تمنعْكَ، لكنها قالتْ: لا أدخلُ معكَ في عقدٍ إلا بهذا الشرطِ، وهذا الشرطُ مباحٌ"(لقاءات الباب المفتوح).
الثانيةُ: بيعُ العِينةِ الذي نهَى عنه رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-, فلو أن إنساناً اشترى سيارةً بالتقسيطِ، فلا يجوزُ له أن يبيعَها نقداً على نفسِ البائعِ.
الثالثةُ: من الحِيلِ على الربا تسديدُ القروضِ بزيادةٍ ماليةٍ، بأن يقولَ تاجرٌ: "أنا أسددُ عنك دَينَك، وأنت تُسدد لي بزيادةٍ"، فهذا عينُ الربا: فهو معاوضةُ مالٍ بمالٍ.
الرابعةُ: ومن التحايلِ على الربا تقسيطُ المَتاجرِ الإلكترونيةِ بسعرِ الكاشِ, عبرَ وسيطٍ ثالثٍ هو الذي يسددُ عنكَ, ويشترِطُ عليكَ أنه عندَ التأخرِ في السدادِ يَفرضُ عليكَ رسومَ تأخير؛ فهذا رباً محرمٌ مجمعٌ على تحريمهِ, وربما تقولُ: "إنني سألتزمُ بالسدادِ ولن أتأخرَ، فلن يأخذُوا مني فوائدَ ربويةَ"، والجوابُ: ما دمتَ رضيتَ بالتزامِ هذا الشرطِ فقد رضيتَ بالحرامِ.
الخامسةُ: خيانةُ مَن حَمَلَ أمانةَ عملٍ من أعمالِ المسلمين، ثم اتَّخذَ منه مطيّةً لجمعِ الأموالِ بالنّهبِ أو التحايُلِ أو الابتزازِ أو الرشوةِ، والرشوةُ أدهَى وأمَرّ.
ومِن أمثلةِ الرشوةِ التي يُتهاونُ بها: أن تقولَ لعاملِ مغسلةِ السياراتِ مثلاً: "إن أتقنتَ التنظيفَ أزيدُكَ خمسةَ ريالاتٍ".
وبعضُ الناسِ يَستسهِلُ أخذَ أو دفعَ القليلِ، وخُذ هذهِ القصةَ المخيفةَ، وهيَ لرجلٍ خرجَ مع النبيِ -صلى الله عليه وسلم- للجهادِ، إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ, فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "كَلاَّ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ, لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا"(متفق عليه). فإذا كانَ هذا في شملةٍ محقَّرةٍ؛ فكيفَ سيكونُ الأمرُ لو كانتْ آلافًا أو ملايينَ؟!.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:
فيا معاشرَ المسلمينَ: اعلموا أن ثمتَ مفسدونَ في الأرضِ، فلا تَسكُتوا عن إفسادِهم، فسفينتُنا واحدةٌ، وتعاونُوا على تقويمِ المِعْوَجِ في التجاوزاتِ الماليةِ والإداريةِ؛ لنَنشُرَ النزاهةَ والأمانةَ، ولنبلِّغْ عن جرائمِ الفسادِ, محافظينَ على المالِ العامِ؛ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
ومنَ المحافظةِ على المالِ العامِ: تحريْ الدقةِ والصدقِ عند التسجيلِ في نظامِ الضمانِ الاجتماعيِ، حيث إن جُلَّ مواردِ الضمانِ هيَ من أموالِ الزكاةِ التي يجبُ أن تُصرفَ لمستحقِيها, فاحذرْ أن تأخذَ من أوساخِ الناسِ وقد أغناكَ اللهُ, واعلم أن التكسبَ من عملٍ شاقٍ بمقابلٍ زهيدٍ خيرٌ من التذللِ للناسِ، أعطَوكَ أو منعُوكَ, فأنفِقْ على أهلِكَ حلالاً يرزقْكَ مولاكَ نَوَالاً.
فاللهم اجعلنا أغنى خلقِك بك، وأفقرَ عبادِك إليكَ, اللهم حسّنْ أخلاقَنا، وباركْ أرزاقَنا واقضِ ديونَنا, واجمعْ شؤونَنا، وأرخِصْ أسعارَنا، وأغزِرْ أمطارَنا، وآمِنْ أوطانَنا, اللهم احفظْ علينا دينَنا وأعراضَنا، وارزقْ نساءَنا مزيدَ التبصرِ بكيدِ متبعي الشهواتِ، الذين يريدونَ أن نميلَ ميلاً عظيمًا, اللهم احفظْ ولاةَ أمرِنا وسددهُم، وارزقهُم بطانةَ الصلاحِ، وانصرْ مجاهدِينا ومرابطينا، واحفظهم من كلِّ الجهات, اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ, وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.
التعليقات