عناصر الخطبة
1/سعة فضل الله ورحمته بخلقه 2/اقتران الإيمان بالعمل الصالحات 3/العمل الصالح من أسباب للنجاة من عذاب القبر وأهوال الآخرة.اقتباس
وثمرةُ الإيمان بالله الأعمالُ الصالحة؛ ففي عشرات المواضع في القرآن الكريم قَرَنَ الله -سبحانه- بين الإيمان به وعمل الصالحات. كما أن المعاصي سبب للعقوبات في الدنيا، والعذاب في البرزخ وفي اليوم الآخر، ونحن نستعيذ في كل صلاة من عذاب القبر وعذاب النار.
الخطبة الأولى:
الحمد لله هدى النَجدَين، وكلّف الثقلين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين، والشفيع المشَفَّع يوم الدين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، والتزود من الطاعات، وهجر المُحرَّمات وكثرة الاستغفار وتجديد التوبة؛ فقد فاز من تمسَّك بالتقوى، وخسِرَ من طغى واتَّبعَ الهوى (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى * فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 34 -41].
عباد الرحمن: خلق الله عباده وأمدّهم بالنعم التي لا تُحصَى، ومن فضله أن أمَرَهم بعبادته ووعدهم بجزيل النعيم على طاعته، ومن رأفته بالعباد أن حذّر عباده بالوعيد ليرتدعوا عن سُبُل الردى، ومن فضله أنّ رحمته سبقت غضبه، مَن استغفره غفَر له، ومَن استهداه هداه.
أرسل رسله مبشرين ومنذرين، بيّنوا للناس الخير والشر، وأخبروهم أنهم مُحاسَبون وبأعمالهم مجَزيون، فالدنيا عمل ولا حساب وفي الآخرة حساب ولا عمل، قال -تعالى- في الحديث القُدسي: "يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أُحصِيها لكم ثم أُوفِّيكم إيَّاها؛ فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه"(رواه مسلم).
عباد الله: الأعمال محلٌ لنظر الرب -سبحانه- كما في الحديث "إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ"(رواه مسلم).
وثمرة الإيمان بالله الأعمال الصالحة؛ ففي عشرات المواضع في القرآن الكريم قَرَنَ الله -سبحانه- بين الإيمان به وعمل الصالحات. كما أن المعاصي سبب للعقوبات في الدنيا، والعذاب في البرزخ وفي اليوم الآخر، ونحن نستعيذ في كل صلاة من عذاب القبر وعذاب النار.
إخوة الإيمان: إليكم حديثًا نتذاكر فيه ارتباطنا بأعمالنا في الآخرة في مشاهد عديدة، وأسأل الله -عز وجل- أن ينفع به المتكلم والسامع؛ عسى أن نزداد من الخيرات قرباً وعن الآثام بعداً.
إخوة الإسلام: القبر أول منازل الآخرة، وحين يموت الإنسان يتبعه أهله وماله وعمله فيرجعون إلا العمل فيبقى معه في قبره، وفي الحديث: "ويأتيه رجلٌ حسَنُ الوَجهِ حسَنُ الثِّيابِ طَيِّبُ الرِّيحِ، فيقول: أبشِرْ بالذي يسُرُّك، هذا يومُك الذي كنتَ تُوعَدُ، فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجيءُ بالخيرِ؟! فيقول: أنا عمَلُك الصالح"(أخرجه أحمد وأبو داوود والنسائي وصححه الألباني).
وفيه أيضًا: "ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثِّيابِ مُنتِنُ الرِّيحِ فيقولُ له أبشِرْ بالَّذي يسوءُك هذا يومُك الَّذي كنتَ توعدُ فيقولُ من أنت فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشَّرِّ فيقولُ أنا عملُك الخبيثُ".
عبد الرحمن: وبعد قيام الساعة ستمر بمشاهد كثيرة مرتبطة بأعمالك؛ (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة:6-8].
