عناصر الخطبة
1/الاعتبار بمرور الأيام 2/محاسبة النفس 3/ختام العام بخير وافتتاح العام بخير 4/أهمية التوقيت الهجرياقتباس
أنتَ مجموعةُ أيامٍ، وبكل يومٍ ينقصُ من عامِك، وبين عامٍ يَمضي وآخرُ يَحُلُ؛ تَنقصُ أعمارُنا بمقدارِ ما يَمرُ من أعوامِنا، ثم (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ)، وحينَها: (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمدُ للهِ على نِعمٍ تترى، وعلى أرزاقٍ لا نُطيقُ لها حصرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً تكونُ لنا ذخرًا، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المخصوصُ بالفضائلِ الكبرى، صلى اللهُ وسلم عليهِ إلى يومِ الأُخرى.
أما بعدُ: أرأيتم -عبادَ اللهِ- إلى القمرِ يهِلُ صغيراً، ثم يَنمو حتى يكونَ بدرَ الكمالِ، ثم يأخذُ بالنقصِ والاضمحلالِ. وهذه حالُ الدنيا؛ طلوعٌ وأُفولٌ، وممالكُ تُشادُ، وأُخرى تُبادُ، وسبحانَ من يُغيرُ ولا يتغيرُ.
ثم أنتَ مجموعةُ أيامٍ، وبكل يومٍ ينقصُ من عامِك، وبين عامٍ يَمضي وآخرُ يَحُلُ؛ تَنقصُ أعمارُنا بمقدارِ ما يَمرُ من أعوامِنا، ثم (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ)[القيامة:12]، وحينَها: (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ)[القيامة:13]. والكيِّسُ الفطِنُ مَن حاذَرَ الغفلةَ عن الآخرةِ، لئلا يعيشَ في غمرةٍ، فيؤخذَ على غِرةٍ، ويخدعَه الشيطانُ ويغُرَّه.
فلنقفْ مع أنفسِنا وقفاتٍ للمحاسبةِ بشأنِ ثلاثةِ أمورٍ: رأسِ المالِ، والأرباحِ، والخسائرِ. والمقصودُ برأسِ المالِ كلُ الفرائضِ، ابتداءً بتحقيقِ التوحيدِ وتثبيتِه، وانتهاءً بواجباتِ العباداتِ والمعاملاتِ، خصوصًا الصلاةَ وحقوقَ العبادِ.
أما الأرباحُ فهي النوافلُ؛ الصدقاتُ قيامُ الليلِ صلاةُ الضحى الرواتبُ الأذكارُ يوميًا صيامُ الاثنينِ أسبوعيًا صيامُ ثلاثةِ أيامٍ شهريًا العمرةُ سنويًا.
واستفتِحْ سَنَتَكَ بكثرةِ الصيامِ في محرمٍ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ"(رواه مسلم).
بَكَى التابعيُ العابدُ يزيدُ الرَّقَاشيُ، وهو يُخاطِبُ نفْسَهُ قائلاً: وَيْحَكَ يَا يَزِيدُ! مَنْ يَصُومُ عَنْكَ؟!مَنْ يُصَلِّي عَنْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟!وَمَنْ ذَا يَتَرَضَّى لَكَ رَبَّكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟!.
وأما مراجعةُ الخسائرِ فالحذرُ من أبوابِ الخسائرِ السبعةِ: القلبِ بشبهاتِهِ وشهواتهِ، والفرجِ واللسانِ والعينِ والأذنِ والرجلِ واليدِ.
أيُها المؤمنونَ: هل كانَ الصالحونَ يَندمونَ؟! ولمراحلِ حياتِهم يحاسِبونَ؟!
لنأخذِ الجوابَ من خلالِ هذا الموقفِ المؤثرِ لعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضيَ اللهُ عنهُ–فحينَ كانَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، بَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ! أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاَثٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنِّي، وَلاَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ. فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلاَلاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا. الحديثُ (رواهُ مسلمٌ).
"فيا لَهَا من ساعةٍ لا تُشبِهُها ساعةٌ، يندمُ فيها أهلُ التُقى؛ فكيفَ أهلُ الإضاعةِ، ويجتمعُ فيها شدةُ الموتِ إلى حسرةِ الفوتِ".
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاة وسلامًا على النبي المصطفى.
أما بعدُ: فإنَّ من بديعِ حكمةِ اللهِ تعالى أن جعلَ طرفيِ العامينِ بين شهرينِ محرَّمينِ، فذو الحِجةِ خاتمةٌ، والمحرَّمُ فاتحةٌ؛ فكأنَّ في ذلكَ إشعارًا للمؤمنِ بأن يختِمَ عملَه بالخيرِ ويفتتحَه بالخيرِ؛ فهما شهرانِ تُعظَّمُ فيهما أجورُ الطاعاتِ، كما تعظَّم فيهما الحُرماتُ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة:36].
أيُها الإخوةُ: التوقيتُ بتاريخِ الهجرةِ النبويةِ، مفخرةٌ إسلاميةٌ وسنةٌ عُمَريةٌ، وإننا وإن احتَجْنَا للتاريخِ الميلاديِ، وارتبطتْ به بعضُ مصالِحِنا، فلا أقلَ من أن نلتزمَ بذكرِ التاريخِ الهجريِ في خصوصياتِنا ومراسلاتِنا، وأن نُعلِّمَه أبناءَنا وبناتِنا. ونذكِّرَهم بأنه لا يَنبغي التعاملُ بالتاريخِ الميلاديِ ما دام باختيارِكَ العدولُ عنه.
وأما التهنئةُ بالعامِ الهجريِ الجديدِ فلا بأسَ بها؛ لأنها من قبيلِ العاداتِ لا العباداتِ؛ فمن هنّأكَ فهنِّئْهُ، ومن لم يُهَنِّئْكَ فلا تَبْتَدِئْهُ.
اللهم إنا نسألكَ بأنا نشهدُ أنكَ أنتَ اللهُ، لا إلهَ إلا أنت الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، نسألكَ أن تجعلَ عامَنا هذا عامَ أمنٍ وبركةٍ. عامَ علمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ.
عامًا تُسبغُ به علينا نعمَك وترزقَنا شكرَها.
عامًا تُصلحُ به أئمتَنا وولاةَ أمورِنا للسدادِ، وتهديَهم سبيلَ الرشادِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.
اللهم صلِّ وسلِمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات