عناصر الخطبة
1/نعمة الله بإرسال خير خلقه بأفضل رسالاته 2/شفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بأمته 3/موقف المشركين من الدعوة 4/الهجرة شأنها عظيم وهي فتح مبين 5/عظات وعبر من حادثة الهجرةاقتباس
إن حديث الهجرة لَينادي بصوت يسمعه مَنْ بَعُدَ، كما يسمعه مَنْ قَرُبَ، أن الشدائد لا تدوم، وأن الاصطفاء قرين الابتلاء، وأن المكارم منوطة بالمكاره، وأن العِبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله المتفرِّد بالاسم الأشرف الأسمى، المختصِّ بالملكوت الأعظم الأسنى، الذي ليس دونَه منتهى ولا وراءه مرمى، وَسِعَ كلَّ شيء رحمةً، وأحاط بكل شيء علمًا، -سبحانه- جلَّ إلهًا وربًّا، وكَمُلَ مقتدِرًا وحَكَمًا، منَّ على المؤمنين إذ بعَث فيهم رسولًا من أَنْفُسِهم، هو أَنَفُسُهم عربًا وعجمًا، وأقربهم زكاة ورُحمَى، وأزكاهم محتدًّا ومنمَى، وأرجحُهم عقلًا وحِلْمًا، وأكمَلُهم يقينًا وعزمًا، زكَّاه ربُّه روحًا وجسمًا، وحاشاه عيبًا ووصمًا، وآتاه حكمةً وحُكْمًا، وفتَح به قلوبًا غُلفًا، وأعُينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، فآمَن به ونصرَه مَن جعَل اللهُ له في مغنم السعادة قِسْمًا، وكذَّب به وصدَف عنه مَنْ كتَب اللهُ عليه الشقاءَ حتمًا، (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى)[الْإِسْرَاءِ: 72]، صلَّى الله عليه صلاة تنمو وتَنمَى، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 103].
أيها المؤمنون: لَمَّا اقتضت حكمةُ الله -تعالى- ورحمتُه بالخليقة، أن يتعاهدهم بمَن يُصلحهم ويسوس أمرَهم، ويسوقهم إلى مراشدهم، وينقلهم من الضلال إلى الهدى، ويحفظ عليهم الفطرةَ المقررةَ، بعَث فيهم أنبياءَ ورسلًا، هم خيرةُ الخَلقِ، وصفوةُ الحقِّ، السفراء بين الله وخَلقِه، يبلِّغونهم رسالاتِه، ويعلِّمونهم آياتِه ومراداته، ويمشون بينهم بأحسن الأخلاق، وأشرف الصفات، حتى يكونوا بغيةً للمقتبِسِينَ، وقدوةً للملتمِسِينَ، فدرَج على هذا الدرب صفوةٌ كثيرةٌ، ونهَل من هذا الشِّرْبِ خلاصةٌ أثيرةٌ، كان آخِرُهم عَلَمَ الهدى، وسيدَ الورى، خاتمَ النبيِّينَ، ورحمةَ اللهِ للعالَمينَ، محمد بن عبد الله بن عبد المطَّلب بن هاشم، النبي العربي القرشي الهاشمي، سليل إبراهيم الخليل من ولده الذبيح إسماعيل، -صلى الله عليه وسلم-، وشَرَّفَ وكرَّم.
ختَم اللهُ به ديوانَ الرسالة، وتمَّم به أنوار النبوة، وجعَلَه بابَ الخليقة الشارع إلى جنَّته، ودليلَهم الْمُوصِلَ إلى رحمته، لا يقبل اللهُ بعدَ بعثته دينًا غيرَ دينه، ولا يرضى طريقةً غيرَ طريقته، هو وأُمَّته الآخِرون في الدنيا الأوَّلون يوم القيامة، مثلُه -صلى الله عليه وسلم- ومثلُ الأنبياءِ مِنْ قبلِه، كمثل رجل بنى بنيانًا، فأحسَنَه وأجمَلَه إلا موضعَ لَبِنَةٍ من زاوية من زواياه، فجعَل الناسُ يطوفون به ويعجَبُون له ويقولون: "هلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنةُ"، فكان -بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم- هو هذه اللبنة، التي كمَّلت حسنَ البناءِ، وأخذت منه مأخذَ الدُّرَّة من التاج، والواسطة من العِقْد، فكانت خيرَ لبنة في خير بناء.
