اقتباس
" إن محمدا وأصحابه استبيحوا وأصيبت أموالهم ، وإن محمدا قد أسر وتفرق عنه أصحابه ، وإن اليهود قد أقسموا : لتبعثن به إلى مكة ثم لتقتلنه بقتلاهم بالمدينة !!!"
قال موسى بن عقبة وغيره : كان بين قريش حين سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خيبر تراهن عظيم وتبايع فمنهم من يقول : يظهر محمد وأصحابه ومنهم يقول : يظهر الحليفان ويهود خيبر وكان الحجاج بن عٍِلاط السُّلمي قد أسلم وشهد فتح خيبر وكانت تحته أم شيبة أخت بني عبد الدار بن قصي وكان الحجاج مكثرا من المال كانت له معادن بأرض بني سليم فلما ظهر النبي صلى الله عليه و سلم على خيبر قال الحجاج بن علاط : إن لي ذهبا عند امرأتي وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي فلا مال لي فأذن لي فلأسرع السير وأسبق الخبر ولأخبرن أخبارا إذا قدمت أدرأ بها عن مالي ونفسي فأذن له رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلما قدم مكة قال لامرأته : أخفي علي واجمعي ما كان لي عندك من مال فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم وإن محمدا قد أسر وتفرق عنه أصحابه وإن اليهود قد أقسموا : لتبعثن به إلى مكة ثم لتقتلنه بقتلاهم بالمدينة .
وفشا ذلك بمكة واشتد على المسلمين وبلغ منهم وأظهر المشركون الفرح والسرور فبلغ العباس عم رسول الله صلى الله عليه و سلم زجلة الناس وجلبتهم وإظهارهم السرور فأراد أن يقوم ويخرج فانخزل ظهره فلم يقدر على القيام فدعا ابنا له يقال له : قثم وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل العباس يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به أعداء الله :
( حبي قثم حبي قثم ... شبيه ذي الأنف الأشم )
( نبي ربي ذي النعم ... برغم أنف من رغم )
وحشر إلى باب داره رجال كثيرون من المسلمين والمشركين منهم المظهر للفرح والسرور ومنهم الشامت المغري ومنهم من به مثل الموت من الحزن والبلاء فلما سمع المسلمون رجز العباس وتجلده طابت نفوسهم وظن المشركون أنه قد أتاه ما لم يأتهم ثم أرسل العباس غلاما له إلى الحجاج وقال له : اخل به وقل له : ويلك ما جئت به وما تقول فالذي وعد الله خير مما جئت به ؟ فلما كلمه الغلام قال له : اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له : فليخل بي في بعض بيوته حتى آتيه فإن الخبر على ما يسره فلما بلغ العبد باب الدار قال : أبشر يا أبا الفضل فوثب العباس فرحا كأنه لم يصبه بلاء قط حتى جاءه وقبل ما بين عينيه فأخبره بقول الحجاج فأعتقه ثم قال : أخبرني قال : يقول لك الحجاج : أخل به في بعض بيوتك حتى يأتيك ظهرا فلما جاءه الحجاج وخلا به أخذ عليه لتكتمن خبري فوافقه عباس على ذلك فقال له الحجاج : جئت وقد افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر وغنم أموالهم وجرت فيها سهام الله وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اصطفى صفية بنت حيي لنفسه وأعرس بها ولكن جئت لمالي أردت أن أجمعه وأذهب به وإني استأذنت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقول فأذن لي أن أقول ما شئت فأخف علي ثلاثا ثم اذكر ما شئت قال : فجمعت له امرأته متاعه ثم انشمر راجعا فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال : ما فعل زوجك ؟ قالت : ذهب وقالت : لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك فقال : أجل لا يحزنني الله ولم يكن بحمد الله إلا ما أحب فتح الله على رسوله خيبر وجرت فيها سهام الله واصطفى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية لنفسه فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به قالت : أظنك والله صادقا قال : فإني والله صادق والأمر على ما أقول لك قالت : فمن أخبرك بهذا ؟ قال : الذي أخبرك بما أخبرك ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش فلما رأوه قالوا : هذا والله التجلد يا أبا الفضل ، ولا يصيبك إلا خير قال : أجل لم يصبني إلا خير والحمد لله أخبرني الحجاج بكذا وكذا وقد سألني أن أكتم عليه ثلاثا لحاجة فرد الله ما كان للمسلمين من كآبة وجزع على المشركين وخرج المسلمون من مواضعهم حتى دخلوا على العباس فأخبرهم الخبر فأشرقت وجوه المسلمين ..
زاد المعاد (3/299)
التعليقات