عباد الله: من مشاهد القيامة المرتبطة بالأعمال: دنوّ الشمس وتفاوت الناس في العَرَق حسب أعمالهم .. ففي الحديث: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ"؛ قالَ سُلَيْمُ بنُ عامِرٍ: فَواللَّهِ ما أدْرِي ما يَعْنِي بالمِيلِ؟ أمَسافَةَ الأرْضِ، أمِ المِيلَ الذي تُكْتَحَلُ به العَيْنُ. قالَ: "فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا". قالَ: وأَشارَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- بيَدِهِ إلى فِيهِ"(أخرجه مسلم).
ومن عباد الله مَن هو في ظل الرحمن -سبحانه-؛ جعلني الله وإياكم منهم.
ومن مشاهد القيامة المتعلقة بالأعمال: مشهد الظلمة في عرصات القيامة؛ إذ يكون نور كل عبد حسب عمله، قال -تعالى-: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم)[الحديد: 12]، عن ابن مسعود قال: "يُؤْتَون نورهم على قَدْر أعمالهم، فمنهم مَن يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم مَن يُؤْتَى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورًا مَن نوره على إبهام رجله فيطفأ مرة ويوقد أخرى".
عباد الرحمن: والصراط من مشاهد الأعمال يوم القيامة: فسرعة العبور عليه حسب الأعمال ففي الحديث عند مسلم: "وتُرْسَلُ الأمانَةُ والرَّحِمُ، فَتَقُومانِ جَنَبَتَيِ الصِّراطِ يَمِينًا وشِمالًا، فَيَمُرُّ أوَّلُكُمْ كالْبَرْقِ قالَ: قُلتُ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي أيُّ شيءٍ كَمَرِّ البَرْقِ؟ قالَ: ألَمْ تَرَوْا إلى البَرْقِ كيفَ يَمُرُّ ويَرْجِعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وشَدِّ الرِّجالِ، تَجْرِي بهِمْ أعْمالُهُمْ".
نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة، وبما فيهما من الهدى والحكمة، واستغفروا الله إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة:7-8]، وصلى الله وسلم على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فأيام حياتنا أيام الزرع، أما الحصاد ففي الآخرة، وما أعظمه من يوم! فيه من هم من الفزع آمنون تتلقاهم الملائكة، وفيه فَزِعُون قلوبهُم قد بلغت حناجرَهم، فما أعظمه من يوم! (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية: 28]، "وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ".
ومن المشاهد الأخروية المرتبطة بالأعمال: مشهد الكلاليب جنبتي الصراط تخطف الناس بأعمالهم؛ ففي الحديث: "وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غيرَ أنَّه لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَن يُوبَقُ بعَمَلِهِ، ومِنْهُمْ مَن يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو"(أخرجه البخاري ومسلم بنحوه).
ومن مشاهد القيامة المرتبطة بالأعمال: مشهد الحساب والسؤال، وفي الحديث: "وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عن أعْمالِكُمْ"(أخرجه الشيخان)، وفي التنزيل (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[النحل:93].
عباد الرحمن: العمل معنا في حياة البرزخ، وفي الآخرة؛ فعَرَق الناس عند دنو الشمس سيكون حسب أعمالهم، ونور كل شخص في الظلمة على قدر عمله، وسرعة عبورهم على الصراط على قدر أعمالهم، والكلاليب حول الصراط تخطف الناس بأعمالهم، وسوف يسأل الله عباده عن أعمالهم.
إن دخول الجنة برحمة الله؛ كما صح في الحديث، ولكن الأعمال الصالحة سببٌ لنيل رحمة الله، وسبب للتفاضل في درجات الجنة.
ختامًا: لا يخفى على شريف عِلْمكم أن الأعمال تشمل كل عمل قلبي وقولي وفعلي.
نسأل أن يوفقنا لحسن العمل، وأن يجنّبنا سيئه، وسيكون -بإذن الله- حديث عن أسباب التوفيق للأعمال الصالحة في جمعة قادمة.
ثم صلوا وسلموا...
التعليقات