ومثلُه -صلى الله عليه وسلم- ومثلُ أُمَّتِه كمثلِ رجلٍ استوقد نارًا، فلمَّا أضاءت ما حولها، جعَل الفَراشُ يقعنَ فيها، ويتهافتنَ عليها، وهو يحجزهنَّ عنها، فيغلبنَه ويتقحَّمْنَ فيها، بعثَه ربُّه -سبحانه- وقد عمَّ أهلَ الأرض عربًا وعجمًا بمقته، إلا بقايا من أهل الكتاب، والناسُ في الأرض يومئذ صنفانِ: أهلُ كتاب بدَّلوا وغيَّروا، وأهلُ أوثانٍ عبَدُوا ما صنعوا واستحسَنُوا، فكانت البشرية حينئذ أحوجَ ما تكون إلى مَنْ يبدِّد عنها ظلماتِ الغيِّ والضلالةِ، ويجدِّد فيها أنوار الهداية ومشاعل الاستقامة، ويجدِّد فيها أنوار الهداية ومشاعل الاستقامة، يجدِّد ما اندرس، ويُحيِي ما انطمَس، ويجلو عن وجه الحق ما اكفهرَّ وعَبَسَ، فجاءه الحقُّ من ربه وهو يتحنَّث بغار حراء، فغطَّه حتى بلَغ منه الجهدُ، فقال: "اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ، حتى قال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[الْعَلَقِ: 1-5]، وكان نزولُ هذه الآي إيذانًا باستفتاح النبوة المحمدية، وإرهاصًا بوحيٍ سماويٍّ خاتمٍ للرسالات، يُخرِج الناسَ من الظلمات إلى النور، و(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ)[الْمَائِدَةِ: 16].
ثم أنزَل اللهُ -تعالى- عليه الآيَ تلو الآي، آمِرًا إيَّاه بالنذارة والبشارة، فأنذَر قومَه زمنًا سِرًّا، ثم أمرَه ربُّه أن يصدَع بدعوته جهرًا، غيرَ مُبالٍ بالمشركينَ في جنب الله، فلاقى من أذى المشركينَ في مكة أبلغَ المشاقِّ، فكذَّبوه وصدُّوا عنه وقالوا: (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)[الدُّخَانِ: 14]، وقالوا: (شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)[الطُّورِ: 30]، وقالوا: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ)[يُونُسَ: 2]، (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 5]، فما ازداد رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إلا صلابةً في الحق، وما ازداد المكذِّبون إلا عنادًا في الباطل، (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)[الْمُلْكِ: 21].
ولقد جرَت بينَهم وبينَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شئونٌ وخطوبٌ، وأحوالٌ وأهوالٌ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع كل ذلك يصفح ويعفو، ويرجو أن يكون منهم مَنْ يؤمن بالله ويصدِّقه، ولَمَّا سأَلَتْه زوجُه الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنها- يومًا: "هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"(أخرجه الشيخان)، وعن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- قال: "أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا"، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) [غَافِرٍ: 28]"(أخرجه البخاري)، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كأنِّي أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبيًّا من الأنبياء ضرَبَه قومُه، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ويقول: ربِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ"(أخرجه الشيخان).
أيها المؤمنون: ولَمَّا استحكم البلاءُ على العصبة المؤمنة في مكة، أَذِنَ اللهُ -جل وعلا- لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة؛ ليكون في مأمن من تربُّص قريش، يدعو إلى ربه، ويُقِيم دينَه الذي ارتضاه بين ظهرانَي أهل المدينة، فهاجَر صلى الله عليه وسلم وأصحابُه أرسالًا إلى المدينة واتخذوها وطنًا، وكانت هذه الهجرة فيصلًا بين الإسلام والكفر، أعزَّ الله بها الإسلام، وأذلَّ بها الكفر، وضرَب بها على عهد من الأذى والعذاب والخسف الذي لقيه المسلمون بمكة، فدالت الدولة للإسلام، ودُحرت دولةُ الكفر، وجُعلت كلمةُ الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ووقعت بين أهل الإسلام والكفر معاركُ اعترك فيها الحقُّ والباطلُ، وزهق الباطل (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الْإِسْرَاءِ: 81]، وتكللت حياة المسلمين بعد ذلك بألوان من الظَّفَر والنصر، يوم بدر والأحزاب، كما مُنِيت حياتهم قبلَها بالضَّعْف والانكسار، وانكسر أهل الكفر خائبين لم ينالوا خيرًا، وفتَح اللهُ على نبيه -صلى الله عليه وسلم- مكة، أحبَّ أرض الله إليه، وهو عزيز الجانب، منيع الحمى، ظاهر المعونة والتأييد والرعاية، ذلك الفتح المبين، الذي أتى وكأن لم تُسكَب يومًا على عرصات مكة العَبَرات، وتشتد الآلام، لقد جاء الفتح وقد هلَك من صناديد الكفر مَنْ هلَك، واتَّبع رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وسلَك سبيلَ المؤمنينَ مَنْ سلَك، وصدَق اللهُ -تعالى- نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- وأنجَز وعدَه، (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)[الْفَتْحِ: 27-28].
نفعني اللهُ وإياكم بهدي الكتاب، وبسُنَّة النبي الأوَّاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب فاستغفِروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي كتَب للإسلام بالهجرة نصرًا، وأورَث الكفرَ وأهلَه خسارًا ودحرًا، أحمده -سبحانه- على نِعَم تترى، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ربُّ الخلائق طُرًّا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثَه ربُّه بين يدي رحمته بشرى، وبين يدي عذابه نذرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا ثَرًّا.
أما بعدُ: فيا أيها المسلمون: إن حديث الهجرة لَينادي بصوت يسمعه مَنْ بَعُدَ، كما يسمعه مَنْ قَرُبَ، أن الشدائد لا تدوم، وأن الاصطفاء قرين الابتلاء، وأن المكارم منوطة بالمكاره، وأن العِبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات، وأن العبد يبذل الأسباب، والله يُنجِّح المساعيَ، وأن الفَرَج مع الصبر، وأن النصر مع الكَرْب، وأن مع العسر يسرًا.
إنها هجرة تكشِف أن سيرة النبي الهادي -صلى الله عليه وسلم- عليها تُوزَن الأقوالُ والأعمالُ والأحوالُ، وأنه لا خيرَ في هدي يخالِف هديَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لن يَصلح آخِرُ هذه الأمة، إلا بما صَلُحَ به أولُها، وأن مكابدة المشاق طريق الانطلاق، ومِنْ ظُلمة الآلام تنبلج أساريرُ الآمال، هجرة تُفصِح أن المهاجر مَنْ هجَر ما نهى اللهُ عنه ورسولُه -صلى الله عليه وسلم-، وأن هجرة الأبدان تنقطع، وهجرة القلوب إلى ربها دائمة ما دامت الأرواح في الأجساد.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خيرته مِنْ خَلقِه، المرفوع ذِكْرُه مع ذِكْرِه في الأولى، والشافع المشفَّع في الأخرى، كما أمرَكم بذلك ربُّكم -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والأصحاب، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب، وعنَّا معهم برحمتك يا كريم ويا عزيز، يا وهَّاب.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّر أعداءَ الدِّينِ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا، رخاءً سخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم بفضلك عُمَّنا، وبلطفك حُفَّنا، وعلى الإسلام والسُّنَّة والجماعة جمعًا توفَّنا، توفَّنا مسلمينَ، وألحِقْنا بالصالحينَ، غيرَ خزايا ولا مفتونينَ ولا مبدلينَ ولا مغيرينَ، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم إنَّا نسألكَ الهدى والتقى، والعفاف والغنى، اللهم ما سألناكَ من خير فأَعْطِنا، وما لم نسألك فابتَدِئْنا، وما قَصُرَتْ عنه آمالُنا وأعمالُنا من خيرَيِ الدنيا والآخرة فبَلِّغْنا.
اللهم احفظ بلاد الحرمين الشريفين، عزيزة بعز الإسلام، حائزة على كل خير، سالمة من كل شر، يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وهيِّئ له البطانة الصالحة، يا رب العالَمينَ، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، يا من له الدنيا والآخرة، وإليه المعاد.
اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلِح لنا شأنَنا كلَّه ولا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، ولا أقلَّ من ذلك، اللهم يا حي يا قيوم، إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، أن تجعل هذا العام عام خير ونصر وعز ونصر وتمكين وبَرَكة للإسلام والمسلمين، اللهم أَدْخِلْه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وبُعْد من الشيطان، ورضوان من الرحمن، يا ربَّ العالَمينَ.
اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، واغفر لنا ما سلَف وكان، من الذنوب والآثام والعصيان، يا رحيم يا رحمن.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنَّكَ يا مولانا سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم اغفر لنا ولوالِدِينا، اللهم اغفر لنا ولوالِدِينا، ولمشايِخنا، ولِمَنْ له حقٌّ علينا، ولمَنْ أوصانا بدعاء الخير، عُمَّ الجميعَ بالرحمة والرضوان، وعامِلْنا وإيَّاهم باللطف والإحسان، واجعل عاقبةَ أمرنا يا مولانا عندَكَ العفوَ والصفحَ والغفرانَ، والعتقَ من النيران، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات